انتشر الفيروس الذي ظهر في وسط الصين في ديسمبر/كانون الأول الماضي بسرعة ملحوظة إلى ست قارات. لا يزال العلماء يحاولون تفكيك أسرار فيروس كورونا المستجد، المعروف رسميًا باسم SARS-CoV-2، لكن الملحوط حتى الآن أنه شديد العدوى ومتنقل. ولكن نظرًا لمعدل الوفيات البالغ 2% تقريباً، الفيروس لحسن الحظ، ليس آلة قتل مثل الإيبولا، الذي يحصد في المتوسط حوالي 50% من ضحاياه.
ومع ذلك، فإن تفشي هذا الفيروس يحتمل أن يكون أكثر من تهديد صحي، وفق تقرير "بلومبيرغ"، فهو يسيطر على العقول ويؤثر بسلوكيات الفاعلين الاقتصاديين، سواء كانوا سائحين أو رؤساء تنفيذيين أو رؤساء دول، وكل هؤلاء اعتادوا على تجنب التعرض للمخاطر.
وكورونا، يعطل الإنتاج في غير دولة، وأدى إلى تبخر 6 تريليونات دولار حتى اليوم من سوق الأسهم العالمية، وفجر ردود الفعل الاقتصادية السلبية التي أثارت مخاوف من حدوث انكماش عالمي خطير.
كان الأمر يدعو للقلق بدرجة كافية عندما ظهر الوباء لأول مرة في الصين، وهي من الاقتصادات الكبرى وحلقة أساسية من التكامل التجاري العالمي. ومع ذلك، فإن التداعيات كانت لا تزال بطيئة في معظم الأسواق الرئيسية، حتى عندما أطلقت حكومة الرئيس شي جين بينغ أكبر حجر صحي على نطاق واسع في العصر الحديث، وطوقت معظم مقاطعة هوبي بوسط الصين، والتي تعد ووهان عاصمة لها، وفق "بلومبيرغ".
وبقدر ما يعتبر تراجع النمو الصيني مكلفاً عالمياً، فقد كان بإمكان المحللين والمديرين التنفيذيين وضع مقاربات للمخاطر المحتملة للسياحة الصينية على الاقتصادات، وتغييرات سلاسل التوريد العالمية والآثار على الشركات متعددة الجنسيات.
وخلال الجزء الأكبر من يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، كان المستثمرون الصاعدون يشجعون على الشراء عند الانخفاض. صعدت سوق الأسهم الأميركية مدعومة بأرباح التكنولوجيا وجاذبية الأسهم مقابل عوائد السندات المنخفضة. وسجل مؤشر S&P 500 مستوىً مرتفعًا جديدًا في 19 فبراير.
تغير كل هذا عندما بدأت حالات فيروس كورونا الجديدة في الظهور والارتفاع في إيطاليا وإيران واليابان وكوريا الجنوبية، مما أدى إلى تفشي الفيروس في أكثر من 50 دولة ومنطقة حول العالم. قفزت العدوى في كوريا الجنوبية من 51 إلى أكثر من ألفين في أقل من أسبوعين.
أغلقت اليابان نظامها المدرسي الوطني بأكمله الذي يضم حوالي 13 مليون طالب، لمدة شهر تقريبًا. اتخذت المملكة العربية السعودية خطوة نادرة بتعليق رحلات الحج الدينية إلى المملكة والحد من دخول السياح لمنع انتشار الفيروس. المناطق التي تعاني من ضعف نظم الرعاية الصحية، مثل أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا، لا تزال الحالات فيها غير معروفة.
أثبت الفيروس أنه ضيف باهظ التكلفة حيث يصل إلى عائدات الشركات، وهوامش الربح، والميزانيات العمومية. ويشير كاتب الرأي في "بلومبيرغ" محمد العريان إلى أن المكونات الرئيسية الثلاثة للناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي الاستهلاك والتجارة والاستثمار، تتأثر بدرجة كبيرة من انتشار الفيروس.
وعملياً قبل انتشار كورونا، تراجعت التجارة العالمية في العام الماضي لأول مرة منذ عام 2009 بسبب حرب التعريفة الجمركية بين الولايات المتحدة والصين والركود التصنيعي. الآن أصبح الاقتصاد العالمي على مسار تسجيل أضعف عام منذ الأزمة المالية بسبب فيروس كورونا، وفقًا للمحللين في بنك أوف أميركا كورب. سينخفض النمو العالمي إلى 2.8% من التقديرات السابقة البالغة 3.1%، وسينمو الاقتصاد الصيني بنسبة 5.2%، وهو أسوأ أداء منذ عام 1990.
ولا يوجد لدى البنوك المركزية الكبرى، باستثناء مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، الكثير من النقد في عالم مالي تسيطر عليه أسعار الفائدة السلبية. ومصدر القلق الآخر، الذي يُحتمل أن يكون كبيراً، هو أن جهاز الائتمان العالمي يظهر علامات تراجع.
تمكن رؤية كل هذا الألم الاقتصادي بطريقة أخرى: إنه الثمن الذي يجب على العالم أن يدفعه مقابل الفشل في تحسين الأمن الصحي ضد أكثر من 1500 من مسببات الأمراض الجديدة التي تم اكتشافها منذ عام 1970، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. لقد حان استحقاق الفاتورة. الاستعداد لمدة سنة من العيش بين المخاطر.