دخل الاقتصاد التركي ابتداءً من مطلع الأسبوع الجاري مرحلة جديدة من الصمود في وجه عقوبات خارجية تُفرض عليه، بما يشكل اختباراً آخر لقوّته ومتانته المالية وقدرة ليرته الوطنية على جبه الضغوط، مع سريان عقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي ضد أنقرة على خلفية إصرار تركيا على التنقيب شرق المتوسط عن الغاز قبالة السواحل القبرصية.
وتزامناً مع عثور سفينة التنقيب التركية "فاتح"، على احتياطي مقداره نحو 170 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي شرق المتوسط، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على تركيا يوم الإثنين، بعد إطلاع المسؤولين الأوروبيين في جزيرة قبرص اليونانية الدولَ الأعضاء في الاتحاد على عثور السفينة على الاحتياطي، وهذا ما أكدته صحيفة "فيليفثيروس" القبرصية اليونانية.
لكن الرد التركي أتى سريعاً على لسان وزير الخارجية، مولود جاووش أوغلو، يوم الثلاثاء، عندما قال إنه لا توجد حاجة للتعامل بجدية شديدة مع قرارات الاتحاد بخفض الاتصالات والتمويل، وذلك في مؤتمر صحافي عقده في سكوبيا، عاصمة مقدونيا الشمالية، معلناً نية إرسال سفينة تنقيب رابعة، بعدما قالت الخارجية في وقت سابق إن الخطوات لن تؤثر في عزم تركيا على مواصلة أنشطتها.
اقــرأ أيضاً
بهذا المعنى، يمكن القول إن الأمور تتخذ مساراً تصعيدياً، ولا سيما مع تأكيد الوزير: "سنزيد فعالياتنا وأنشطتنا شرق المتوسط"، ورغم تخفيفه في المقابل من حدة هذه التدابير، معتبراً أنها تندرج في إطار "إرضاء الجانب الرومي"، وقوله: "لن نأخذ تدابير الاتحاد الأوروبي ضد تركيا على محمل الجد"، إذ إن "الأوروبيين يُدركون أن تلك القرارات ليست قابلة للتطبيق".
ماذا في التدابير الأوروبية؟
وتضمّنت العقوبات "اقتطاع جزء من الأموال التي يقدّمها الاتحاد لتركيا قبل انضمامها للكيان الأوروبي، ومراجعة أنشطة البنك الاستثماري الأوروبي للإقراض في تركيا"، فضلاً عن تعليق المحادثات الجارية بين تركيا والاتحاد بخصوص اتفاقية الطيران، وعدم عقد مجلس الشراكة واجتماعات أُخرى رفيعة المستوى تتم عادة في إطار الحوار بين الاتحاد وتركيا".
وأشار بيان اجتماع مجلس العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي من بروكسل، إلى أنه "في حال مواصلة تركيا أعمال التنقيب عن الهيدروكربون، فإن الاتحاد سيعمل على وضع خيارات لمزيد من التدابير"، لأن عمليات التنقيب التي تقوم بها تركيا شرق المتوسط، "غير شرعية" بحسب بيان العلاقات الخارجية الأوروبي.
كما صادق الاتحاد الأوروبي يوم الإثنين، على مقترح خفض المساعدات التي تقدم للدول قبل الانضمام للاتحاد، ومنها لتركيا في ما يتعلق بعام 2020، ووفقاً لهذا التخفيض سيتم اقتطاع 146 مليون يورو من المساعدات، وطلب الاتحاد من البنك الأوروبي للاستثمار مراجعة شروط تمويله لتركيا، و"من غير المستبعد إقرار عقوبات هادفة لاحقاً" بحسب دبلوماسي أوروبي.
إصرار تركي... وتحسّن الليرة
في المقابل، تؤكد تركيا أن سفنها ستستمر بالتنقيب في الجرف القاري، وأن القرارات الأوروبية لن تؤثر في هذا الاتجاه، في الوقت الذي واصلت الليرة مشوار تحسّنها يوم الثلاثاء، مسجلة 5.714 ليرات مقابل الدولار و6.435 ليرات مقابل اليورو، رغم العقوبات، ورغم تخفيض وكالة "فيتش" الائتمانية تصنيفها للديون السيادية التركية من "بي.بي" BB إلى "بي.بي ناقص" BB- يوم الجمعة الماضي.
