الجزائر نحو الانفتاح الصعب عبر منظمة "التجارة العالمية"

20 مارس 2017
تضييق الاستيراد يعرقل الانضمام لمنظمة التجارة (Getty)
+ الخط -
من المقرر أن تجلس الجزائر ومنظمة التجارة العالمية على طاولة المفاوضات مجدداً في منتصف السنة الحالية، لإنهاء مسلسل انضمام الجزائر للمنظمة الذي يشرف على إتمام عقده الثالث من الزمن.

وأكدت منظمة التجارة العالمية بداية الأسبوع الجاري على موقعها الإلكتروني أن "الجولة 13 من مفاوضات ولوج الجزائر إلى المنظمة ستتم قبل نهاية شهر يونيو/حزيران المقبل وفقاً لما نصت عليه جلسات التقييم بين البلدين".

وتضع السلطات الجزائرية، الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة هدفا أساسيا، خلال الفترة الأخيرة، بحثا عن إعطاء جرعة نوعية للاقتصاد الوطني، بعد مفاوضات طويلة ترددت الحكومة فيها كثيراً بحسم الملف.

ومنذ تقديم طلب الانضمام في يونيو/حزيران 1987، دخلت الجزائر في 12 جولة من المفاوضات، وأجابت عن 1900 سؤال مرتبطة بالنظام الاقتصادي، كما أقامت الجزائر 120 جولة مفاوضات ثنائية (مع بلدان المنظمة)، انتهت بتوقيع 6 اتفاقيات مع كوبا، البرازيل، الأورغواي، سويسرا، فنزويلا، بالإضافة إلى الأرجنتين.

ودخلت مفاوضات انضمام الجزائر لمنظمة التجارة في العديد من المرات في حالة ركود كادت أن تنسف الملف، بسبب تردد الجزائر في الانضمام إلى المنظمة، وهو الأمر الذي يبرر استمرار المفاوضات بين الطرفين ثلاثين سنة، حيث قابل المفاوضون الجزائريون شروط المنظمة بالرفض حتى لا تصبح شوكة في حلق الاقتصاد الجزائري وتضر بمصلحة البلاد مستقبلا، حسب تعبيرهم.

وأرجع الخبير الاقتصادي جمال نور الدين موقف الجزائر الرافض للخضوع لشروط منظمة التجارة إلى ارتكازها على عائدات النفط المرتفعة والتي أعطت للجزائر هامشا من الحرية.

وحسب نفس المتحدث، فإن "موقف الجزائر كان غير مدروس لأن احتياطي النفط والغاز والنقد الأجنبي سينفد لا محالة، وبالتالي ستصبح الجزائر مجبرة على تطبيق الشروط التي تمليها عليها المنظمة إن أرادت حماية تجارتها الخارجية، وتنظيم السوق المحلية خلال الفترة المقبلة.
وأكد نور الدين في حديث مع "العربي الجديد" على وجود بطء في عملية المفاوضات بين الطرفين، لأن الجزائر لا تمتلك أوراق ضغط حاليا خاصة في ظل تراجع صادراتها المبنية أساسا على النفط لذلك فهي ليست معنية بالتجارة الدولية.

ويتساءل الخبير الجزائري عن مصير التجارة الجزائرية الخارجية في حال نفاد احتياطي النفط، مشيراً إلى أن الحكومة تتفاوض في الوقت الحالي مع المنظمة بخصوص بعض الشروط منها بيع الغاز بالأسعار الدولية في السوق الداخلية، الذي تتشدّد في رفضه حالياً ويشترطه الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى السيارات المستعملة التي تريد دول أوروبية تسويقها في الجزائر التي جمدت عملية استيرادها.

وتأتي الجولة 13 من مفاوضات انضمام الجزائر للمنظمة في وقت تشن فيه الحكومة حربا ضروسا من أجل كبح ورادات البلاد، التي أنهكت خزينة الدولة، وهو ما قد يؤدي إلى تعثر سير المفاوضات من جديد.

وفي هذا السياق، يتوقع أستاذ التجارة الدولية بكلية العلوم الاقتصادية في جامعة الجزائر، نذير برشيش، أن "تشهد الجولة الـ13 من مفاوضات الجزائر ومنظمة التجارة العالمية انسداداً أخر.
ويضيف برشيش لـ "العربي الجديد" أن "هذه المرة قد تتعثر المفاوضات بسبب بعض الإجراءات التي أقرتها الحكومة لكبح الواردات، خاصة فيما يتعلق برخص الاستيراد التي فرضتها الجزائر مطلع السنة الماضية على بعض السلع والتي ستُعمم هذه السنة على كل السلع حسب وزارة التجارة".

ويوضح أن "رخص الاستيراد تراها المنظمة تتعارض مع أهم مبدأ من مبادئها وهي حرية تنقل السلع، وتتأهب عدة دول خاصة الأوروبية التي تضررت صادراتها نحو الجزائر لاستخدام هذا المبدأ للضغط على الوفد الجزائري المُطالب بتقديم توضيحات وإجابات مقنعة وإلا ستكون جولة يونيو/حزيران 2017 كسابقاتها من الجولات مع المنظمة."

يذكر أن الجزائر كانت قد فرضت على كل المستوردين الحصول على رخصة مسبقة قبل التمكن من استيراد أي مادة من الخارج، لمواجهة تراجع إيرادات البلاد جراء انخفاض أسعار النفط، فيما أعفت الزيت والسكر والقمح من هذه الرخص نظرا لكونها من المواد الأساسية المدعمة.

وتهدف الحكومة إلى إنهاء سنة 2017 بـ30 مليار دولار واردات، للحد من ارتفاع العجز التجاري الذي بلغ قرابة 18 مليار دولار عند نهاية 2016، حسب تقارير رسمية.

وبدأت رحلة المفاوضات بين الطرفين عندما طلبت الجزائر الانضمام إلى اتفاقية "الغات" (تحولت سنة 1995 منظمة التجارة العالمية) في 3 يونيو/حزيران 1987، وتم قبول الطلب من طرف مجلس ممثلي أعضاء "الغات" في 17 يونيو/حزيران 1987.

وقامت لجنة وزارية جزائرية مشتركة سنة 1995 بصياغة مذكرة حول التجارة الخارجية أجابت فيها على حوالي 500 سؤال طرح من طرف الأعضاء.

وعقد أول اجتماع لفوج العمل المكلف بانضمام الجزائر في 22 و23 أبريل/نيسان 1998. وتمت مراجعة مذكرة التجارة الخارجية للجزائر سنة 2001 وأرسلت نسخة منها إلى أمانة المنظمة في يوليو/تموز من نفس العام.

وتواصلت المفاوضات في الفترة من 2005 وحتى 2014 إذ أجابت الحكومة عن مئات الأسئلة، ولكن ظلت متردّدة في الانضمام، ورغم ذلك ما زالت تأمل في تقدم المفاوضات بالجولة الثالثة عشرة المقررة في منتصف العام الجاري، لإنقاذ اقتصادها المهدّد بسبب تراجع أسعار النفط.

وتعاني الجزائر من تبعية مفرطة لإيرادات النفط ومشتقاته، التي تشكل 97% من إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، كما أن الموازنة العامة للبلاد تعتمد على أكثر من 60% من هذه الإيرادات النفطية والغازية.

وتهاوت إيرادات الجزائر من المحروقات بأكثر من النصف في ظرف عامين بسبب الصدمة النفطية، وانتقلت نزولاً من 60 مليار دولار عام 2014، إلى 27.5 مليار دولار في 2016 حسب أرقام قدمها رئيس الوزراء عبد الملك سلال نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي.
المساهمون