يعوّل العديد من المحللين الأتراك على أن وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض سيكون في صالح بلادهم على صعد مختلفة، بما فيها الاقتصاد، فـ"الصداقة" التي تجمعه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيكون لها دور في استعادة بناء العلاقات وتطويرها، مشيرين إلى أن "الديمقراطيين" وإدارة جو بايدن تحديداً أضرت بالعلاقات بين واشنطن وأنقرة، لأنها رفعت، ومنذ حملتها الانتخابية، العداء للحكم بتركيا ودعم المعارضة.
ولم يخفِ محللون أتراك بعض الخشية مما يرونه "مزاجية ترامب" أو ردود فعله السريعة التي تترجم قرارات. ولكن، ثمة شبه إجماع على أن تركيا "ستنتعش" خلال فترة حكم الرئيس الجديد، مع توقع أن يصل حجم التبادل التجاري إلى عتبة 100 مليار دولار.
ويقول المحلل والأكاديمي التركي وهبي بايصان إن الرئيس أردوغان كان، ربما، من أوائل الذين باركوا للرئيس ترامب، بل وأرفق كلمة صديق ضمن المباركة، وهذا حقيقي، لأن هناك علاقة احترام وصداقة بين الرئيسين، على عكس الإدارة الديمقراطية والرئيس بايدن الذي كان يتحاشى حتى مقابلة الرئيس أردوغان أو وضع العلاقات على سكة واضحة.
وحول تحسين العلاقات الاقتصادية وزيادة التبادل والاستثمارات، يضيف المحلل التركي في حديث لـ"العربي الجديد" أن حجم التبادل يقترب اليوم من 40 مليار دولار، بل وجاءت الولايات المتحدة بالنسبة لصادرات الربع الثالث من العام الجاري ثاني شريك بعد الاتحاد الأوروبي، "ما يدفعنا للأمل بأن يصل حجم التبادل إلى 100 مليار دولار سنوياً، كما يتطلع البلدان".
ويلفت المحلل الاقتصادي طه عودة أوغلو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الاستثمارات بين البلدين بتنامٍ مستمر، فالاستثمارات التركية تزيد عن تسعة مليارات دولار في أميركا، ورأس المال الأميركي بتركيا تخطى 15 ملياراً العام الماضي، والفرص متاحة للمزيد، على اعتبار أن تركيا مركز إقليمي للتصنيع والتصدير والإدارة والخدمات اللوجستية والهندسة والبحث والتطوير.
ويشير المتحدث إلى أن تركيا عادت بسياساتها الخارجية للتصالح وصفر مشاكل، "ما يعني أننا لن نرى الاصطدام السابق بين ترامب وتركيا، حينما رفع رسوم الحديد والصلب وحاصر الاقتصاد التركي على خلفية قضية القس الأميركي، وهذا بالتوازي مع السياسة الاقتصادية التركية التي تناسب الغرب، بعد وصول الوزير محمد شيمشك ونهجه التقليدي بالتعاطي مع العملة والفائدة والضرائب، وفتح الباب واسعاً للاستثمار الخارجي".
ويرى طه أوغلو أن ترامب "جدي وعملي وصريح"، وهو ما يُريح تركيا بالتعامل مع الولايات المتحدة والتأسيس لديمومة علاقات، منها رفع عدد السياح لنحو مليوني أميركي، والتجارة لنحو 100 مليار دولار، والاستثمارات المتبادلة إلى 50 ملياراً.
ولم يبتعد المحلل التركي إيهان يلماظ بتفاؤله بتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية بعد فوز الحزب الجمهوري ووصول الرئيس دونالد ترامب للبيت الأبيض، ولكنه نبه إلى أن السياسة التي انتهجتها تركيا خلال السنوات الأربع الماضية، قد تتسبب ببعض المشاكل مع إدارة ترامب، سواء العلاقات مع بعض الدول، بالمنطقة أو بآسيا، أو الدخول بتجمع بريكس الذي يعد مواجهة للحلف الأوروبي الأميركي.
