المرأة في الجنوب السوري تدخل سوق العمل رغم القيود الاجتماعية والمخاطر الأمنية

04 يوليو 2024
حقل في قرية بداما، شمال غربيّ محافظة إدلب، 26 إبريل 2024 (عارف وتد/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **دور المرأة في حوران قبل الحرب**: كانت المرأة تشارك في الأعمال الزراعية والمنزلية دون أجر نقدي، واقتصر العمل الوظيفي على الحاصلات على الشهادات الجامعية في التدريس والتمريض والأعمال المكتبية.

- **تأثير الحرب على دور المرأة**: أدت النزاعات إلى هجرة الشباب وارتفاع نسب العنوسة والترمل، مما دفع النساء إلى الدخول في سوق العمل وإنشاء مشاريع صغيرة مثل الخياطة لتحسين الوضع المعيشي.

- **التغيرات الاجتماعية والاقتصادية**: ارتفعت نسب مشاركة المرأة في سوق العمل في مجالات متنوعة، وأظهرت استطلاعات الرأي تأييداً متزايداً لعمل المرأة، رغم استمرار بعض القيود والمخاطر مثل الزواج المبكر وحرمان الفتيات من التعليم.

منحت الطبيعة القاسية لمنطقة حوران جنوبيّ سورية المرأة القوة والصلابة التي مكنتها من مرافقة الرجل إلى حقول القمح والخضار والأشجار المثمرة والزيتون، ومقاسمته أعمال الحصاد وجني المحصول، إلى جانب أعمالها المنزلية، ربةَ منزل وأماً ومربيةَ للأطفال. وتأطرت معظم الأعمال النسائية في السابق ضمن نطاق الأسرة والمنزل والأرض تحت إشراف الأب والأخ أو الزوج، وغالباً ما كانت ضمن أملاك العائلة ودون أجور نقدية، في حين اقتصر العمل الوظيفي على الشهادات الجامعية والمعاهد، وصُبّ معظمه في اختصاصات التدريس والتمريض والأعمال المكتبية في المؤسسات العامة.

وفي سنوات ما قبل الحرب، حُدِّد للمرأة الحورانية دور سيدة المنزل والعامل المساعد للزوج أو الأسرة في إدارة جزء من العمل والإشراف على الإنتاج، في حضور رب الأسرة أو غيابه، وساهم في إبعادها عموماً عن الدخول الفعلي في سوق العمل. ومنذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، سادت المنطقة حالة من النزاعات المتقطعة والتوتر، ما ساهم في ازدياد نسب هجرة الشباب، إضافة إلى حوادث الموت المتكرر، والملاحقات الأمنية التي رافقها وضع اقتصادي سيّئ، وتردٍّ في الوضع المعيشي، إلى جانب ارتفاع في نسب العنوسة والترمل، ما ساهم في تجاوز بعض العادات والتقاليد التي تحدّ من مشاركة المرأة في العديد من الأعمال التي كانت حصراً بالرجال، وبالتالي دفعها إلى سوق العمل

في هذا الصدد، تقول "أم محمود" طلبت عدم ذكر اسمها لـ"العربي الجديد": "توفي زوجي في المعتقل وترك لي خمسة أطفال أكبرهم بلغ 17 عاماً منذ أيام، وكان عليّ أن أطعمهم، فلا معين ولا راتب، ولم يكن أمامي إلا الأرض والحقول بداية، وفي المواسم الصيفية، بينما ألجأ عند العودة إلى المنزل لأعمال إضافية مثل "تقطيع البقدونس أو الفاصولياء وحفر الكوسا" وغيره مما يُطلب مني لمتجر في الحيّ أو بعض الجيران والمعارف". وخلال السنوات اللاحقة امتهنت أم محمود هذا النوع من العمل، لأنه يُبقيها بالقرب من أولادها ويخفف عنها ضغوط المجتمع المحيط وانتقاداته.

ويختلف واقع الحال بين الأعمال في المدن عنها في الريف، ففي حين ما زالت الفرص في الريف تراوح بين الأعمال الزراعية والعمل من خلال المنزل كالخياطة والتطريز وبيع الألبسة ومستحضرات التجميل، تتجاوز المدينة هذه الحدود، وحتى النظرة العامة السائدة لعمل المرأة. فقد انتقلت مريم الزبيدي مع زوجها وأطفالها للعيش في مدينة درعا، أملاً في تحسين الوضع المعيشي، فلجأت لإنشاء مشروع صغير بالاعتماد على ماكينة خياطة، ما لبث أن تطور وأصبح مشغلاً لصناعة الألبسة النسائية.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

