تونس: تهم فساد تلاحق المتصرفين في شركات "بن علي"

04 مارس 2016
مصنع أحذية في تونس (فرانس برس)
+ الخط -
يثير ملف تسيير المؤسسات المصادَرة من الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي وعائلته، جدلا كبيرا، بعد بلوغ العديد منها إما مرحلة الإفلاس أو العجز عن صرف رواتب العاملين فيها. 
وتحوم شبهات فساد كبيرة حول طريقة التصرف في الشركات المصادرة، حيث نبه المراقبون للشأن الاقتصادي إلى الخطر المحدق بهذه المؤسسات التي كانت من أبرز المجموعات الاقتصادية الناشطة في تونس.
ويتهم مراقبون، المشرفين على إدارة هذه المؤسسات بالسعي إلى إفلاسها لصالح جهات متنفذة ترغب في شرائها بأسعار دون قيمتها الحقيقية.
وكشف مسؤول في "إسمنت قرطاج"، إحدى الشركات المصادرة والتي كانت مملوكة لصهر بن علي، بلحسن الطرابلسي، عن حجم الفساد الذي أصاب الشركة.
وأشار المسؤول، الذي طلب من "العربي الجديد" عدم ذكر اسمه، إلى أن الشركة باتت تشكو وضعا ماليا خانقا، مما أدى إلى ارتفاع ديونها لدى المصارف إلى 100 مليون دينار (50 مليون دولار)، رغم أنها كانت قبل خمس سنوات من أنجح المؤسسات الاقتصادية في تونس وتحقق أرباحا كبيرة.
وذكر المسؤول، أن أوجه الفساد في الشركة متعددة، منها أن المتصرف الذي عينته الحكومة لتسيير المؤسسة، عمد إلى القيام بانتدابات مشبوهة، مع تخصيص رواتب خيالية للمنتدبين، فضلا عن بيع 90% من منتجات الشركة من الإسمنت إلى وكيل واحد وبأسعار تقل عن التكلفة.
وأشار المسؤول إلى أن سوء التصرف في المبيعات أدى إلى مراكمة ديون الشركة لدى المصارف، في ظل صمت مطبق من الحكومة، خاصة أن إدارة المؤسسة لم تحمّل أيا من مسؤوليها نتائج الخسائر المالية المتكررة.
وتشير بيانات رسمية، كشف عنها وزير المالية سليم شاكر، إلى أن 153 من الشركات المصادرة توقفت عن النشاط بعد فرار أصحابها عقب الثورة، ما أدى إلى تراجع قيمتها.
وصودرت بعد الثورة التي انطلقت في أواخر عام 2010، نحو 544 شركة ناشطة في مختلف المجالات.
ولم تتجاوز عائدات الدولة من تخصيص المؤسسات المصادرة، وفق بيانات وزارة المالية، 6 ملايين دولار، وهو ما جعل خبراء الاقتصاد يوجهون سيلا من الانتقادات حول شبهات فساد وسوء تصرف في مؤسسات كانت من المفترض أن تكون داعمة للاقتصاد التونسي في مثل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد.

في المقابل، شدد وزير المالية سليم شاكر، في تصريح أمام البرلمان، على أن وزارته تتبع إجراءات تتسم بالشفافية والنزاهة في التعاطي مع ملف الممتلكات المصادرة.
وتتقاذف وزارتا المالية وأملاك الدولة مسؤولية ما آلت إلى شركات بن علي وعائلته سابقا، حيث أكد وزير أملاك الدولة، حاتم العشي، مؤخرا، أن وزارته أمرت بفتح تحقيق في كل الملفات التي أحيلت إليها بشأن سوء التصرف أو شبهات الفساد في المؤسسات المصادرة.
وأفاد العشي، بأن لجنة المصادرة استحوذت على أكثر من 500 شركة، منها شركات ناجحة، مؤكدا أن أغلب المتصرفين القضائيين قاموا بالعديد من التجاوزات مع وجود شبهات فساد، مشيرا إلى أن الشبهات التي ترتقي إلى مستوى الجرائم المالية ستقدم إلى القضاء.
واعتبر الخبير الاقتصادي معز الجودي، أن عائلة بن علي وأصهاره كانوا يضعون أيديهم على أهم الشركات الاقتصادية وأنجحها، متسائلا عن الأسباب التي أدت إلى تهاوي هذه المؤسسات بسرعة، وصفها بالقياسية.
وأكد الجودي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، ثبوت سوء تصرف وفساد في إدارة ملف الأملاك المصادرة، معتبرا أن إدارة هذه المؤسسات من قبل متصرفين عينتهم الحكومة فاقم حجم صعوباتها، لتتحول من مؤسسات تتصدر المشهد الاقتصادي إلى مؤسسات تشكو الإفلاس وتعاني من الصعوبات.
وحمّل الجودي المتصرفين مسؤولية ما آلت إليه المؤسسات، سواء عن جهل أو سوء نية، لافتا إلى أن تعيين الدولة متصرفين قضائيين تنقصهم الكفاءة لإدارة المؤسسات المصادرة بعد الثورة أثر سلبا على قيمتها في السوق، حسب تأكيده.
وتساءل الخبير الاقتصادي عن سبب عدم نشر وزارة المالية جردا مفصلا بالأموال التي صرفت، لإضفاء الشفافية على هذا الملف الذي يثير تساؤلات محيرة لدى الرأي العام، وفق رأيه.
ودفعت شبهات الفساد في إدارة وبيع ممتلكات بن علي وعائلته دائرة المحاسبات (جهاز رقابي مستقل) إلى التدقيق في هذا الملف، رغم محاولة العديد من الجهات الرسمية التخفيف من حدة التهم الموجهة إلى المتصرفين في هذه المؤسسات، بالتأكيد أن الخسائر التي تكبدتها الشركات وصعوبة التفريط فيها يعود إلى طول الإجراءات القانونية وتعقيدها، إضافة إلى تشتت مسؤولية هذه المؤسسات بين العديد من الوزارات.
وتخطط وزارة المالية لتدبير 200 مليون دينار خلال هذا العام، من خلال بيع 16 شركة مصادرة خلال العام الجاري، بعد أن باعت حصتها في 7 شركات مصادرة على امتداد السنوات الماضية، جنت منها نحو 690 مليون دولار، لكن أغلبها ذهب لسداد ديون شركات ونفقات أخرى.


اقرأ أيضا: تمويل جديد من صندوق النقد لتونس على 4 سنوات
المساهمون