يستدرك المحلل التركي خلال حديث لـ"العربي الجديد" بأن "الود والصداقة بين الرئيسين" فضلاً عن دور تركيا وموقعها ستزيد من الالتقاء وإزالة العقبات، لأن ترامب رجل أعمال وعملي ويهمه تطوير العلاقات الاقتصادية وإنهاء الحروب العسكرية المباشرة كما أعلن، وهذه أهداف تركيا المعلنة، بل والتي تدخل فيها وسيطاً، إن بين روسيا وأوكرانيا أو في المنطقة العربية.
وحول العلاقات التجارية وبنية الصادرات، يضيف يلماظ أن التبادل، حتى بفترة الديمقراطيين، بزيادة مطردة، فقد زاد حجم التبادل من 16 مليار دولار عام 2008 إلى 35.5 ملياراً العام الماضي بارتفاع 110% وتوقع وصول التبادل إلى 40 ملياراً هذا العام.
وشهدت العلاقات التركية الأميركية، خلال فترة حكم ترامب السابقة، رغم ما يقال عن علاقة شخصية وصداقة بين الرئيسين، خمس أزمات، وصلت إلى التوتر حيناً وفرض عقوبات "كاستا" وإن لم تفعّل عملياً على أنقرة.
أولى الأزمات تتمثل بشراء تركيا منظومة "اس 400" الروسية عام 2017، وتسلمت الدفعة الأولى عام 2019، بعدما تعثرت جهود أنقرة لشراء أنظمة الدفاع الجوية الأميركية "باتريوت"، ما أساء للعلاقات وتجميد عقد طائرات "أف 35" وتهديد واشنطن بفرض عقوبات "كاتسا" على أنقرة لكنها لم تفعّل قبل تفعيل صواريخ المنظومة الروسية.
وثاني الأزمات وربما أشهرها، قضية القس الأميركي أندرو برونسون واعتقاله بتركيا في ديسمبر 2016 وسوء العلاقات بعد طلب ترامب إلى أردوغان الإفراج عن برونسون في مايو/ أيار 2017 وإلا سيتم "تدمير اقتصاد تركيا" كما هدد الرئيس الأميركي في مايو 2018، بعدها تم نقل القس الأميركي من السجن إلى الإقامة الجبرية.
لكن ذلك لم يرض ترامب، إذ فرض عقوبات في أغسطس/ آب 2018، منها تجميد أصول وزيري العدل والداخلية وتقييد دخولهما الولايات المتحدة، ليتابع ترامب الحزمة الثانية، وهي مضاعفة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم التركية، وردت أنقرة بالمثل، ما أدى لأكبر تراجع بالعملة التركية وقتذاك، قبل أن تستجب تركيا وتفرج عن القس الأميركي في تشرين الأول 2018.
وكان اتهام الولايات المتحدة لبنك خلق التركي بانتهاك العقوبات على إيران أزمة ثالثة بين تركيا والولايات المتحدة بعهد ترامب، وقت حكمت محكمة أميركية عام 2018 على رضا ضراب بانتهاك العقوبات وعلى محمد هكان أتيلا، مدير المصرف السابق بالسجن 32 شهراً.
لكن الرئيس ترامب، وحسب تقارير وقتذاك، تساعد مع تركيا وعمل لفترة طويلة لإيقاف الدعوى وصرّح بأن "المدعين العامين هم رجال باراك أوباما" ولم تزل الدعوى قائمة على المصرف التركي، وإن مجمدة.
والأزمة الرابعة التي تجلت برسالة ترامب للرئيس التركي، بعد العملية العسكرية التركية بسورية في أكتوبر/ 2019 على مناطق شمال شرقي سورية، والتي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.
ولم تدم الخلافات حول هذه الأزمة، والتي حلت بعد مكالمة هاتفية طويلة بين الرئيسين في ديسمبر من العام ذاته، ووعد الرئيس التركي بالانسحاب بعد العملية.