"ماجدالينا" وسمعة مصر

10 مايو 2017
وسائل إعلام بولندية هاجمت السياحة المصرية بعد مقتل السائحة(فيسبوك)
+ الخط -

يشن الإعلام البولندي منذ أيام هجوماً شديداً على مصر، بزعم أن مواطنة بولندية تعرضت لجريمة قتل تلت عملية اغتصابها بشكل جماعي، وذلك في مدينة مرسى علم المصرية الواقعة على سواحل البحر الأحمر، بل إن بعض وسائل الإعلام وصل بها الشطط والمبالغة إلى حد وصف مصر بأنها بلد "سياحة الموت".

واستشهد الإعلام البولندي بحوادث عدة وقعت في مصر خلال السنوات الثلاثة الأخيرة منها مصرع 224 راكبا فوق شبه جزيرة سيناء إثر سقوط طائرة روسية في نهاية شهر أكتوبر 2015، ومقتل سياح مكسيكيين في الصحراء الغربية عقب استهدافهم من قوات أمن وغيرها.

قصة هجوم الاعلام البولندي على مصر بدأت عقب مقتل المواطنة البولندية "ماجدالينا" التي كانت في زيارة لمدينة مرسى علم، خلال الأيام الماضية، فقد انتحرت الفتاة عقب مرورها بحالة نفسية صعبة، حيث كانت تعاني من اضطرابات نفسية وذهنية وحالة اكتئاب شديد دفعها في بعض الأحيان إلى حد خلع ملابسها في بهو الفندق الذي كانت تقيم به حسب شهود عيان.

وحسبما جاء في صحيفة Gazeta Wyborcza البولندية، فإن الفتاة اتفقت مع حبيبها على السفر معاً من مطار بجنوب بولندا إلى مرسى علم، وذلك يوم 25 إبريل الماضي، لكن الشاب اكتشف أن صلاحية جواز سفره انتهت، هنا أبلغها أنه لن يكون بمقدوره السفر معها إلى مصر، وسافرت الفتاة وحدها، وطوال أيام الزيارة كانت في حالة عدم اتزان وتعاني من انفعالات وتبكي طوال الوقت بسبب فراقها للحبيب.

إلى هنا وقد لا نجد غرابة شديدة في القصة، حتى في التطورات اللاحقة، فقد أقبلت الفتاة على الانتحار بسبب مرورها بهذه الحالة النفسية الصعبة.

لكن وسائل إعلام بولندية لم تقتنع بقصة الانتحار تلك، وحرّفت القصة كاملة، وراحت تطلق مزاعم تسيء لسمعة مصر والسياحة بها، حيث تحدثت بعض الصحف ومحطات التلفزة هناك عن سيناريو مختلف لما جرى، سيناريو يقوم على وقوع جريمة قتل للفتاة تلت اغتصابها بشكل جماعي داخل الفندق الذي تقيم فيه.

بل إن بعض وسائل الإعلام نشر عنواناً بشعاً ومقززاً ومسيئاً لمصر هو "حالة انتحار بمنتجع سياحي بناه كويتيون في مصر يتحول لاغتصاب جماعي".


خذ مثلا موقع Stormfront الإذاعي البولندي الذي راح يزعم أن الفتاة ماجدالينا "تعرضت بعد ساعات قليلة من وصولها إلى الفندق في مرسى علم، لاعتداء جنسي قام به شخصان مصريان، الأول يعمل في خدمة الغرف بالفندق، والآخر يعمل في شركة السياحة المنظمة للرحلة، وأن الفتاه تعرضت للتخدير والاغتصاب "قبل أن تجدها عاملات أوكرانيات في الفندق ملقاة على الأرض فاقدة وعيها".

وبعدها، وحسبما نشر الموقع الإذاعي، اتصل عاملو الفندق بالشرطة، وأبلغوها بالحادث "ثم تم نقلها إلى مستشفى بورتوغالب، الذي رفض أن يعالجها، لأنهم لا يقبلون حالات الانتهاكات الجسدية".

لكن كل شهود العيان رفضوا هذه الرواية المزعومة التي قالوا إنها لا تقم على دليل واحد، بل هي عبارة عن مزاعم ربما مستوحاة من خيال كاتب الخبر. 

يدعم كلامهم ما نشرته وسائل إعلام بولندية محايدة، حيث بثّت فيديو للفتاة وهي في حالة غياب عن الوعي في مدخل غرفتها في الفندق، وكانت في حالة سكر دائمة وخلع لملابسها وتنتابها حالة هياج مستمرة.

كما نشرت وسائل بولندية أيضا تفريغاً لكاميرات المراقبة بمستشفى بورتوغالب الذي نقل مندوب شركة السياحة الفتاة إليه، حيث كانت في حالة هياج شديد، ويبدو من لقطات الفيديو أن المحيطين بالفتاة في المستشفى من أطباء وممرضين تمكنوا من السيطرة عليها أكثر من مرة بعد حالة الهياج تلك.

قضية انتحار أو قتل الفتاه البولندية لا تزال غامضة في ظل تعدد الروايات المتعلقة بمصرعها، وهناك خطورة من أن يتكرر سيناريو قضية الطالب الإيطالي جوليو ريجيني المعروفة الذي قتل في القاهرة في نهاية يناير 2015 وتبين لاحقا خطفه من قبل قوات أمن.

ومع استمرار وسائل الإعلام البولندية في توجيه الانتقادات الشديدة لمصر خاصة ما يتعلم بمزاعم قتل الفتاه بعد تعرضها لاغتصاب جماعي، فإن السؤال: أين كبار المسؤولين في الحكومة المصرية؟ 

ألا يوجد لدى هؤلاء بعض الدقائق القليلة للتعليق على هذه المزاعم والانتقادات والرد عليها، أو حتى إصدار بيان يفنّد مثل هذه الادعاءات التي تسيء للسياحة المصرية المتردية أصلاً؟ أم أن لديهم أولويات أخرى تفوق أولوية الدفاع عن سمعة مصر في الخارج؟

ألا يعلم كبار المسؤولين في الحكومة أن السياحة البولندية هي الثالثة في ترتيب الوافدين على قرى وشواطئ البحر الأحمر، وبالتالي فإن مثل هذه الحملات قد تزيد من مشاكل قطاع السياحة الشاطئية، خاصة الواقعة على ساحل البحر الأحمر؟

ألا يستحق هذا الهجوم المسيء لمصر بيانا للرد عليه وتفنيده من قبل مجلس الوزراء المصري، أم أن أعضاء الحكومة مشغولون، هذه الأيام وبالكامل، مع البعثة الفنية لصندوق النقد الدولي والبحث في كيفية تلبية كل طلبات البعثة التي لا تنتهي مقابل الإفراج عن الشريحة الثانية من القرض؟ 

ألا يعلم هؤلاء المسؤولين أن إيرادات السياحة لمدة سنة واحدة قد تفوق قيمة قرض صندوق النقد، البالغ 12 مليار دولار، في حال تعافي القطاع؟، بل وقد تزيد عن هذا الرقم كما كان عليه الحال قبل ثورة 25 يناير؟

المساهمون