وتعاني شركة ألعاب الأطفال الأشهر في العالم، والتي تمتلك فروعاً في 37 دولة، من تزايد توجه العملاء إلى التسوق الإلكتروني، من خلال شركات مثل أمازون وغيرها، وأيضاً توجههم إلى الشركات التي تبيع ألعاب الأطفال زهيدة الثمن، الأمر الذي أدى إلى عدم تحقيقها أرباحاً طوال السنوات الأربع الأخيرة ، ووصول ديونها إلى حوالي 5.2 مليار دولار (5,200,000,000 دولار).
بعد مرور أقل من أسبوعين، وتحديداً يوم الجمعة الماضي نشرت صحيفة وول ستريت جورنال خبراً يشير إلى احتمالية لجوء تويز آر أس الى إشهار إفلاسها خلال الأسابيع القليلة القادمة وهو ما تم الاعلان عنه بالفعل الأربعاء الماضي، وأشارت الصحيفة إلى أن موردي الشركة حالياً يفرضون عليها شروطاً صعبة للدفع. وبالفعل رفض بعض الموردين تزويد الشركة بالبضائع قبل موسم الأعياد في الربع الأخير من العام إلا إذا حصلوا على قيمة تلك البضائع نقداً عند التوريد، على عكس المعمول به في أغلب العمليات التجارية، خاصة مع شركة بهذا الحجم والتاريخ.
كلمة سيئة السمعة
لا تحب أسواق المال عادة سماع كلمة "مد أجل" القروض، ولا يحبذ المستثمرون التفاوض على "تجديد" إقراضهم قبل رؤية المبالغ المستحقة لهم – والفائدة المحتسبة عليها – في كشف حسابهم بالبنك. ولا يفرقون هنا بين إقراضهم لفرد، أو شركة، أو دولة. ويدركون تماماً أنه لا ينطق بتلك الكلمات سيئة السمعة "مد أجل" و"تجديد" إلا من يجد صعوبة في السداد.
وبالطبع لم يعد هناك أسرار. فميزانيات الشركات والدول، كما إيراداتها ونفقاتها، أصبحت متاحة للجميع، ويمكن الإطلاع عليها على الإنترنت في أي وقت، ومعرفة إذا كان المقترض يعاني من أجل سداد ما عليه، أم أن السداد سهل والموارد متوفرة والمُقرضين يقبلون عليه بكامل إرادتهم، ودون أن يضطر لتقديم تنازلات لإقناعهم بإقراضه.
المسؤولون عن إدارة المخاطر في البنوك أيضاً يرتعدون عند سماع تلك الكلمات، وكنا سابقاً – كمسؤولين عن إدارة أموال البنوك – لا نجرؤ على ذكرها أمامهم. فمجرد الحديث عن تجديد أي استثمار في سند (أو أي نوع آخر من التمويل) لشركة أو بنك أو حكومة كان كافياً لإثارة قلقهم، فيبدأون بعدها في مراقبة تلك السندات مراقبةً دقيقة، وربما يرسلون لنا من هو عن يميننا وعن شمالنا قعيد، حتى تاريخ استحقاقها، ليتأكدوا من سداد كامل قيمتها – بالفائدة – في حساباتنا، ثم يبدأوا بعدها التفكير إذا ما كنا نرغب في إعادة الاستثمار مرة أخرى أم لا.
لا يوجد إذن ما يبرر الاحتفال بمد أجل بعض القروض، أو تجديد أي نوع من أنواع التمويل. فعندما تعلن الحكومة المصرية أنها بصدد إصدار سندات جديدة قبل استحقاق القديمة، فهذا بالطبع لا يدعو للاحتفال، وإنما هو بمثابة إعلان عن عدم القدرة على الوفاء بالالتزامات القائمة إلا من خلال اقتراض جديد.
وعندما يعلن محافظ البنك المركزي المصري تجديد اتفاقية مبادلة العملات مع الصين (أحد أشكال التمويل التي حصلت مصر بمقتضاها على مبلغ بالعملة الأجنبية يعادل حوالي 2.7 مليار دولارً)، فهذه إشارة سيئة للأسواق، حتى لو كانت الاتفاقية التي تم توقيعها قبل عام مدتها 3 سنوات، على أن يتم تجديدها كل سنة، خاصة إذا ما تم تجديدها بنفس سعر الفائدة، لأن ذلك ببساطة يعني أن جدارتنا الائتمانية لم تتغير في عام، رغم كل ما قيل عن إجراءات إصلاح اقتصادي، وما تم تقليصه من دعم لأسعار الوقود والكهرباء والغاز والمياه والخبز، وما تم فرضه من ضرائب، وما تم إضافته لرصيد الدين الخارجي والداخلي.
الاقتصادات الفاشلة
الاحتفال بتجديد القروض أو مد أجلها ذكرني بالاحتفالات التي صاحبت حصولنا على قرض صندوق النقد الدولي، حين زَفَّت إلينا الحكومة نصرها في معركة الحصول على القرض، واعتبرته وقتها بمثابة شهادة ثقة في قوة الاقتصاد المصري، في الوقت الذي أعلن فيه الصندوق عن تقديم "حزمة إنقاذ" لمصر.