تقول الزبيدي لـ"العربي الجديد": "لا شيء يأتي بسهولة، خصوصاً في هذه الظروف، ولكن الأصعب كان دائماً على المرأة في مناطقنا، فكرة العمل خارج المنزل أو خارج نطاق عمل الزوج والأسرة أو الأملاك الخاصة كالحقل والبيدر، فكل هذا مبرر اجتماعياً، ويمكن تبرير عمل المدرسة أو الطبيبة، ولكن أي أعمال أخرى تخضع للرأي العام والنقد دون مداراة الوضع المعيشي والحاجة". وتضيف: "ما أريد قوله أنني تجاوزت هذه النظرة الاجتماعية مع الكثيرات من النساء في درعا، وبتنا منتجات ونساهم في تربية أسرنا ومعيشتها، وربما كان لهذا الواقع الجديد الدور الحاسم في انتقال المرأة إلى سوق العمل والإنتاج. أما على صعيد التجربة الشخصية، فالعمل يواجه صعوبات في الحصول على المواد الأولية وفي التسويق، ولكنه يبقى فرصة إنتاج لعدد من النساء المحتاجات.

وأجرت شبكة "درعا 24" أكثر من استطلاع رأي واستبيان مع جمهور عشوائي، وخلصت إلى نتائج تفيد بارتفاع نسب العاملات في قطاعات مختلفة وتباين في النظرة المجتمعية لعمل المرأة في القطاع الخاص والعام، ورفض شبه تام لعمل المرأة ليلاً أو لساعات متأخرة من الليل. والأهم ارتفاع نسب المؤيدين لعمل المرأة، حيث بيّن أحد الاستبيانات على 900 مشارك عبر شبكة الفيسبوك، أن 68% يؤيدون عمل المرأة وهذا بحدّ ذاته انتصار في مجتمع ذكوري.

مجالات عمل المرأة في الجنوب السوري

وتقول "خولة ق" لـ"العربي الجديد": "كنت أعمل ممرضة في أحد المشافي قبل الزواج، وهناك تعرفت إلى زوجي الحالي حيث طلب مني التوقف عن العمل قبل الزواج، وبعد 5 سنوات من الزواج وافق نتيجة تدني الوضع المعيشي على عملي في مشفى خاص، ولكن ضمن شرط أن يكون في ساعات النهار حصراً. أما اليوم، ونتيجة تغيّر النظرة العامة والحاجة والإصرار على العمل، أصبح من الطبيعي الالتزام في مناوبات ليلية، إضافة إلى أن خدمة المرضى، وبخاصة النساء، ساهمت في إقناع عامة الناس بضرورة عمل المرأة".

وتضيف خولة: "لقد تغيرت الظروف وغيّرت معها طبائع ومساحات العمل للمرأة، فبتّ تراها في معظم محلات بيع الألبسة وأدوات التجميل والحلاقة والتزيين، وباتت تعود إلى المنزل في ساعات المساء، وأصبح من الطبيعي سؤال أي شابة: "ماذا تدرسين؟ وما اختصاصك؟ وأين تعملين؟"، وإذا أجرينا أي إحصاء دقيق لنسب الطلبة في الجامعات، سنجد ارتفاعاً كبيراً لعدد الإناث، ويمكننا ملاحظة هذا من نظرة واحدة لمركبات نقل الطلبة إلى المعاهد والجامعات".

تعقيباً، يؤكد المحلل فارس العاسمي في حديث لـ"العربي الجديد"، ارتفاع نسب مشاركة المرأة الحورانية بسوق العمل، ويقول إنها "أثبتت وجودها ونجاحها بعد أن تجاوزت المحن والتعقيدات الاجتماعية والأمنية، وأصبح عملها منوعاً ومفيداً لها أولاً وللأسرة، وهذا في حد ذاته انتصار لدورها في المجتمع". وقد تباينت أنواع العمل والمردود من العمل المنزلي، وهذا يعتمد على توسع المعرفة الشخصية وعلى وسائل التواصل، وذلك من "أعمال الخياطة والتزيين والتجارة بالمستحضرات والألبسة النسائية"، وكذلك أعمال الزراعة، وهذه تختصّ بها المرأة في الريف، إلى جانب الأعمال الخدمية في المدن والمؤسسات والمعامل، وهذه تغلب عليها الفتيات اليافعات، بالإضافة إلى صاحبات الاختصاصات في التعليم والطب والهندسات وغيرها.

وبالإجمال، كل تلك النسوة استطعنَ دخول سوق العمل وتغيير الوضع الاقتصادي والمعيشي عموماً، حتى أخذ مواقع الرجال في بعضها، وهذا بحد ذاته تحوّل منطقي وصحيح لدور المرأة الاقتصادي في المجتمع. وتبقى المخاطر التي تصادف المرأة عموماً في الجنوب السوري كبيرة، وتنعكس الحالة الأمنية مباشرةً على الفتيات من زواج مبكر، وغير منصف، إلى حرمانهنّ التعليم، وعدم وجود سند في حياتهنّ. كذلك إن مسؤولية أسرة بكاملها يجعلها في وضع صحي صعب دون أن يلتفت أحد إلى هذه الظروف المعقدة.