السودان: التعديل الحكومي يطيح وزير النفط ويُبقي المالية

14 مايو 2018
الشارع السوداني ساخط من الأداء الاقتصادي والمعيشي (Getty)
+ الخط -


أبقى التشكيل الوزاري الجديد لحكومة الحوار الوطني في السودان على وزير المالية والتخطيط الاقتصادي الحالي محمد عثمان الركابي في منصبه، وتعيين طارق علي حسن شلبي وزيرا للدولة في وزارة المالية، فيما شملت التعديلات الواسعة بالجهاز التنفيذي إعفاء وزير النفط والغاز الحالي عبدالرحمن عثمان وتعيين أزهري عبدالقادر عبدالله خلفا له.

وقوبل إعفاء وزير النفط برضى واضح في الشارع السوداني، مقابل سخط كبيرعلى إبقاء وزير المالية الحالي في منصبه بسبب الأزمات الاقتصادية الكبرى التي شهدها عهد الرجلين.

هذا الأمر سبق وأدى إلى تعالي الأصوات المنادية بضرورة تغييرهما والطاقم الاقتصادي ككل، لتحميلهما مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية إلى النحو الذي هي عليه الآن من غلاء في المعيشة وارتفاع حاد في أسعار كافة السلع المحلية والمستوردة والسيطرة على الانفلات في سعر الصرف، والفشل في حل مشكلة انعدام المشتقات النفطية وإدارة ملف النفط بالطريقة المثلى.

ورفع العقوبات الأميركية المفروضة على السودان منذ عام 1997 في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي كان من أبرز الملفات المطروحة أمام وزير المالية الركابي، باعتبارها مؤشرا ومحفزا لحكومته على عودة الدماء إلى شرايين الاقتصاد السوداني بعد الخسائر التي خلفتها تلك العقوبات والتي قدرتها الحكومة السودانية بنحو 500 مليار دولار.


لكن وزير المالية لم ينجح في الاستفادة من القرار الأميركي في تحسين مؤشرات النمو الاقتصادي واستقرار سعر الصرف وزيادة تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية واستقطاب المصارف الأجنبية للتعامل مع المصارف السودانية، فضلاً عن كثير من الملفات المهمة ذات الصلة.

كما لم ينجح الركابي في وضع الخطط والبرامج الاقتصادية الفاعلة والقادرة على تجاوز الأخطاء التراكمية وتوفير برنامج إسعافي حقيقي، لتلافي الأزمة الاقتصادية عقب الفشل الذي لازم تنفيذ البرنامجين الإسعافيين الثلاثي والخماسي معا في إنقاذ الاقتصاد من أزمته.

الموازنة العامة الحالية لعام 2018 والتي بلغ مجموعها 173.1 مليار جنيه (9.58 مليارات دولار) زادت الضغط على المواطن بزيادة الرسوم الجمركية وزيادة سعرالصرف والرسوم على الخدمات كافة لمقابلة الصرف الكبير والأعلى في تأريخ الموازنات العامة بالبلاد والذي قدرته بنحو 127.2 مليارجنيه (7.04 مليارات دولار).

وقادت الموازنة إلى تبعات اقتصادية كبرى على الأسواق والأسعار والمواطن والعجز عن تمويل السلع الاستراتيجية، ومحاولة مجابهة العجز في الميزان التجار، وقد قاد كل ذلك الوزير إلى التنصل عن مسؤوليتها بقوله إن هذه الموازنة ليست موازنتي وإنما هي موازنة الوفاق الوطني. (الدولار= 18 جنيهاً سودانياً)

وكانت الحكومة السودانية قد اتجهت أخيراً إلى تبني حزمة إصلاحات لمعالجة التشوهات الاقتصادية، لكنها قادت إلى مشكلات معيشية كبرى لا تزال آثارها باقية حتى الآن فشلت كل جهود وزارة المالية للسيطرة عليها رغم ما تبذله من جهود.

