بعد خسائر جسيمة... واشنطن تقترح خفض التعرفات على الصين

18 يناير 2019
محاولة لتقليص خسائر النزاع التجاري (فرانس برس)
+ الخط -
في محاولة لطمأنة الأسواق، ولإلقاء الكرة في ملعب الخصم، اقترح وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشن خفض التعرفات التي فرضتها الولايات المتحدة، على مشترياتها من المنتجات الصينية، أو إلغاءها تماماً.

واعتبر منوشن أن هذه الخطوة، حال الاتفاق عليها في جولة المفاوضات القادمة، المقرر لها يوم 30 يناير/ كانون الثاني الجاري، أي قبل شهر من الموعد المحدد لمضاعفة التعريفات المفروضة على الواردات الصينية، ستساعد على دفع الصين إلى تقديم تنازلات مماثلة، وصولاً إلى تفاهم أكبر على المدى البعيد.

لكن اقتراح منوشن قوبل بالرفض من معسكر له كلمة مسموعة في البيت الأبيض، يتزعمه الممثل التجاري للولايات المتحدة روبرت لايتايزر، الذي يقود المفاوضات مع الصينيين، ويضم بيتر نافارو، المستشار التجاري للرئيس دونالد ترامب، وبعض مستشاريه للأمن القومي. ويرى هؤلاء أن أيّ تنازلات تقدمها الولايات المتحدة، وتحديداً ما يتعلق بالتعريفات الجمركية، قد تبدو نوعاً من الضعف، وهو ما لا يرغب فيه بالتأكيد فريق المفاوضين الأميركيين.

واستخدم ترامب التعرفات الجمركية أكثر من مرة، للضغط على الصين من أجل خفض العجز التجاري الأميركي معها، ولوضع حد للممارسات غير السليمة للشركات والحكومة الصينية، ممثلة في السرقات التكنولوجية من الشركات الأميركية، وفقاً للادعاءات الأميركية.

وبخلاف التعرفات على الصلب والألمنيوم الصينيين، فرض ترامب الربيع الماضي تعريفات على ما قيمته 50 مليار دولار من المنتجات الصينية، كما فرض الخريف الماضي تعريفات بنسبة 10% على ما قيمته 200 مليار دولار إضافية من المنتجات الصينية، وهدد برفعها إلى 25% إذا لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق قبل حلول الأول من مارس/ آذار المقبل.

وبعد أكثر من شهر على الهدنة، التي اتفق عليها رئيسا البلدين خلال اجتماعهما في بوينس آيرس بالأرجنتين، يجري الإعداد حالياً لجولة جديدة من المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، في وقتٍ يتعرض فيه الطرفان لضغوط كبيرة من أجل التوصل إلى اتفاق، رغم وجود بعض العوائق التي تمنعه، وعلى رأسها غياب الثقة بين الطرفين.

وتدخل الصين الجولة الجديدة من المفاوضات، بعدما شعرت بألم التعرفات الجمركية الأميركية، التي تسببت في خسائر جسيمة للشركات الصينية، إذ تصدر الصين للولايات المتحدة ما تقترب قيمته من 500 مليار دولار، وهو ما يسبب للولايات المتحدة أكبر عجز تجاري سنوي، بلغ 375 مليار دولار في نهاية عام 2017.

وتسببت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، التي انطلقت رصاصاتها الأولى خلال الربع الأول من العام المنتهي 2018، في تباطؤ الاقتصاد الصيني، وانخفاض مؤشر "سي أس آي 300" للأسهم الصينية بأكثر من 25% خلال العام الماضي، ليأتي في ذيل البورصات الكبرى من حيث الأداء، الأمر الذي أثار قلق الدول الكبرى من احتمالات تأثير تباطؤ الاقتصاد الصيني على الاقتصاد العالمي.

