تضغط تكلفة الدعم والأجور على حساب خزينة تونس في ظل مواجهتها لسيل من النفقات، مقابل تراجع كبير في الموارد التي كان يفترض أن يموّل جزء منها بالقروض الداخلية والخارجية التي تم إقرارها في الموازنة الجارية.
وتعثّر المسار الحكومي في تعطيل قرار خروج تونس على السوق المالية للاقتراض، كما تم تعليق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ما يحرم الخزينة من موارد مهمة تحتاجها الدولة لصرف الأجور ونفقات التصرف العامة الموجهة للخدمات والدعم.
وتكشف بيانات رسمية على موقع البنك المركزي أن رصيد الخزينة العامة لتونس لا يتعدى 848 مليون دينار (300 مليون دولار)، فيما تغيب البيانات عن رصيد الخزينة من العملة الصعبة.
ويخشى المهتمون بالشأن الاقتصادي في تونس من تداعيات ضعف مخزونات الخزينة على قدرة حكومة تصريف الأعمال على تسيير النفقات اليومية ولا سيما منها المتعلقة بصرف الرواتب وتوفير مخصصات الدعم.
وتبلغ كتلة أجور موظفي تونس السنوية 19 مليار دينار (6.6 مليارات دولار) أي نحو 1.5 مليار دينار (526 مليون دولار) شهريا لدفع الرواتب، وهو ما يمثل ضغطا كبيرا على المالية العمومية في ظل محدودية الدخول، بحسب وزير المالية السابق والخبير الاقتصادي، سليم بسباس، الذي قال لـ"العربي الجديد" إن حكومة تصريف الأعمال لا تزال تملك القدرة في الأشهر الأولى من السنة على تدبّر أجور الموظفين رغم ضعف رصيد الخزينة.
وتوقع أن التعقيدات ستكون في الأشهر المقبلة وتحديدا في إبريل/ نيسان 2020، في حال تواصل انسداد الأفق الحكومي.
وأضاف بسباس أن إيرادات الجباية والجمارك للأشخاص الطبيعيين والشركات التي تجرى في شهر فبراير/ شباط الحالي تمكّن خزينة الدولة من تحصيل إيرادات تسمح لها بصرف الأجور وتوفير بقية النفقات العامة، مشيرا إلى أن حساب الخزينة متحرك.
غير أن هذا الحساب يواجه ضغطا بحسب بسباس، في فترة صرف الأجور، ما يدفع الحكومة إلى اللجوء إلى البنوك المحلية والشركات العمومية لطلب قروض لسداد الرواتب.
وحسب وثيقة للبنك المركزي التونسي اطلعت عليها "العربي الجديد"، ستسدد تونس في شهر إبريل/ نيسان قسطا أصليا لقرض بقيمة 250 مليون دولار وقسطا بـ400 مليون يورو في يونيو/ حزيران.
وأفاد بسباس أن حكومة تصريف الأعمال تتدبر أمر الأجور حاليا باللجوء الشهري إلى البنوك المحلية لإصدار سندات خزينة تقدر بـ200 مليون دينار، مشيرا إلى أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر طويلا.
وبداية فبراير/ شباط الجاري وقّعت وزارة المالية، اتفاق قرض بالعملة الصعبة مع 17 مؤسسة مالية محلية لتعبئة 455 مليون يورو (1417.17 مليون دينار) لتوفير موارد لفائدة ميزانية الدّولة لسنة 2020.
وأكد بسباس أن تأخر تشكيل الحكومة وغياب القرار السياسي الواضح، يزجان بالمالية العمومية في دائرة الصعوبات، وسيجبران الدولة على التقشف وتأجيل مشاريع الاستثمارات العمومية، زيادة على تأثير ذلك على التحويلات الاجتماعية ونفقات الدعم.
وكان يفترض أن يعلن رئيس الحكومة المكلف، إلياس الفخفاخ، السبت الماضي، عن تشكيل حكومته والمرور إلى البرلمان للحصول على ثقته، غير أن انسحاب حركة النهضة من المفاوضات أعاد الأمور إلى نقطة الصفر. وفي 10 يناير/ كانون الثاني الماضي أسقط البرلمان حكومة الحبيب الجملي.
وتشير الأرقام الواردة في قانون الموازنة إلى أن تونس ستسدد ديوناً بقيمة 11.6 مليار دينار، موزعة بين 7.9 مليارات دينار دينا أصليا (2.8 مليار دولار)، و3.7 مليارات دينار (1.3 مليار دولار)، فوائد على الديون.
ويمتد البرنامج الحالي مع صندوق النقد حتى إبريل/ نيسان 2020، بينما كان وزير الإصلاحات الكبرى في تونس، توفيق الراجحي، قد قال لـ"العربي الجديد"، إن "دور الصندوق مهم لحصول تونس على التمويلات الضرورية من السوق الدولية بنسب فائدة معقولة ومدة سداد طويلة".
وفي سياق متصل، أشار الراجحي، إلى أن المراجعات الخمس التي أجرتها حكومة الشاهد مع صندوق النقد لم تكن باليسيرة.
وأضاف أن أي قرار قادم للخروج على السوق المالية العالمية دون تحصيل اتفاقات مع صندوق النقد، قد يؤدي إلى الاقتراض بنسبة فائدة مشطة وتضخيم الدين الخارجي.