النفوذ الإيراني يسيطر على أسواق العراق

05 ديسمبر 2016
السلع الإيرانية تهيمن على الأسواق العراقية (فرانس برس)
+ الخط -
أثار إعلان الملحقية التجارية الإيرانية في بغداد عن ارتفاع حجم التبادل التجاري مع العراق إلى 13 مليار دولار سنوياً جدلا واسعا في الشارع العراقي حول نفوذ طهران المتزايد على القطاع التجاري والاقتصادي في البلاد بعد هيمنتها على المشهد السياسي والأمني.

وحذر مراقبون من خطورة هيمنة إيران على القطاع التجاري العراقي، وربطوا ذلك بحوادث اغتيال ومطاردات أمنية طاولت مؤخرا تجارا عراقيين ورجال أعمال رفضوا التعامل مع الشركات الإيرانية المصدرة للمواد الغذائية والصناعية في البلاد.

وتفرض حكومة بغداد إجراءات مشددة على صادرات بعض الدول ومنها السعودية ومصر والأردن وتركيا، بينما تفتح ستة منافذ حدودية برية مع إيران جميعها تجارية لا تخضع لأي عمليات رقابية لجودة المنتج كما تقول.

وفي ذات الوقت تبتلع أطراف مقربة من إيران القطاع التجاري والاستثماري في العراق وتحصرها العمليات الكبيرة بشخصيات محددة فقط وفقاً لتجار ومحللي اقتصاد عراقيين لـ "العربي الجديد".

وفي هذا السياق، يقول عضو غرفة تجارة بغداد السابق فاضل الحساني لـ "العربي الجديد" إن "إيران تسوّق بضاعتها في العراق بالقوة، فهي تسيطر على الحكومة وكل مفاصلها والمسؤولون كلهم يخشونها، لذا فإن الموضوع محسوم لصالحها من ناحية تسويق بضائعها".

ويستدرك الحساني عبر الهاتف من العاصمة الأردنية عمّان: "لإيران دور خبيث في تدمير مصانع العراق بعد الاحتلال الأميركي في 2003 وعرقلة إعادة إعمارهما، فضلا عن دفعها لرجال دين إلى إصدار فتاوى تشجع على شراء الإيراني ومقاطعة السعودي والمصري والتركي أيضا".

ويكشف الحساني أن كثيراً من بضائع إيران سيئة بدءاً من موادها الغذائية وانتهاءً بالأجهزة الكهربائية لكنها تفرض بقوة السلاح والتخريب وسيطرة رجال الدين على عقول البسطاء من الناس وتبعية من يحكم العراق اليوم للنظام الإيراني.

وبعد عام 2003 دمرت الكثير من الصناعات في العراق، وبات السوق العراقية مفتوحاً لدخول مئات الأنواع من البضائع من دول مختلفة، وهذه المواد لا تخضع لأي رقابة أو مقاييس السيطرة النوعية التي كانت تفرض من قبل وزارة التجارة والجمارك، ما سهل إغراق السوق بمختلف الأنواع، وغالبيتها تفتقر للمواصفات الدولية التي تخضع للمنتج في حال تصديرها إلى السوق الخارجية.

من جهته قال التاجر العراقي حسين علي الربيعي لـ "العربي الجديد"، إن "الكثير من تجار بغداد باتوا يعتمدون على الاستيراد من إيران، لأن هذا يرضي الحكومة ويجعلهم في مأمن هم وعوائلهم وبضائعهم أيضا من قبل مليشيات الحشد الشعبي".
وأشار إلى أن "السوق العراقية باتت مرتبطة بشكل كبير بالسوق الإيرانية لتوفير الكثير من المواد المختلفة".

ويؤكد مراقبون أن تجاراً إيرانيين يسيطرون على التعاملات في قطاعات تجارية وصناعية، ولهم اليد العليا في الكثير من القطاعات التي تورد من خلالها البضائع إلى الأسواق، ومنها مواد غذائية وسلع كهربائية وإنشائية وقطاع السيارات، ويعملون على إغراق السوق بالمنتجات بالتنسيق مع تجار عراقيين.