وقال المحلل الاقتصادي هيثم فتحي لـ"العربي الجديد" إن مواجهة الفساد تتطلب إرادة سياسية لدى الحكومة بجانب تطوير الجهاز الإداري، فضلا عن وضع حلول سياسية لمشكلة انهيار الخدمات الصحية والاجتماعية والثقافية والتعليم، مشيرا إلى أهمية أن يركز التشكيل الحكومي الجدي على اختيار الكفاءات في وزارتي النفط والمالية ووضع المواطن على رأس أولوياتها من حيث تخفيف الأعباء المعيشية.

وقال فتحي إن التغيير الذي يجري الحديث عنه سيكون لأشخاص ولكن لن يجدي نفعاً في حل الأزمة ومن يتم تغييرهم لا يغيروا شيئاً من الواقع، وزاد: المطلوب مراجعة السياسات وليس الأشخاص ولكن تغيير السياسات لا يتم إلا بالاقتناع بأن السياسة الموجودة لا تحل الأزمة.

واعتبر أن أسهل الحلول الآنية تكمن في تغيير جزء من الطاقم الاقتصادي ومراجعة السياسات الاقتصادية، ولا بد أن يتبع ذلك مراجعة للفريق الاقتصادي والذي يصر على مواصلة سياسته
وأشار إلى الحاجة إلى عقل سياسي واقتصادي، يرسم سياسات ويضع منهجا للعمل وتكون لديه رؤى استراتيجية لا تتغير بتغير الأفراد.

ولفت إلى أن أزمة الوقود الأخيرة والتي يحمل وزرها وزير النفط تفرقت مسؤوليتها على جهات عدة، وكل جهة تتنصل من مسؤوليتها عما حدث وكانت النتيجة في النهاية إهدار زمن بلا طائل وخلق أزمة تترتب عليها أزمات.

وساهمت أزمة المشتقات النفطية التي لا يزال يعاني السودان من تفاقمها يوما بعد يوم بشكل كبير في إطاحة وزير النفط والغاز التكنوقراطي عبدالرحمن عثمان من منصبه. فرغم خبرته التي تتجاوز 30 عاما في مجال الصناعة النفطية، وكونه مهندس اتفاقية النفط الأولى، وتطبيقه قانون الثروة النفطية وسعيه إلى رفع اسم السودان في الاتفاقيات الجديدة وتهيئة البيئة القانونية، والعمل على برنامج الحوسبة الذي يتيح إدارة واضحة لتوزيع المشتقات البترولية، إلا أنه فشل في إدارة وتلافي أزمة المشتقات النفطية والتي قاربت الشهر ونصف رغم الإرهاصات التي خرجت بها وزارته لطمأنة الشارع السوداني حول اتفاق مع السعودية لتوفير المشتقات النفطية لـ5 أعوام مقبلة، فضلاً عن عجز الوزير عن توفير المبالغ المطلوبة لصيانة المصفاة الرئيسة بالبلاد في وقتها المحدد، وهي الأزمة التي تعتبر من أكبر التحديات التي تجابه الوزير الجديد الذي سيتولى حقيبة النفط أزهري عبدالقادر.

وشهد عهد عبدالرحمن عثمان بروز مشكلة ديون شركاء النفط على الحكومة السودانية والتي دفعت بالشركاء للمطالبة بها وخفض إنتاجهم بالمربعات التي يعملون على استخراج النفط منها لحين إيفاء الحكومة بالمبالغ التي عليها، وخلق أزمة في توفير النفط ومشتقاته.

وتظل مشكلة تطوير المربعات النفطية القديمة وإعادة تنشيطها واستقطاب المستثمرين للاستثمار في المربعات الجديدة الـ"15" المطروحة والاستفادة من رفع العقوبات لاستقطاب الشركات الأميركية والأوروبية للاستثمار في النفط والاستكشافات الأخرى من غاز وخلافه من أهم الملفات التي تجابه الوزير الجديد.

المساهمون