وأصدر البنك الدولي تحذيرات متعددة، كان آخرها الأسبوع الماضي، من تباطؤ الاقتصاد العالمي بسبب استمرار النزاعات التجارية. وأكد أن بعض الأسواق الناشئة الكبرى (ومنها الصين)، عانت خلال الفترة الماضية من ضغوط أضعفت قدرتها على الاقتراض من أسواق المال.

وخلال الصيف الماضي، تعرضت بعض الشركات الصينية، وفي مقدّمتها عملاق التكنولوجيا الصيني "زد تي إي" لعقوبات أميركية، أدّت إلى إيقاف ما يزيد عن 75% من عمليات الشركة التي توظف ما يقرب من 750 ألف موظف حول العالم، رغم تأكيد الولايات المتحدة أنّ الحرب التجارية بين البلدين ليس لها علاقة بالعقوبات التي فُرضت على الشركة.

كذلك انكمش القطاع الصناعي الخاص في الصين في ديسمبر/ كانون الأول المنتهي للمرّة الأولى منذ 19 شهراً. كما أشار استطلاع رأي حديث أجرته وكالة "رويترز" للأنباء، إلى توقع الاقتصاديين تباطؤ الاقتصاد الصيني بأكبر معدل تباطؤ منذ الأزمة المالية العالمية في 2008.

وعلى الجانب الآخر، تعرضت العديد من الشركات الأميركية لخسائر بفعل تعرفات ترامب، وكان على رأسها عملاق صناعة أجهزة التلفون والحواسب الآلية آبل، كما العشرات من الشركات الزراعية، التي تمثل ظهيراً مهماً لترامب.

والأسبوع الماضي، حذر ديفيد ليبتون النائب الأول للعضو المنتدب لصندوق النقد الدولي، من تأثير تباطؤ الاقتصاد الصيني على الاقتصاد الأميركي، الذي توقع أن يمتد إلى العديد من البلدان حول العالم. المعنى ذاته أكده هانك بولسون، وزير الخزانة الأميركي وقت الأزمة المالية العالمية في 2008، الذي حذر مَن يتمنون الفشل والضعف للاقتصاد الصيني من عواقب ذلك.

وفي بيان حديث للبنك الدولي، ظهر بوضوح قلق المسؤولين في البنك من تداعيات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين. وأكد البيان، الذي جاء تحت عنوان "احتمالات الظلام" (Darkening prospects)، أنّ "تزايد التوترات التجارية قد ينتج عنه ضعف النموّ العالمي، وتعطل سلاسل القيمة المرتبطة عالمياً".

وأعلنت الصين استئناف شراء منتجات زراعية وصناعية من الولايات المتحدة، وعلى رأسها فول الصويا، كما وعدت بفتح الأسواق الصينية للشركات الأميركية، وفرض حماية أفضل لبراءات الاختراع والابتكارات الأميركية، والتخلي عن إجبار الشركات الأميركية على نقل تقنياتها المتقدمة إلى الشركات الصينية، كما أكدت إيقاف الدعم الحكومي عن الشركات الصينية.

لكن المفاوض الأميركي يريد أن يرى تلك التنازلات على أرض الواقع، بعد العديد من الوعود الوهمية السابقة التي تسببت في تزعزع ثقة المفاوض الأميركي في الطرف الصيني.

ورغم إعلان ترامب إلغاء حضوره المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي يبدأ أعماله بدافوس السويسرية خلال أسبوعين، الذي كان يتوقع أن يلتقي خلاله بالرئيس الصيني شي جين بينغ، على خلفية أزمة إغلاق الحكومة الأميركية، هناك توقعات بالتوصل إلى اتفاق، بعد ما مُني به الطرفان من خسائر خلال الفترة الماضية.

وتوقع جون كولش، عميد كلية ميامي للأعمال، الإعلان قريباً عن التوصل لاتفاق، وقال لشبكة فوكس بيزنس: "هناك الكثير من الأشياء الجيدة التي يتم الاتفاق عليها بعيداً عن الأنظار".

المساهمون