مكافحة الفساد في الجزائر تُصوّب على بوتفليقة

12 يوليو 2019
تتعالى الأصوات المنادية بمحاكمة الرئيس السابق (فرانس برس)
+ الخط -

على قدم وساق، تجري عمليات توقيف وتحقيقات في الجزائر، لمحاسبة مسؤولين حاليين وسابقين كبار، إلى جانب مليارديرات من العيار الثقيل، في إطار عملية موسّعة لمكافحة الفساد، حصدت لغاية هذا الأسبوع 5 وزراء و6 رجال أعمال وقائدا سابقا للشرطة ومدير إقامة الرؤساء والوزراء، وكلهم كانوا مقرّبين من عبدالعزيز بوتفليقة

ومع استمرار عملية فتح ملفات الفساد، وتمسّك الجزائريين بمحاسبة كل من تورّط في الفساد، بدأت أصوات تطالب بضرورة محاسبة بوتفليقة، بصفته المسؤول سياسياً وأخلاقياً عن كل ما جرى إبّان فترة حكمه التي امتدت 20 عاماً.

وبعد مرور أكثر من 3 أشهر على استقالته، ما زال الجزائريون يؤكدون على مطلبهم في محاسبة بوتفليقة وكل المحيطين به، وهو ما تميّزت به مسيرات يوم الجمعة الماضي المتزامنة مع ذكرى الاستقلال، حيث حمل الجزائريون شعارات تطالب بمحاسبة "عزيز الجزائر" كما دأب أنصاره على تسميته طيلة فترة حكمه منذ عام 1999، بصفته المسؤول الأول عن الفساد، من خلال منحه الحصانة لمقرّبيه الذين استعملوا اسمه لتحقيق ثروات كبيرة.

المواطن كمال عبيدين يعتبر أن "الفساد الذي نخر البلاد لم نكن نعرفه قبل قدوم بوتفليقة وعائلته، وبالتالي من الطبيعي أن يحاسب هو الآخر، باعتباره هو من أوصل الأسماء المسجونة إلى ما وصلت إليه من ثراء واستحواذ على خيرات البلاد"، مضيفاً أن "حالة الرئيس السابق الصحية ليست عُذراً لتجنيبه المحاسبة القضائية".
عماد، شاب مشارك في الحراك، يقول بدوره إن "الرئيس السابق لا يمكن استثناؤه من المحاسبة، فهو رأس العصابة، مهما كانت نسبة عمله أو مشاركته في الفساد. ورغم أخذ مرضه في الاعتبار، فإن الفساد لم يظهر بعد مرضه، بل منذ ارتفاع أسعار النفط وتضاعف عائدات البلاد منه، وما أدى إليه ذلك من رفع احتياطي النقد الأجنبي إلى 200 مليار دولار".

ورغم طلب بوتفليقة "الصفح عن كل تقصير" ارتكبه، في رسالة أذاعها بعد استقالته، إلا أن المراقبين يرون أن الاعتذار لا يكفي أمام حجم الفساد الذي خلّفه، والذي قدّرته الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد بأكثر من 70 مليار دولار.

في السياق، يرى الخبير الاقتصادي، محمود غوماري، أن "فترة حكم بوتفليقة كانت كارثة، نظراً لظهور عصابات المال وأشخاص استفادوا من امتيازات إمبراطوريته"، مؤكداً لـ "العربي الجديد" على "ضرورة محاسبة بوتفليقة وشقيقه وكل من تورّط في نهب أموال الشعب، إذ لا يمكن أن نحاسب الوزير الذي عيّنه بوتفليقة ورجل الأعمال الذي ساعده، بينما نتركه هو من دون حساب".

في أروقة محكمة سيدي امحمد حيث يُحقَق مع رجال الأعمال، وكذلك في المحكمة العليا حيث يُحقق مع الوزراء، لم يُذكر اسم عبد العزيز بوتفليقة في أي محضر أو قضية حتى اليوم، الأمر الذي يجعل استدعاءه مستبعداً، بحسب رجال القانون.

فحتى القضاء العسكري لم يستدعه في قضية "تهديد سلطتي الدولة والجيش" المتورّط فيها شقيقه سعيد بوتفليقة القابع في السجن العسكري في البليدة، وذلك بعد التأكد من أن مرض الرئيس السابق حال بينه وبين تسيير أمور الدولة الذي أصبح بالتالي، حينذاك، تحت تصرّف شقيقه وبعض المقرّبين من العائلة.
في السياق، يعتبر رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، المحامي نور الدين بن أسعد، أنه لا يمكن محاسبة الرئيس إلا في حالة "الخيانة العظمى" التي لا يفصل القانون في تعريفها، وهي في مفهومها العام تنطلق من التعامل مع الأجانب، لكن بمفهومها الضيق قد تمتدّ إلى خيانة الأمانة، لكن يبقى بت المسألة من صلاحيات النيابة العامة وصلاحية القضاء.

ويضيف الحقوقي الجزائري، لـ"العربي الجديد"، أنه إذا كان الشعب يرى ضرورة محاسبة بوتفليقة، فعلى العدالة أن تأخذ مجراها، لكن، برأيه، من غير الممكن محاسبة جميع الفاسدين إلا في حال استقلال القضاء الذي "لا يزال يعمل بالتعليمات"، حيث إن "النيابة العامة تتابع بعض رجال الأعمال، لكنها لا تتابع جميع المتورّطين في الفساد".

وتشمل المحاكمات القضائية اليوم عدداً من المسؤولين ورجال الأعمال، وأبرزهم من السياسيين: رئيس الحكومة السابق في عهد بوتفليقة أحمد أويحيى، وكذلك رئيس الحكومة الأسبق عبد المالك سلال، ووزير الصحة والتجارة والصناعة السابق عمارة بن يونس، ومدير إقامة الدولة "الساحل"، حميد ملزي.

وبين رجال الأعمال المتورّطين في الصفقات، علي حدّاد رئيس "الكارتل المالي" في عهد بوتفليقة، وأسعد ربراب صاحب أكبر ثروة في الجزائر تُقدّر بنحو 3.7 مليارات دولار، ومحيي الدين طاحكوت إمبراطور الخدمات الجامعية والنقل، والإخوة كريم ونوح ورضا كونيناف الناشطون في الأشغال العامة، إضافة إلى حسن عرباوي شريك "السيارات الكورية"، ومراد عولمي شريك شركة "فولكسفاغن".
المساهمون