مصارف لبنان... تقييد التحويلات وندرة بالدولارات

02 نوفمبر 2019
أمام أحد المصارف في بيروت(حسين بيضون)
+ الخط -
هو يوم المصارف بامتياز. طوابير اللبنانيين امتدت منذ الصباح الباكر. تحركات استهدفت مصرف لبنان وجمعية المصارف. شكاوى العملاء غطّت على كل الأحداث في البلاد. إجراءات تضييق على عمليات السحب والتحويل. والليرة التي التقطت أنفاسها في الصباح عادت للانخفاض مساءً. هكذا كان المشهد الجمعة، مع عودة المصارف إلى العمل بعد إغلاق أبوابها منذ حوالي الأسبوعين بعد انطلاقة الانتفاضة الشعبية في لبنان. 

وعند العاشرة من صباح الجمعة، اقتحم ثلاثة شبان وفتاة المركز الرئيسي لجمعية مصارف لبنان في بيروت، وأغلقوا الباب بالسلاسل الحديدية، فيما جلسوا على الأرض، مقابل القوى الأمنية التي بقيت خارج مبنى الجمعية، مرددين شعار "يسقط حكم المصرف".

وأعلن المحتجون "بدء المعركة مع حيتان المال من جمعية المصارف" وأعلنوا المطالب التالية: "تحويل كل القروض الشخصية والسكنية من الدولار إلى الليرة اللبنانية. إعادة هيكلة القروض الشخصية والسكنية لأصحاب الدخل المحدود والفقراء ضمن سقوف معينة دون أي فوائد إضافية. تحرير الاقتصاد من سيطرة الدولار وحصر المعاملات بالليرة اللبنانية".

وطالبوا بـ "استرداد الأموال التي نهبتها المصارف من خلال الهندسات المالية. استرجاع كل الأرباح الخيالية وغير المشروعة نتيجة تحالف السلطة السياسية مع رأس المال". وبعد حوالي نصف ساعة، تمكنت القوى الأمنية من دخول مبنى الجمعية، واعتقلت المحتجين ومن ثم أفرجت عنهم ظهراً، وأبقت أحدهم قيد الاحتجاز بعد تعرضه للضرب المبرح أمام وسائل الإعلام.

في حين نفذ عدد من المعتصمين في طرابلس (شمال) تظاهرة إلى مبنى مصرف لبنان، حاملين الأعلام اللبنانية، واعتصموا أمام مدخله، ورفعوا شعارات تندد بالسياسات النقدية والمصرفية.

تضييق على المودعين

"لقد مُنعت من تحويل أموالي إلى أميركا"، يقول أحد العملاء لدى أحد المصارف الكبرى في لبنان لـ "العربي الجديد". ويشرح: "أمتلك حساباً بالليرة اللبنانية، اشترط المصرف أن يحول الحساب للدولار على أن أقوم بتجميده لمدة عام، أو أقوم بتصريف المبلغ بالليرة في السوق الموازية إلى الدولار، ومن ثم أطلب من المصرف تحويله إلى أميركا".

مواطنة أخرى تنتظر أمام صراف آلي بعدما رفض مصرفها تحويل مبلغ من حسابها بالليرة إلى الدولار، "قالت لي الموظفة أن أقوم بسحب المبلغ من الصراف الآلي، لكن تبين أنه لا يوجد دولارات".

مواطن آخر يشكو: "العمولة على سحب شيكات الدولار ارتفعت من 0.5% إلى أكثر من 3.5%. إذا كانت قيمة الشيك 5000 الدولار كنت أدفع عليه عمولة 25 دولاراً، الآن ارتفعت الأخيرة إلى 175 دولاراً". ويضيف: "هذه العمولة ستزيد أيضاً على التجار، الذين سيحملونها إلى المستهلك الذي يعاني أصلاً من ارتفاع في الأسعار تعدى 40%".

وتقول موظفة في أحد المصارف الكبرى لـ "العربي الجديد"، إنه تم تحديد سقف السحوبات للعملاء الذين يمتلكون حسابات جارية بمبلغ ألفي دولار أسبوعياً من الصراف الآلي، ومن داخل المصرف 3 آلاف دولار يومياً و10 آلاف دولار شهرياً.