لكنّ محللين يعتقدون أن الليرة قد تُعاني مستقبلاً، في حال تم تطوير العقوبات الأوروبية وتبعتها عقوبات أميركية، بخاصة إن ترافقت العقوبات مع تخفيض سعر الفائدة من 24% إلى 15%، قبل أن تعاود الليرة التحسّن بعد "فترة الصدمة" المتوقعة، مدعومة بمؤشرات اقتصادية قوية نهاية هذا العام، وخصوصاً على صعيد تحسّن الميزان التجاري وانتعاش السياحة، وبلوغ الاحتياطي النقدي لدى المصرف المركزي نحو 151 مليار دولار، صعوداً من 92 ملياراً المسجلة في يونيو/ حزيران 2018.
ويتوقع الأكاديمي التركي مسلم طالاس لـ"العربي الجديد"، استقرار سعر صرف الليرة إلى أن يتخذ المصرف المركزي قراراً بشأن تخفيض سعر الفائدة، "فوقتذاك سنرى تراجعاً بسعر صرف الليرة، ومن ثم تأثيراً على الإنتاج الكُلي، ما سيزيد من الانكماش الاقتصادي".
وحول المخاوف من عقوبات أميركية بعد استيراد أنقرة الصواريخ الروسية، واستمرار التنقيب عن الغاز شرق المتوسط، يضيف طالاس لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن تهديد أميركا هو لحفظ ماء الوجه، وإن فرضت عقوبات، فستكون خفيفة جداً، لأن الولايات المتحدة حريصة على عدم تكريس عداء مع تركيا أو دفعها باتجاه روسيا".
وتوقع أن تشمل العقوبات المفترضة حرمان تركيا من المشاركة بصنع طائرات "إف 35"، ومعاقبة الشركات التركية التي تتعاون مع روسيا في صناعة الأسلحة، وربما الضغط على البنك الدولي ومصارف عالمية لعدم منح قروض لشركات ومصارف تركية، فضلاً عن الأسلوب المتداول وهو تخفيض التصنيف الائتماني للديون السيادية، ما سيخلق توجساً لدى الرساميل من القدوم والاستثمار داخل تركيا.
وينتهي طالاس إلى القول إن "مستقبل الليرة والاقتصاد مرتبط بتحسّن الأداء، وخصوصاً بالنسبة للسياحة التي ارتفعت إيراداتها، وكذلك الميزان التجاري الذي حقق فائضاً في مايو/ أيار الماضي، ليتراجع العجز التجاري على أساس سنوي إلى مليارين و370 مليون دولار"، لافتاً إلى أن الأسواق التركية تعتمد نتائج المؤشرات الاقتصادية أكثر مما تستجيب للتصريحات والمواقف.
ويقول المحلل التركي إسلام أوزجان، إن تركيا لا يمكن أن تتخلى عن التنقيب شرق المتوسط، رغم العقوبات "الرمزية"، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن "الحاجة متبادلة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، لا بل إن حاجة الأوروبيين أكثر، سواء في ما يتعلق بنقل الطاقة والغاز أولاً، ومن ثم ملف اللاجئين، لذا على الأرجح ألا نرى عقوبات حقيقية" أوروبية، بل حرصاً على توازن العلاقات بين أنقرة والاتحاد.
تأثير محدود للعقوبات
وفي حال تطورت العقوبات الأوروبية، يقول المحلل التركي: "لن تتخلى تركيا عن التنقيب، لأن الأمر لا يقتصر على الطاقة، بل يتعلق بالسيادة التركية في البحر المتوسط وقبرص الشمالية، ولا يمكن أن تتخلى تركيا عن حقوقها وعن شمال قبرص".
اقــرأ أيضاً
وفي المقابل، يرى المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو، أن تأثير العقوبات الأوروبية سيكون محدوداً "لأن بلاده لا تعتمد على الاتحاد الأوروبي في قطاع الطيران، كما أن هذه العقوبات ربما تدفع تركيا إلى إعادة النظر حتى بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي"، لأن مكتسبات كوبنهاغن لم تعد مُغرية بالنسبة لأنقرة، التي لديها مكتسبات لن تتخلى عنها وتتطلع للانخراط في تحالفات جديدة.
ويضيف المحلل التركي في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن تركيا ماضية بطريقها للتنقيب مع محافظتها على حقوق الآخرين، معرباً عن الأسف من ردة الفعل الأوروبية، لأن "أنقرة كانت تتطلع إلى حلول سلمية وعادلة وتفعيل خطة عنان لعام 2005 واقتسام الثروات بشكل عادل".
وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان مساء الإثنين، إن "القرارات التي تم اتخاذها في اجتماع مجلس العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي، لن تؤثر بأي شكل من الأشكال على عزمنا مواصلة أنشطة التنقيب عن الموارد الهيدروكربونية شرق المتوسط".
وأشارت إلى "عدم تطرق هذه القرارات إلى القبارصة الأتراك الذين لهم حقوق متساوية في الموارد الطبيعية لجزيرة قبرص، والتعامل معهم كأنهم غير موجودين، لأمر يوضح مدى انحياز الاتحاد الأوروبي وتحامله في تعاطيه مع أزمة الجزيرة".
وختم بيان الخارجية التركية: "كما أكدنا في الماضي مراراً وتكراراً، فإن أنشطة التنقيب عن الموارد الهيدروكربونية التي نقوم بها شرق المتوسط لها بعدان رئيسيان، هما حماية حقوقنا في جرفنا القاري، وحماية حقوق القبارصة الأتراك الأصحاب المشتركين للجزيرة، إذ لهم نفس الحقوق في الموارد الهيدركربونية بالجزيرة".
لكن الرد التركي أتى سريعاً على لسان وزير الخارجية، مولود جاووش أوغلو، يوم الثلاثاء، عندما قال إنه لا توجد حاجة للتعامل بجدية شديدة مع قرارات الاتحاد بخفض الاتصالات والتمويل، وذلك في مؤتمر صحافي عقده في سكوبيا، عاصمة مقدونيا الشمالية، معلناً نية إرسال سفينة تنقيب رابعة، بعدما قالت الخارجية في وقت سابق إن الخطوات لن تؤثر في عزم تركيا على مواصلة أنشطتها.
ماذا في التدابير الأوروبية؟
وتضمّنت العقوبات "اقتطاع جزء من الأموال التي يقدّمها الاتحاد لتركيا قبل انضمامها للكيان الأوروبي، ومراجعة أنشطة البنك الاستثماري الأوروبي للإقراض في تركيا"، فضلاً عن تعليق المحادثات الجارية بين تركيا والاتحاد بخصوص اتفاقية الطيران، وعدم عقد مجلس الشراكة واجتماعات أُخرى رفيعة المستوى تتم عادة في إطار الحوار بين الاتحاد وتركيا".
وأشار بيان اجتماع مجلس العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي من بروكسل، إلى أنه "في حال مواصلة تركيا أعمال التنقيب عن الهيدروكربون، فإن الاتحاد سيعمل على وضع خيارات لمزيد من التدابير"، لأن عمليات التنقيب التي تقوم بها تركيا شرق المتوسط، "غير شرعية" بحسب بيان العلاقات الخارجية الأوروبي.
كما صادق الاتحاد الأوروبي يوم الإثنين، على مقترح خفض المساعدات التي تقدم للدول قبل الانضمام للاتحاد، ومنها لتركيا في ما يتعلق بعام 2020، ووفقاً لهذا التخفيض سيتم اقتطاع 146 مليون يورو من المساعدات، وطلب الاتحاد من البنك الأوروبي للاستثمار مراجعة شروط تمويله لتركيا، و"من غير المستبعد إقرار عقوبات هادفة لاحقاً" بحسب دبلوماسي أوروبي.
إصرار تركي... وتحسّن الليرة
في المقابل، تؤكد تركيا أن سفنها ستستمر بالتنقيب في الجرف القاري، وأن القرارات الأوروبية لن تؤثر في هذا الاتجاه، في الوقت الذي واصلت الليرة مشوار تحسّنها يوم الثلاثاء، مسجلة 5.714 ليرات مقابل الدولار و6.435 ليرات مقابل اليورو، رغم العقوبات، ورغم تخفيض وكالة "فيتش" الائتمانية تصنيفها للديون السيادية التركية من "بي.بي" BB إلى "بي.بي ناقص" BB- يوم الجمعة الماضي.
لكنّ محللين يعتقدون أن الليرة قد تُعاني مستقبلاً، في حال تم تطوير العقوبات الأوروبية وتبعتها عقوبات أميركية، بخاصة إن ترافقت العقوبات مع تخفيض سعر الفائدة من 24% إلى 15%، قبل أن تعاود الليرة التحسّن بعد "فترة الصدمة" المتوقعة، مدعومة بمؤشرات اقتصادية قوية نهاية هذا العام، وخصوصاً على صعيد تحسّن الميزان التجاري وانتعاش السياحة، وبلوغ الاحتياطي النقدي لدى المصرف المركزي نحو 151 مليار دولار، صعوداً من 92 ملياراً المسجلة في يونيو/ حزيران 2018.
