سيناريو الجنيه المصري يخيف تونس: دعوات لحماية الدينار

05 ديسمبر 2018
تراجع القدرات الشرائية يزيد المعاناة (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

 

يثير سيناريو تعويم الجنيه المصري مخاوف حقيقة لدى برلمانيين تونسيين وجهوا دعوة للحكومة من أجل الكشف عن خطتها للحد من انزلاق الدينار مقابل العملات الأجنبية، مطالبين بتسقيف سعر الصرف العام المقبل (وضع حد أقصى) تفاديا لأي تداعيات جديدة لتراجع العملة المحلية على الاقتصاد ومعيشة التونسيين.

وجاءت هذه المخاوف على خلفية مناقشة البرلمان التونسي موازنة 2019، وتناقش لجنة المالية في البرلمان جملة من المقترحات ستعرض على الحكومة تساعد على استقرار الدينار في مستوياته الحالية بعد أن فقد أكثر من 20% من قيمته سنة 2018، ما تسبب في تعمق العجز التجاري وارتفاع غير مسبوق لأسعار المواد الموردة ومدخلات الإنتاج.

واقترح عضو البرلمان فاضل بن عمران في حديث لـ"العربي الجديد" أن يتمّ في شهر يناير/ كانون الثاني القادم تسقيف الدينار عبر تحديد سعر صرفه الأقصى بـ 3.33 مقابل اليورو و2.95 مقابل الدولار وإدراج ذلك في مشروع قانون المالية لسنة 2019".

ودعا بن عمران السياسيين إلى "وضع الملف على طاولة النقاش لاتخاذ القرار المناسب"، لافتا إلى أن من بين الحلول المطروحة تعويم الدينار، مذكرا في سياق متّصل بما اعتبره "تداعيات كارثية خلّفها هذا التوجه حين تمّ إقراره في مصر بتعويم الجنيه في 2016".

وقال بن عمران إن الهدف من هذا الاقتراح هو أن يتمّ تناول أزمة انزلاق الدينار بصفة جدية باعتبارها شأنا عاما يهمّ الجميع ولا يقتصر فقط على الحكومة.

وشدّد على "وجوب مناقشة كل الأحزاب والاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة رجال الأعمال هذا الملف مع الحكومة والاتفاق على وضع سياسات لاستقرار الدينار بداية 2019 واعتبار ذلك أولوية مطلقة"، مبرزا أنّ "عدم استقرار قيمة الدينار يحدّ من جلب المستثمرين ويضر بالقدرة الشرائية ويزيد في ارتفاع نسب التضخم".

وعلى خلاف السنوات الماضية لم تورد الحكومة في مشروع قانون الموازنة المعروض على البرلمان فرضية سعر الصرف للعام القادم مكتفية في تقرير قدمته للغرض بعرض جملة من التدابير تسعى لتنفيذها لتفادي سيناريو التعويم.

ووفق التقرير الحكومي من المنتظر أن يتم العام القادم تحديد قائمة الواردات للنزول من تطور مستوى الواردات من 13 % العام الحالي إلى 7 % في 2019 إلى جانب دعم التصدير للتقليص من عجز الميزان التجاري الذي يستنزف رصيد البنك المركزي من العملة الصعبة.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2017 أوقف البنك إقراض تمويل واردات نحو 200 منتجا منها المياه المعدنيّة، أنواع من النبيذ والجعة، العسل، الشكولاتة، الرّخام، مواد التجميل، إطارات مطاطيّة، ملابس وأحذية، أثاث، أجبان، غلال، وغيرها.

وذكر البنك المركزي حينها أنّ هذا القرار يهدف لتشديد القيود على واردات الاستهلاك وسعيا لخفض العجز التجاري القياسي.

وقال وزير المالية الأسبق وعضو لجنة المالية بالبرلمان سليم بسباس في تصريح لـ"العربي الجديد" إن البرلمان يدفع نحو فتح حوار مع الحكومة والبنك المركزي بشأن ضمان استقرار سعر صرف الدينار وتبني سياسة نقدية واضحة تحد من انزلاق العملة نحو مستويـات خطيرة.

وأكد بسباس اتفاق البرلمان مع مقترح الحكومة بشأن كبح الواردات، معتبرا أن تقليص عجز الموازنة واستقرار العملة يفرضان الحد من نزيف العملة الصعبة مقابل تنمية الصادرات ومنح حوافز جديدة للقطاعات المصدرة لإحداث التوازن على مستوى الميزان التجاري.

وحول عدم ذكر الحكومة في مشروع قانون المالية فرضيات سعر الصرف المعتمدة أفاد أن الأمر مقصود، وأن الحكومة تعتمد فرضيات ضمنية دون الكشف عنها تفاديا لأي صدمات في سوق الصرف، مشيرا إلى أن الحكومة اتعظت من التجارب بعد أن تعرض الدينار في 2017 إلى انهيار مفاجئ عقب تصريح لوزيرة المالية لمياء الزريبي حينها عن نية تعويم العملة.

وفي أبريل/ نيسان 2017 صرحت الزريبي أن البنك المركزي سيقلص تدخلاته في ضخ العملة الأجنبية بالسوق مما سيخفض قيمة الدينار، الأمر الذي تسبب في هبوط لم يسبق له مثيل للدينار.

وشدد بسباس على أهمية وضوح السياسة النقدية لتونس في الفترة القادمة وبرهنة البنك المركزي على قدرته على التحكم في انزلاق سعر الصرف، مؤكدا أن تحقيق أهداف النمو المبرمجة للعام تحتاج إلى استنهاض كل آليات خلق الثروة وكبح كل المعوقات التي قد تحول دون بلوغ نسبة النمو المحددة بـ3.1 %نهاية العام القادم بحسب قوله.

وفي بداية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أعرب مجلس إدارة البنك المركزي التونسي عن قلقه بشأن استمرار الوضعية الهشة للقطاع الخارجي، مما يتطلب ضرورة مواصلة التنسيق لإيجاد الحلول العاجلة للحد من تواصل تفاقم العجز الجاري الذي يؤثر سلبا على مستوى الموجودات الصافية من العملة، وفق بيان أصدره المركزي التونسي.

وبلغ العجز التجاري، في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، مستوى قياسيا في حدود 15.9 مليار دينار أي ما يعادل 5.48 مليارات دولار بارتفاع نسبته 48 % مقارنة بسنة 2016، وفق بيانات لمعهد الإحصاء الحكومي.

ويتوقع خبراء الاقتصاد سنة صعبة لتونس في حال تواصل انزلاق الدينار مقابل اليورو المرجح إلى بلوغ 4 دنانير مقابل يورو واحد، مطالبين بتثبيت سعر الصرف.

وقال الخبير المالي محمد صالح الجنادي إن البنك المركزي مدعو إلى إجراءات استثنائية لتثبيت سعر صرف الدينار مقابل اليورو والدولار وتقليص الواردات، مشيرا إلى أن كبح التوريد سيلغي نسبيا الجزء المورد من التضخم.

وأكد الجنادي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن تثبيت سعر الصرف سيساعد على توضيح الرؤية لدى الفاعلين الاقتصاديين الذين يحتاجون لمخططات تمويل بها نوع من الاستقرار.

المساهمون