وحزم الإنقاذ التي يقدمها الصندوق لا تكون إلا للاقتصادات الفاشلة، ولمساعدة بعض الدول على تجنب الانهيار الاقتصادي، كما حدث مع قبرص واليونان، ومن قبلها البرتغال وإيرلندا عقب الأزمة المالية العالمية، وأيضاً الأرجنتين قبل 15 عاماً.
نفس الاحتفال يتكرر مع كل اتفاق توقعه وزيرة الاستثمار المصرية لاقتراض مبلغ جديد، حتى وصلت القروض الخارجية إلى أعلى مستوى لها في تاريخ مصر (74 مليار دولار في شهر مارس 2017 وهو آخر رقم معلن من البنك المركزي)، بينما تجاوز الدين العام 3 تريليونات جنيه، وتخطت الفائدة المدفوعة في موازنة العام المالي الحالي 2018/2017 نسبة 40% من إجمالي نفقات الدولة، ويتوقع كثير من المتخصصين تجاوز تلك النسبة مع ارتفاع أسعار الفائدة المدفوعة حالياً، واستمرارها لفترات طويلة، إضافةً إلى الزيادات المستمرة في حجم المديونية، داخلياً وخارجياً.
وحتى الآن، لا يبدو في الأفق أية ملامح لسقف هذا الاقتراض، ولا يتم الرجوع للبرلمان في أغلب الحالات مع توالي الحصول على القروض الخارجية، بالرغم من نص الدستور على ذلك.
ما العيب في الاقتراض
سيقول البسطاء من الناس، وما العيب في الاقتراض، أليست كل الدول تقترض؟ ألا تقترض أميركا وروسيا واليابان والصين وألمانيا وغيرها؟
بالفعل ... كل هذه الدول تقترض. لكن هناك فارق كبير بين أن تسعى الدول لإقراضك (أي أنها تستثمر معك ما لديها من فوائض) وأن تسعى أنت وراء الدول والمؤسسات المالية للاقتراض منها.
أيضاً يجب عدم إغفال مدى القدرة على السداد، والتي يمكن قياسها عن طريق مؤشرات كثيرة، لكن جرى العرف على أن تكون نسبة القروض إلى الناتج المحلي الإجمالي هي المؤشر الأهم لمعرفة ما إذا ما كانت الدولة قد تجاوزت الحد في اقتراضها، أم أنها ما زالت في الحدود الآمنة.
ومنذ عدة سنوات، وبعد الأزمة المالية في 2008 -2009، أصدر صندوق النقد الدولي تقريراً غير ملزم، ينادي بأن يكون الحد الأقصى المعقول لتلك النسبة في الدول المتقدمة 60%، بينما في الدول النامية والناشئة، ومنها مصر بطبيعة الحال، فيُفَضل ألا تتجاوز النسبة 40%.
وفي الحالة المصرية، كانت نسبة الدين العام (الحكومي) إلى الناتج المحلي الإجمالي تجاوزت 100% في بداية الربع الأخير من العام 2016 (قبل اتخاذ قرار تعويم الجنيه مباشرةً)، إلا أن النسبة انخفضت لنحو 60% بعد انخفاض قيمة اقتراض الحكومة بالعملة المحلية نظراً للتعويم.
ولو تجاهلنا موضوع التعويم وتأثيره على انخفاض النسبة، يظل ثلث الدين العام على الأقل خارج الحدود الآمنة، مما ينذر بعواقب سيئة على الاقتصاد، وفقاً لمحددات صندوق النقد نفسه الذي أقرضنا العام الماضي، والحالي، وسيقرضنا العام القادم.
وبعيداً عن توصيات صندوق النقد، فهناك حقيقة اقتصادية واضحة، لا ينكرها أحد. وهي أنه إذا كانت الدولة تعاني من عجز مزمن في الموازنة العامة، وكان معدل زيادة قيمة الدين العام لديها (الفائدة على الدين) أعلى من معدل النمو الاقتصادي فيها، فمن المؤكد أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي ستزيد عاماً بعد عام، وبالتالي تكون الأمور مرشحة بقوة للتدهور، فتقل معدلات النمو والاستثمار، وتزيد معدلات الفقر والبطالة، وتقل جودة الخدمات التعليمية والصحية التي تقدمها الدولة لمواطنيها.
لما وصلت الأمور لهذا الحد في شركة ألعاب الأطفال، اعتقد من في الشركة ومن خارجها أنه يتعين عليها أن تشهر إفلاسها. لكن أحد العقلاء هناك أشار عليهم بحل آخر. فقد اقترح عليهم أن يحاولوا إيجاد مشترٍ جديد للشركة، يتعهد الجميع بالوقوف معه ومساندته، على أن يقوم هذا الشخص بتغيير الإدارة كلها من أجل إعطاء الفرصة لفكر جديد، بدلاً من الفكر القديم الذي أدار الشركة لعقود، وأدى بها إلى ما انتهت إليه!