ويتوقع الأكاديمي التركي مسلم طالاس لـ"العربي الجديد"، استقرار سعر صرف الليرة إلى أن يتخذ المصرف المركزي قراراً بشأن تخفيض سعر الفائدة، "فوقتذاك سنرى تراجعاً بسعر صرف الليرة، ومن ثم تأثيراً على الإنتاج الكُلي، ما سيزيد من الانكماش الاقتصادي".
وحول المخاوف من عقوبات أميركية بعد استيراد أنقرة الصواريخ الروسية، واستمرار التنقيب عن الغاز شرق المتوسط، يضيف طالاس لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن تهديد أميركا هو لحفظ ماء الوجه، وإن فرضت عقوبات، فستكون خفيفة جداً، لأن الولايات المتحدة حريصة على عدم تكريس عداء مع تركيا أو دفعها باتجاه روسيا".
وتوقع أن تشمل العقوبات المفترضة حرمان تركيا من المشاركة بصنع طائرات "إف 35"، ومعاقبة الشركات التركية التي تتعاون مع روسيا في صناعة الأسلحة، وربما الضغط على البنك الدولي ومصارف عالمية لعدم منح قروض لشركات ومصارف تركية، فضلاً عن الأسلوب المتداول وهو تخفيض التصنيف الائتماني للديون السيادية، ما سيخلق توجساً لدى الرساميل من القدوم والاستثمار داخل تركيا.
وينتهي طالاس إلى القول إن "مستقبل الليرة والاقتصاد مرتبط بتحسّن الأداء، وخصوصاً بالنسبة للسياحة التي ارتفعت إيراداتها، وكذلك الميزان التجاري الذي حقق فائضاً في مايو/ أيار الماضي، ليتراجع العجز التجاري على أساس سنوي إلى مليارين و370 مليون دولار"، لافتاً إلى أن الأسواق التركية تعتمد نتائج المؤشرات الاقتصادية أكثر مما تستجيب للتصريحات والمواقف.
ويقول المحلل التركي إسلام أوزجان، إن تركيا لا يمكن أن تتخلى عن التنقيب شرق المتوسط، رغم العقوبات "الرمزية"، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن "الحاجة متبادلة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، لا بل إن حاجة الأوروبيين أكثر، سواء في ما يتعلق بنقل الطاقة والغاز أولاً، ومن ثم ملف اللاجئين، لذا على الأرجح ألا نرى عقوبات حقيقية" أوروبية، بل حرصاً على توازن العلاقات بين أنقرة والاتحاد.
تأثير محدود للعقوبات
وفي حال تطورت العقوبات الأوروبية، يقول المحلل التركي: "لن تتخلى تركيا عن التنقيب، لأن الأمر لا يقتصر على الطاقة، بل يتعلق بالسيادة التركية في البحر المتوسط وقبرص الشمالية، ولا يمكن أن تتخلى تركيا عن حقوقها وعن شمال قبرص".
ويضيف المحلل التركي في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن تركيا ماضية بطريقها للتنقيب مع محافظتها على حقوق الآخرين، معرباً عن الأسف من ردة الفعل الأوروبية، لأن "أنقرة كانت تتطلع إلى حلول سلمية وعادلة وتفعيل خطة عنان لعام 2005 واقتسام الثروات بشكل عادل".
وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان مساء الإثنين، إن "القرارات التي تم اتخاذها في اجتماع مجلس العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي، لن تؤثر بأي شكل من الأشكال على عزمنا مواصلة أنشطة التنقيب عن الموارد الهيدروكربونية شرق المتوسط".
وأشارت إلى "عدم تطرق هذه القرارات إلى القبارصة الأتراك الذين لهم حقوق متساوية في الموارد الطبيعية لجزيرة قبرص، والتعامل معهم كأنهم غير موجودين، لأمر يوضح مدى انحياز الاتحاد الأوروبي وتحامله في تعاطيه مع أزمة الجزيرة".
وختم بيان الخارجية التركية: "كما أكدنا في الماضي مراراً وتكراراً، فإن أنشطة التنقيب عن الموارد الهيدروكربونية التي نقوم بها شرق المتوسط لها بعدان رئيسيان، هما حماية حقوقنا في جرفنا القاري، وحماية حقوق القبارصة الأتراك الأصحاب المشتركين للجزيرة، إذ لهم نفس الحقوق في الموارد الهيدركربونية بالجزيرة".