كورونومكس: تفعيل الزكاة

16 ابريل 2020
الزكاة تساعد الفقراء في زمن كورونا (فرانس برس)
+ الخط -
قالوا إن معدل دخل الفرد في دول منظمة التعاون الإسلامي يبلغ نحو 1500 دولار سنوياً. ولو طرحنا من هذا الرقم الدول متوسطة الدخل ومرتفعته، فإنّ دولاً إسلامية كثيرة في آسيا، وشرق أفريقيا وغربها، سيقل معدل دخل الفرد فيها عن 500 دولار سنوياً، أو ما يساوي أقل من الدولار والنصف حدّاً أدنى للفقر. 

وسنرى أنّ من بين الـ 1800 مليون مسلم نحو الخُمْس يعيشون تحت خط الفقر على أقل تقدير. وإذا استمر فيروس كورونا الذي تؤكد الدلائل على أنه، وإن لم يميز بين الناس، إلا أن محصلة من يفتك بهم أو يقرّبهم من ذلك هم الفقراء، فإنّ فقراء الدول الإسلامية (ليس كلهم مسلمين) هم أكثر الناس عرضة للآثار السلبية لمرض "كوفيد - 19".

ولو تذكّرنا أنّ هؤلاء كانوا قبل كورونا يعانون من التشريد، حيث يشكلون أكثر من 65% من لاجئي العالم، وأنّ نسبة البطالة بينهم تتجاوز 25%، وتوزيع الدخل في بلدانهم هو الأسوأ، سنرى كم سيتفاقم حجم المأساة مع انتشار الجائحة. (اقتصاد كورونا أو كورونومكس).

أطلق الأمير الحسن بن طلال، قبل عقدين تقريباً، في مؤتمر قمة مجلس التعاون الإسلامي، فكرة إنشاء الصندوق العالمي للزكاة، وكان يريد من ذلك التصدّي للإسلاموفوبيا التي دمغت الإسلام والمسلمين عند العامة في الدول الأخرى، فهما دين عنف وقوم تطرّف، ودعا الأمير الحسن إلى أن يكون هذا الصندوق متصدّياً للفقر والعوز لكل شعوب الأرض.
والآية 60 من سورة التوبة تقول "إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ الله والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ".

ونص الآية يفرضها على المسلمين واحدةً من الأركان الخمسة. ويفتي مفسّرون كثيرون أن الزكاة لا يجوز إخراجها إلا للمستحقين لها من المسلمين، ولا يجوز منحها لغيرهم. ولذلك، إنشاء صندوق للزكاة أو من أموال الزكاة لا يجوز عند الغالبية العظمى من المفسرين منحها لغير المسلمين. ولكن الغالبية تجيز ذلك إذا كان من الصدقات الأخرى، ومع أن موقعين كثيرين على المبادرة لإنشاء صندوق الزكاة هم من كبار علماء الدين، ما يعني أنهم أجازوا منحها لغير المسلمين، ولكني أفترض أن يكون ذلك محصوراً في غاياتٍ تعود بالنفع على المسلمين وغيرهم.

ولا أستطيع أن أفتي في هذا الأمر، إلا أنني أفترض أنّ الصندوق المقترح قادر على جمع أموال كثيرة، لو أنّ المسلمين التزموا بدفع جزء من ثروتهم بنسبة نصف في المائة من أصل 2.5% هي نسبة الزكاة من رأس المال المتراكم، ومن نتاج الأرض للصندوق العالمي.

وحسب تقارير الإحصاءات الدولية ومنظمة التعاون الإسلامي، يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لـ 57 دولة (الأعضاء) نحو 27 تريليون دولار في عام 2019.
ومع أنّ نسبة الإنتاجية في هذه الدول متفاوتة، فإنّ تقديرنا لرأس المال الخاضع للزكاة كان بنسبة ثلث الناتج المحلي الإجمالي على الأقل، أي أن رأس المال (الثروة) الخاضعة للزكاة ستبلغ نحو 10 تريليونات دولار. وهنا أفترض، لأسباب التبسيط، أنّ في الدول الإسلامية غير مسلمين يساوون عدد المسلمين في الدول غير الإسلامية.

وإذا طرحنا من 10 تريليونات نحو تريليوني دولار لا تنطبق عليها الزكاة؛ بسبب الديون أو الإفلاس، فإنّ الصافي سيكون في حدود 8 تريليونات دولار.

ولذلك، فإنّ 2.5% من المبلغ تساوي 200 مليار دولار سنوياً. ولو أخذنا خمسها فقط لصندوق الزكاة العالمي، على أساس أنّ أربعة أخماسه ستوزع داخل الدول، فإنّ الحصيلة السنوية ستقارب 40 مليار دولار. وفي كل المقاييس، لهذا الرقم قيمة عالية جداً.

وحتى لو خصصنا منه مبلغ 20% لمشروعات عامة من أجل دعم الجهود لمكافحة مرض كورونا، فإنّ المبلغ سيكون نحو 8 مليارات دولار لشراء معدّات طبية لمساعدة الدول الفقيرة، وسيكون لهذا الأمر أثر إيجابي كبير.
دعوة الأمير الحسن بن طلال، وخلفه عدد كبير من العلماء والمؤسسات، وبدعم سياسي من قادة بعض الدول الإسلامية والعربية، يجب أن ترى النور. لقد ركزنا كثيراً على الآيات القرآنية والسنة النبوية في شرح مكافحة الإسلام الأوبئة والأمراض السارية، ولكننا لم ندعم ذلك بالجهد المادي الملموس.

الدين الإسلامي المُساء فهمه قادر على المساهمة بحلول عملية خلّاقة لحل مشكلات الفقر والعوز والجوع والمرض في العالم. وما أحوجنا إلى تقديم نموذجٍ ساطع، مثل صندوق الزكاة في هذا الوقت العصيب الذي تمرّ به الإنسانية.
المساهمون