السياحة والحصاد المر للانقلاب

29 يوليو 2016
إعادة الحياة للسياحة في حاجة إلى استقرار سياسي حقيقي(Getty)
+ الخط -
قلت قبل أيام إنه لا يمكن فصل ملف إصلاح الاقتصاد المصري عن ملفي الإصلاح السياسي والأمني، وأن بداية إجراء إصلاح حقيقي للاقتصاد تكمن في إزالة الآثار الناجمة عن انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013. وحتى لا يكون الكلام إنشائيا سأضرب عدة أمثلة على ذلك.

خذ مثلا قطاع السياحة الذي تهاوى بسبب ممارسات السلطات العنيفة طوال السنوات الثلاث الماضية، فحديث النظام ووسائل الإعلام المبالغ والمستمر عن الإرهاب، ضرب السياحة في مقتل، حيث أعطى انطباعا للعالم، سيّاحه ومستثمروه والرأي العام به، أن مصر تعوم على بركة من الإرهاب، وأنها تضم أخطر وأكبر عدد من الإرهابيين فب الكرة الأرضية.

وحادث مقتل السياح المكسيكيين بالصحراء الغربية على يد قوات الأمن ضاعف آلام القطاع، ومقتل الطالب الإيطالي ريجيني حرم مصر من السياحة الإيطالية التي كانت تصنف على أنها الأولى أوروبياً من حيث العدد والنفقات والليالي السياحية والأضخم أجنبياً بعد السياحة الروسية من حيث العدد.

وسقوط الطائرة الروسية فوق سيناء، نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حرم البلاد من مليون سائح روسي في السنة، ومثلها من أوروبا، خاصة من بريطانيا وألمانيا وإيطاليا، وخطف طائرة مصر للطيران أعطى انطباعا للسائح باختراق المطارات المصرية.

كما أن قتل السلطات المئات من معارضيها السلميين وسجن آلاف آخرين دون تهم واضحة أعطى انطباعا للسائح بعدم احترام الحكومة ملفات الحريات العامة وحقوق الإنسان، بل وقيامها بالقتل والاعتقال خارج دائرة القانون وبدون أحكام قضائية باتة.

كل هذه عوامل أدت إلى أن تتهاوى السياحة التي كان تدر على البلاد 13 مليار دولار سنويا قبل منتصف عام 2013، وتمثل ثالث أكبر مصدر للنقد الأجنبي بعد الصادرات وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، إضافة لتوفير 10 ملايين فرصة عمل.

ونظرة للأرقام الرسمية نجد أن أحدث أرقام صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يوم الخميس تقول إن عدد السائحين الوافدين إلى مصر تراجع بنسبة 59.9% في شهر يونيو الماضي، وهو أكبر انخفاض يسجله منذ بداية العام الجاري.

وبلغ عدد الليالي السياحية التي قضاها السائحون في يونيو 1.8 مليون ليلة فقط مقابل 7.7 مليون ليلة في نفس الشهر من العام الماضي بانخفاض 77.1%.

وتراجع عدد السياح الوافدين بنسبة 51.7% في مايو الماضي، و54% في أبريل، و 47.2% في مارس، و45.9% في فبراير، و46.3% في يناير، كما حقق قطاع السياحة انكماشا بنسبة 18.7% خلال النصف الأول من العام المالي الماضي مقابل 43.7% نموا في الفترة المقابلة من العام السابق.

الأزمات الحالية التي تتعرض لها السياحة تزيد كثيرا في حدتها عن الأزمات التي تعرض لها القطاع طوال السنوات الماضية، وأبرزها حادث الأقصر الشهير الذي جرى في نهاية عام 1998 وتفجيرات طابا في العام 2005.

إعادة الحياة لقطاع السياحة في حاجة إلى استقرار سياسي حقيقي لا مفتعل أو موجود فقط على شاشات الفضائيات وصفحات الجرائد وألسنة الإعلاميين المؤيدين للنظام.

وحسب آخر مسح أجراه البنك الدولي وأعلنت نتائجه الاثنين الماضي، فإن عدم الاستقرار السياسي أبرز مشكلة تواجه مناخ الاستثمار في مصر، تليها صعوبة الحصول على التمويل والطاقة وانقطاع الكهرباء والتراخيص.

السائح لا يريد فقط أمنا في المنتجع السياحي والفندق الذي يقيم فيه، ولا أمنا في المطارات وداخل الطائرات التي يستقلها، وإنما أمناً في الشارع وبعد منتصف الليل، أمناً يشعر به عندما ينظر في وجوه المصريين وهم يستقبلونه في المطار أو يضحكون معه وهو يسير بجوارهم في الشارع، أمنا طبيعياً وليس مفروضا بقوة الدبابة وصوت الرصاص، أمناً في كل جنبات البلاد وليس في الأماكن التي يقيم بها.

المساهمون