سكان غزة قلقون من "جفاف مالي" طويل الأمد

29 ابريل 2018
الطعام يستحوذ على النسبة الكبرى من الإتفاق(عبد الحكيم أبورياش)
+ الخط -

 

لا تزال الأرقام والإحصائيات التي تصدرها المؤسسات الرسمية وغير الرسمية تدلل على عمق الأزمة الحياتية، التي يعاني منها أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في قطاع غزة، الذي يرزح تحت الحصار الإسرائيلي المشدد للعام الثاني عشر على التوالي.

ورغم صدور عشرات التقارير التي حذرت من واقع الأزمات التي تضرب القطاع، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت ارتفاعاً متسارعاً في معدلات الفقر والفقر المدقع والبطالة وانخفاض مستوى الإنفاق، مقارنة مع واقع الضفة الغربية المحتلة.

ومؤخراً أصدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تقريراً تحدث فيه عن انخفاض الإنفاق النقدي الكلي للفرد في عام 2017 في غزة مقارنة بعام 2011، في الوقت الذي ارتفع فيه في الضفة الغربية مقارنة بذات الفترة.

ويظهر التقرير انخفاض الإنفاق النقدي الكلي للفرد من 110 دنانير أردنية في 2011 إلى 91 دينارا أردنيا في 2017، أي بانخفاض نسبته حوالي 17%، في الوقت الذي ارتفع فيه متوسط إنفاق الفرد في الضفة الغربية من 188 دينارا أردنيا عام 2011 إلى 220 ديناراً أردنياً العام الماضي، بزيادة 17%. (الدينار الأردني = 1.4 دولار)

وسجل التقرير الصادر عن المؤسسة الفلسطينية المتخصص في مجال الإحصاء، ارتفاعاً واضحاً في معدلات الفقر إذ تحدث عن أن أكثر من نصف الأسر الغزية في القطاع تحت خط الفقر نتيجة للأزمات التي تضرب القطاع وخصوصاً الحصار الإسرائيلي.

ويجمع مراقبون على أن الإجراءات التي اتخذت قبل نحو عام، من قبل الرئاسة الفلسطينية بخصم 30% من رواتب الموظفين، وعدم حل قضية ملف موظفي حكومة غزة السابقة، أسهمت في قلة السيولة النقدية المتوفرة في القطاع، وانعكست بالسلب على معدلات الإنفاق، وساهمت في ارتفاع معدلات الفقر والفقر المدقع، وانعدام الأمن الغذائي في صفوف آلاف الأسر.

ويخشى آلاف الموظفين المحسوبين على السلطة الفلسطينية من قيامها بوقف دفع فاتورة رواتبهم خصوصاً في ظل تأخر صرفها، في الوقت الذي جرى صرفها في الضفة الغربية، على الرغم من حديث وزارة المالية عن أن ذلك يعود لأسباب فنية فقط.

ويصف معين رجب، أستاذ علم الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة، الإحصائيات والأرقام الأخيرة بالخطيرة خصوصاً أنها تتزامن مع تأخر رواتب موظفي السلطة الفلسطينية، وعدم انتظام رواتب موظفي حكومة غزة السابقة.

ويقول رجب لـ "العربي الجديد" إن كل الإحصائيات الأخيرة تتحدث عن الأعوام السابقة التي كان آخرها عام 2017، إلا أن الواقع الحالي للعام الجاري يدلل على أن القطاع مقبل على ازدياد في معدلات الفقر في صفوف السكان.

وبحسب أستاذ علم الاقتصاد، فإن استمرار التضييق على القطاع وحالة الفجوة الواضحة بين غزة والضفة الغربية، ستساهم في ارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي في صفوف الغزيين في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي للعام الثاني عشر على التوالي.

ويرى أن حالة التباين تعكس حالة الانفصام في الواقع والمشهد الاقتصادي والسياسي الذي وصل إليه المجتمع الفلسطيني جراء استمرار حالة الانقسام وما يشهده القطاع مؤخراً من تأخر في صرف رواتب موظفي السلطة.

ويشير إلى أن حالة التراجع تتضح من خلال حالة الانخفاض الكبيرة في كميات الشاحنات التي تصل إلى القطاع عبر معبر كرم أبو سالم المنفذ التجاري الوحيد للغزيين، وهو ما يثبت انخفاض السيولة النقدية المتوفرة.

ويضيف رجب أنه في ظل الواقع الحالي فإن الكثيرين باتوا يلجؤون لطلب الشراء بنظام الاستدانة من أجل تلبية احتياجات أسرهم في الوقت الذي أضحى التجار غير قادرين على ذلك بسبب عدم توفر السيولة النقدية اللازمة لهم من أجل الوفاء بالتزاماتهم اليومية.

ويحذر أستاذ علم الاقتصاد من أن تتواصل حالة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي في القطاع المحاصر إسرائيلياً منذ عام 2006، خصوصاً مع ارتفاع معدل التباين في واقع الحياة اليومية مع الضفة الغربية، وهو ما قد يدفع بالسكان نحو الانفجار.

وفي هذا السياق، يصف محمد أبو جياب الخبير في الشأن الاقتصادي، العام الحالي يعام الجفاف المالي والاقتصادي في قطاع غزة، لاسيما في ظل توجه السلطة الفلسطينية وحكومتها نحو فرض مزيد من العقوبات وعدم حل أزمة موظفي حكومة غزة السابقة.

ويقول أبو جياب لـ"العربي الجديد"، إن السلطة ماضية في اتجاه الضغط على القطاع، عبر فرض المزيد من العقوبات والإجراءات، خصوصاً في ظل عدم صرف رواتب موظفيها وتأخيرها، وهو ما ينذر بأن النصف الأول من عام 2018 سيكون عام الانهيار الاقتصادي لقطاعات واسعة.

وعن ارتفاع معدل إنفاق الغزيين على الطعام مقارنة مع الضفة، يلفت أبو جياب إلى أن ذلك يعود لكون السيولة النقدية المتواجدة في يد أهالي القطاع شحيحة وهو ما يدفع نحو ارتفاع الإنفاق على الغذاء مقارنة بالضفة التي يتوزع جزء من الأموال المتوفرة نحو قطاعات أخرى.

ويستبعد الخبير الاقتصادي أن يشهد العام الجاري أي انفراجات حقيقية في القطاع الاقتصادي الفلسطيني على مستوى غزة، في ظل توجه عام للسلطة نحو المضي بتجفيف الأموال ضمن خطة شبه واضحة تشمل قطاعات واسعة.

المساهمون