لوبان تدخل الاقتصاد الفرنسي في النفق الخطر

14 فبراير 2017
لوبان تخيف المستثمرين في فرنسا (فرانس برس)
+ الخط -
"المصائب لا تأتي فرادى"، كما يقول المثل الإنكليزي، فدول الاتحاد الأوروبي كلما خرجت من مصيبة تدخل في مصيبة أكبر منها، وذلك الحال يتكرر منذ أزمة المال العالمية في العام 2008. ففي العام 2011 نكبت أوروبا بأزمة "ديون اليورو" التي كادت أن تعصف باقتصاداتها، لولا قوة الاقتصاد الألماني، ثم تلتها أزمة إفلاس اليونان التي لا تزال تثقل كاهل منطقة اليورو، وربما تظل قنبلة قابلة للانفجار، خلال السنوات المقبلة، ثم جاءت كارثة "البريكست" التي ستخرج بريطانيا قريباً من دول الاتحاد الأوروبي.
والآن تدخل فرنسا، ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بعد ألمانيا، نفق الانتخابات الرئاسية، التي تتقدم فيها مرشحة الجبهة الوطنية، مارين لوبان، التي تمثل اليمين العنصري المتطرف في فرنسا، وتطالب بخروج فرنسا من منطقة اليورو.
وطرحت لوبان في حملتها الرئاسية التي دشنتها رسمياً في الرابع من الشهر الجاري في مدينة ليون، برنامجاً يجمع بين السياسات" الشعبوية والوطنية والعنصرية"، حيث طرحت شعار "استعادة حرية فرنسا وإعادة السلطة للشعب". وتعني باستعادة حرية فرنسا، خروجها من منطقة اليورو.
وتنظر مارين لوبان باحتقار شديد للمفوضية الأوروبية في بروكسل، وتعتقد أن فرنسا مستعمرة من مستعمرات المفوضية الأوروبية في بروكسل، وبالتالي لابد من تحريرها.
ويتألف برنامج لوبان الانتخابي من النقاط الرئيسية التالية وهي:
أولاً: القضاء على العولمة وتحطيم "النظام العالمي" القائم حالياً واشتركت فرنسا في بنائه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ثانيا: تبني سياسات حمائية وانغلاقية على صعيد التجارة وحرية حركة البضائع والخدمات والحد من الهجرة.
ثالثاً: إخراج فرنسا من منطقة اليورو والعودة تدريجياً إلى طباعة الفرنك الفرنسي.
رابعاً: زيادة الضرائب والرسوم الجمركية على السلع والخدمات المستوردة إلى السوق الفرنسية.
خامساً: فرض رسوم مرتفعة على عقود الموظفين الأجانب في فرنسا، سواء كانوا يعملون لصالح شركات فرنسية أو شركات متعددة الجنسيات.
سادساً: خفض سن التقاعد وزيادة إعانات البطالة والإعانات الأخرى الخاصة بدولة الرفاه.
سابعاً: زيادة ميزانية الدفاع والشرطة وأجهزة الأمن الوطني في فرنسا.
وحسب خبراء، فإن هذا البرنامج لا يختلف في كثير أو قليل عن البرنامج الذي طرحه الرئيس، دونالد ترامب، وقاده للفوز بالرئاسة الأميركية.
ويرى العديد من الخبراء، إن كثيراً من النقاط التي تحدثت عنها المرشحة لوبان، تعد جذابة بالنسبة لمواطني الريف الفرنسي والشباب الذين يميلون إلى النظرة الشعبوية الضيقة والمكاسب الوطنية بمعزل عن أوروبا والعالم، وبالتالي، فإن مخاطر فوز لوبان ستبقى أكبر مهدد لمشروع أوروبا الموحدة وربما لمستقبل فرنسا الاقتصادي، إن لم تكن في هذه الانتخابات، فستكون من مهددات أوروبا في الانتخابات الفرنسية التي ستجرى بعد أربع سنوات. وذلك ببساطة لأن شعبية لوبان تتألف من الشباب والشابات صغار السن من البيض.
وعلى الرغم من أن المستثمرين الكبار في منطقة اليورو يستبعدون، حتى الآن، فوز مرشحة الجبهة الوطنية في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 23 أبريل/ نيسان الجاري، لكن لوبان تواصل التقدم في استفتاءات الرأي.


ويرى معظم خبراء السياسة الذين اطلعت "العربي الجديد" على آرائهم، في فرنسا وخارجها، أن لوبان سوف تتصدر قائمة المرشحين في الدورة الأولى من الانتخابات، يستبعدون فوزها، مالم  تضاعف شعبيتها ثلاث مرات، خلال الشهرين المتبقيين من الانتخابات.