وتشرح أن كل مبلغ يفوق 3 آلاف دولار يحسم منذ 3.5 على الألف، فيما تصل العمولة إلى دولارين على السحوبات التي تقل عن هذا المبلغ مهما كان حجمها. ولكن ماذا إن أراد العميل سحب وديعته التي تفوق 3 آلاف دولار الآن؟ تؤكد الموظفة أن ذلك محظور، إذ يمكنه أن يحصل على شيك بالمبلغ المطلوب. وأين يمكن صرف هذا المبلغ إن كان لا يستطيع القيام بذلك في مصرفه؟ تختصر الموظفة إجابتها بعبارة: "لا أعرف".

تذبذب الليرة

وبموازاة الخيبات التي أصابت عملاء المصارف، ومخاوف المودعين على حجز أموالهم، تشير معلومات إلى أن "تحويل الأموال إلى الخارج لم يتوقف منذ أسبوعين، إلا أنه انحصر بالنخبة المحظية، وكبار المودعين، وبينهم سياسيون".

وبعيداً عن المصارف، عرفت الليرة اللبنانية ارتفاعاً في السوق الموازية في الصباح لتصل إلى 1530 أمام الدولار (السعر الرسمي 1507 ليرات)، إلا أنها عادت إلى الانخفاض ظهراً لتصل إلى ما بين1650 و1700 أمام الدولار.

وأشار محللون ومصرفيون إلى قلق واسع النطاق بشأن تدافع المودعين لسحب مدخراتهم أو تحويلها إلى الخارج مع استئناف البنوك لعملها. وتعهد مصرف لبنان المركزي بعدم فرض قيود على حركة رؤوس الأموال حين تعيد البنوك فتح أبوابها، وهي إجراءات قد تعرقل تدفقات العملة والاستثمارات التي يحتاجها لبنان بشكل ملح، لتجاوز أشد ضغوط اقتصادية منذ الحرب الأهلية في الفترة بين 1975 و1990.

لكن بينما يلتزم حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة بتلك السياسة، فإن البنوك التجارية ستسمح فقط بالتحويلات إلى الخارج في حالات مثل المدفوعات الخاصة بالأطفال، وتلك الخاصة بالرعاية الصحية أو سداد القروض. وترك سلامة للبنوك التجارية اتخاذ القرار بشأن السياسات الفردية التي قد تزيد صعوبة نقل الأموال إلى الخارج أو تحويلها إلى عملة أجنبية وتقلص جاذبية سحب المدخرات.

ضبط التحويلات

وقال مصرفي كبير لرويترز "لم يعلن (سلامة) رسميا عن قيود على رأس المال، لكنه ترك ذلك لتفعله البنوك". وأكد أحد المصادر أن التحويلات للخارج "للمسائل المهمة والأساسية"، مضيفا أنه ستتم إعادة النظر في الوضع يوم الاثنين. وقالت المصادر إن البنوك ستتخذ القرار بشأن من سيُسمح له بتحويل الأموال للخارج بناء على كل عميل على حدة.

وكانت جمعية مصارف لبنان أكدت الخميس أن البنوك ستعيد فتح أبوابها الجمعة لتوفير الحاجات "الملحة"، بعد أن أغلقت لأسبوعين بسبب أزمة اقتصادية وتصاعد احتجاجات في أنحاء البلاد، لكنها ناشدت العملاء أن يضعوا في اعتبارهم "مصلحة البلد".

وقال بيان صادر عن الجمعية إنها تأمل بأن "يتفهم العملاء الوضع القائم، وأن يتجاوبوا إيجابيا لخدمة مصالحهم ومصالح البلد في هذه المرحلة الاستثنائية". وشرحت الجمعية أن البنوك ستسأنف النشاط "لتوفير الحاجات الملحة والأساسية والمعيشية، ومن بينها دفع الرواتب والأجور".

وقبل أسبوع، وضعت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية تصنيف لبنان على "قائمة المراقبة السلبية" بفعل مخاوف بشأن تراجع تدفقات العملة. كما قالت إنه على الرغم من المستويات المرتفعة الملائمة لإجمالي الاحتياطيات الأجنبية، شاملة الذهب، البالغة 50 مليار دولار تقريبا، فإن فرض "قيود ضعيفة على رأس المال" يثير تساؤلات بشأن النظام النقدي. كما قالت ستاندرد آند بورز إنها تدرك أن البنوك فرضت قيودا على سحب الدولارات.
المساهمون