تونس تسعى لتطويق السوق السوداء للدولار عبر شركات الصرافة

13 يناير 2018
تراجع سعر الدينار التونسي (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
تسمح تونس لأول مرة في تاريخها بممارسة نشاط صرافة العملة خارج الإطار المصرفي وذلك عقب إقرار النص الصادر مؤخرا لشروط ممارسة الصرف اليدوي من قبل أشخاص طبيعيين. ويأتي هذا القرار بعد مطالبة اقتصاديين بضرورة تطويق نشاط تداول العملة الصعبة خارج المصارف بما يسمح بتحسين مدخرات البلاد من النقد الأجنبي وقطع الطريق على المهربين.

وسيمكن القرار الجديد بالإضافة إلى تطويق ظاهرة تداول العملة في السوق السوداء بإحداث مواطن شغل لخريجي الجامعات في اختصاصات مالية، لا سيما أن الأمر الحكومي قد حصر إمكانية فتح محلات الصرافة في خريجي الجامعات في اختصاصات مالية وبعد تلقي تدريب من طرف أكاديمية البنوك والمالية والحصول على ترخيص مسبق من البنك المركزي التونسي بالإضافة إلى توفير ضمان بنكي في حدود 21 ألف دولار. ولم تذكر بيانات رسمية عن عدد نقاط الصرف المزمع إحداثها حتى الآن.

ويعتبر الخبير المالي محمد صالح الجنادي في حديثه لـ "العربي الجديد" أن استجابة الحكومة لمطالب الاقتصاديين بإحداث مكاتب صرافة أمر إيجابي، مشيرا إلى أن نقاط الصرف في المعابر الحدودية ستوفر مدخرات مهمة من النقد الأجنبي فضلا عن تطويق نشاط المهربين ممن يعتمدون بشكل كبير على تداول العملة في السوق السوداء لإدارة نشاطاتهم التي تتخطى المواد التقليدية إلى حدود تهريب السلاح والمخدرات.
وقال الخبير المالي إن محلات الصرافة ستوفر خدمة للقطاع السياحي بتقريب خدمات الصرافة للسياح في أماكن وأوقات مختلفة لا سيما في المناطق الحدودية والمعابر البرية التي تغيب فيها المصارف.

ولفت الجنادي إلى ضرورة الخروج بالعديد من الأنشطة المالية والاقتصادية إلى النور، مشيرا إلى وجود مكاتب صرف حاليا بمناطق السياحة تتخفى تحت واجهات أخرى على غرار أنشطة الصناعات التقليدية وغيرها. وشدّد الجنادي على أهمية رقابة هذه المكاتب، بهدف العمل على ترسيخ استقرار سوق العملات.
وتستهدف الحكومة من فتح نقاط صرف في المعابر الحدودية البرية تحصيل جزء من عائدات السياحة التي تُصرف في السوق الموازية، بسبب إقبال السياح على نقاط الصرف السوداء على الحدود، في ظل غياب نقاط الصرف الرسمية.

وتقود الحكومة خطة لاستيعاب سوق الصرف السوداء في إطار برنامج للحد من الاقتصاد الموازي والنزول به من 54% من إجمالي اقتصاد الدولة حاليا إلى 20% بحلول عام 2020.
وفي وقت سابق، أعرب المصرف المركزي عن قلقه من توسع السوق السوداء في مجال العملة، مما أدى إلى اختلال التوازنات المالية في القطاع المصرفي بمختلف مؤسساته، التي تعاني من صعوبات كبيرة، منذ أكثر من أربع سنوات.

وأشار المركزي إلى أن توسع سوق الصرف السوداء عائد إلى تراجع المبادلات التجارية التي تحكمها سوق الصرف والعملات على اختلافها.
وأشار محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري في مايو/ أيار الماضي إلى عدم التطابق بين عدد السياح الوافدين على البلاد وعائدات القطاع، في إشارة إلى "تبخر" جزء من مداخيل السياحة في مسالك الصرف الموازية ما يفاقم عجز البلاد عن تحصيل مخزون من النقد الأجنبي يسهل تأمين الواردات الأساسية دون اللجوء إلى الاقتراض.

وتوجد في قلب تونس العاصمة أو المناطق الحدودية، أسواق معلنة لتداول النقد الأجنبي، بالرغم من الحظر القانوني، في الوقت الذي يعاني فيه المركزي التونسي من أدنى مستويات احتياطي النقد الأجنبي الذي يتراوح بين 99 و113 يوم توريد، مع تراجع غير مسبوق، منذ شهر إبريل/نيسان الماضي، في قيمة العملة المحلية مقابل اليورو والدولار، حسب تقارير رسمية.

وتشير دراسة أجراها الخبير الاقتصادي محمد الهدار، إلى أن قيمة التحويلات بالعملة الصعبة في السوق السوداء انطلاقاً من منطقة بنقردان إلى الخارج، تتراوح بين 1 و3 ملايين دينار في اليوم الواحد، أي ما يعادل 750 مليون دينار (312 مليون دولار) سنوياً.
وبالرغم من انزعاجه من تقنين محلات الصرافة، يقول تاجر عملة في السوق السوداء بالمدينة العتيقة بالعاصمة، رفض ذكر اسمه، إن النشاط الموازي لن يختفي تماما، مؤكدا في حديثه لـ "العربي الجديد" أن نشاط الصرافة لا يحتاج إلى شهادات علمية أو امتلاك مؤهلات في المجال بل إلى تجار يديرون هذا النشاط باقتدار كبير بعد امتلاكهم لأسرار المهنة، وفق قوله.

وأبرز التاجر قيمة السوق السوداء في تأمين فرص العمل لآلاف العائلات في المحافظات الداخلية، متوقعا إقبالا ضعيفا على فتح محلات صرافة قانونية من قبل الشباب، حسب تأكيده. وتعد تونس من الدول القليلة التي كان لا يسمح قانونها بإجراء صرف العملة إلا داخل المصارف التجارية، فيما تغيب كل أنشطة الصرف القانونية الأخرى خارج القطاع المصرفي.


المساهمون