ولكن سبق للاستفتاءات والخبراء، أن استبعدوا فوز الرئيس الحالي، دونالد ترامب، في الانتخابات الأميركية، كما استبعدوا كذلك التصويت ضد "البريكست" في بريطانيا، وكانت النتيجة خلافاً لما توقعوا، وبالتالي، فإن احتمال المفاجأة غير مستبعد تماماً.
وهذا الاحتمال على ضآلته، فإنه يقلق المستثمرين في سندات الدين الفرنسية، وعلى رأسها سندات الخزانة الحكومية، كما يهدد كذلك مستقبل بقاء منطقة اليورو ككتلة اقتصادية موحدة ومستقبل العملة الواحدة "اليورو"، حيث إن فرنسا ركن رئيسي في بناء منطقة اليورو، وسقوطها في يد الجبهة الوطنية، سيعني سقوط منطقة اليورو.
ومن أدلة هذا القلق بين المستثمرين، اتساع فارق الفائدة بين السندات الفرنسية والسندات الألمانية، حيث يهرب المستثمرون بكثافة من سندات الخزانة الفرنسية التي ترتفع مخاطرها بحثاً عن "ملاذ آمن" لاستثماراتهم في السندات الألمانية.
وفي هذا الشأن، يتوقع مصرفيون أن يهبط سعر الفائدة على السندات الألمانية إلى الصفر في حال فوز المرشحة المتطرفة لوبان.
كما تشير التوقعات المصرفية كذلك إلى أن فوزها سيقود إلى هبوط كبير في سعر صرف اليورو، ربما إلى أقل من دولار واحد مباشرة بعد إعلان النتيجة، كما أن السندات الفرنسية ستهبط قيمتها بشدة هي الأخرى ومعها سندات العديد من دول منطقة اليورو. ومن المتوقع أن يستفيد من ذلك كل من الدولار والفرنك السويسري والجنيه الإسترليني والسندات الحكومية في كل من بريطانيا وألمانيا وسويسرا.
وترى لوبان، أن خروج فرنسا من منطقة اليورو والتخلي عن عملة اليورو والعودة للفرنك سيرفع من القوة الشرائية الفرنسية وسيرفع من معدلات التوظيف والنمو الاقتصادي. وهي وعود جذابة بالنسبة للفرنسيين وتحمل كثيراً من المستقبل بالنسبة للشباب والمزارعين في الريف الفرنسي الذين يعارضون سياسات المفوضية الأوروبية الخاصة بالحظر الاقتصادي على روسيا وسياسات تحديد الحصص التي تحددها بروكسل.
وتبدو البرامج التي طرحتها لوبان من حيث ظاهرها جاذبة للمزارعين والعمال وغالبية الشباب البيض من ذوي الدخول المنخفضة، لكن في مقابل هذه الصورة الوردية الزاهية التي ترسمها لوبان للاقتصاد الفرنسي، يرى محافظ البنك المركزي الفرنسي، فرانسوا فيليروي دي جلاهو،  عكس ذلك، حيث أكد في تصريحات نشرت يوم الإثنين، أن خروج بلاده من عملة "اليورو"، سيكلِّف فرنسا، أكثر من 300 مليار يورو "حوالى 320 مليار دولار" سنوياً.
كما أكد المسؤول النقدي الفرنسي، أن خروج فرنسا من اليورو سيتسبب كذلك في ارتفاع معدلات التضخم وتدمير المدخرات الفردية. كما أشار إلى أن فوائد الدين الخارجي ستتجاوز 30 مليار يورو سنوياً في حال تخلي البلاد عن عملة اليورو.
ويقدر حجم الاقتصاد الفرنسي بحوالي 2.183 ترليون يورو، كما أن ديون فرنسا تقارب ترليوني دولار.
وكانت تقارير فرنسية قد كشفت، الأسبوع الماضي، قد ذكرت أن مارين لوبان تستهدف استخدام البنك المركزي الفرنسي في إطلاق عملية إخراج فرنسا من عضوية منطقة اليورو.
وحسب التقارير، فإن بيرنارد مونوت، المساعد المالي للمرشحة اليمينية المتطرفة، اجتمع مع محافظ البنك المركزي الفرنسي في سبتمبر/ أيلول الماضي، ووضع أمامه خطة مارين لوبان.
وحسب الخطة، فإن المرشحة المتطرفة، تتجه في حال فوزها إلى إلغاء استقلالية المصرف المركزي الفرنسي، واستخدامه في طباعة الأوراق النقدية لتمويل مصروفات الدعم الاجتماعي وتسديد أقساط الدين العام الفرنسي. ولكن من غير المعروف كيف يمكنها طباعة اليورو، أو حتى طباعة الفرنك الفرنسي، قبل خروج فرنسا رسمياً من عضوية منطقة اليورو.
المساهمون