وقال الملحق التجاري الإيراني بالعراق رضا زادة في تصريحات صحافية السبت الماضي، إن "حجم التبادل التجاري بين إيران والعراق يبلغ 13 مليار دولار سنويا منها 6 مليارات و200 مليون دولار صادرات سلع إيرانية غير نفطية.

وأكد أن صادرات إيران للعراق تضاعفت 17 مرة خلال العقد الأخير، وإن قسما ملحوظا منها يتضمن الخدمات الفنية والهندسية والسيارات والمواد الغذائية والألبان.

وأشار الملحق التجاري الإيراني إلى إمكانية زيادة التبادل السياحي، موضحاً أن محافظة كلستان يمكنها أن تشكل إلى جانب محافظتي خوزستان وخراسان الرضوية مقصداً للسياح العراقيين وبالإمكان حتى تسيير رحلات جوية مباشرة إليها من العراق.

وتغرق السوق العراقية في قائمة طويلة من البضائع الإيرانية قدّرها مراقبون بأكثر من 6 آلاف سلعة تبدأ من المواد الغذائية مرورا بالمنزلية ثم الملابس بمختلف أنواعها ثم مواد البناء والإنشاءات والأدوات الكهربائية، ولا تنتهي عند سوق السيارات الصالون وشركات الاستثمار، بل تتعدى إلى حصر أعمال محافظة كاملة لصالح شركات إيرانية، وفقاً لما يصطلح عليه في الشارع العراقي بـ(اللزمة)، وتعني أن أعمال إعمار وتأهيل هذه المدينة أو تلك بلا منافسة من شركات أخرى حتى لو كانت محلية.

وفي مايو/ أيار الماضي، ذكرت شبكة معلومات البترول والطاقة الإيرانية، أن رئيس غرفة التجارة الإيرانية -العراقية يحيى على إسحاق، حث المستثمرين الإيرانيين على زيادة الاستثمار والتجارة مع محافظات جنوب العراق، ومن بينها البصرة (450 كيلومتراً جنوب بغداد).
وقال المسؤول إن محافظة البصرة العراقية سوق جيد لتصدير السلع الإيرانية، ومن بينها النفط والغاز والطعام ومواد البناء والخدمات الفنية والهندسية.

ودعا المسؤول الإيراني إلى إقامة علاقات أوثق بين البلدين، وحث على تسهيل الجمارك والتأشيرة والصناعة المصرفية والنقل والشؤون الأخرى ذات الصلة بالتجار ورجال الأعمال العراقيين والإيرانيين.

كما قال مسؤول الشؤون العراقية في هيئة تنمية التجارة الإيرانية مهدي نجات نيا، في تصريحات سابقة إن "شركات إيرانية استأجرت أخيراً أراضي زراعية في العراق".

ومن جانبه، يقول عضو في مجلس محافظة كربلاء، طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ "العربي الجديد" إن "التجارة والبضائع الإيرانية مفروضة على العراقيين كما هو الحال بالنسبة للمشهد السياسي والأمني في البلاد وكأن الأميركان سلموهم العراق على طبق من ذهب وغادروا". وأوضح أن هذه المعلومات لا يتم طرحها بشكل علني لأن مصير من سيتحدث بها سيكون الموت بلا شك.

وتوجد 4 مصارف مشتركة بين الدولتين لتعزيز التدفقات المالية، وتتولى الشركات الإيرانية مشاريع بناء 4 ملايين وحدة سكنية في العراق، بحسب تقرير للمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية نشر في مطلع مارس/ آذار 2015.

وأعلنت إيران في بداية العام الماضي، إلغاء العراق إجراءات تفتيش بضائعها المصدرة إليه، بعد توقيع اتفاقية تسهيل التجارة بين البلدين، الأمر الذي عزاه خبراء إلى تصريف المنتجات الإيرانية الفاسدة في السوق العراقية.

وحاول عدد من البرلمانيين الحد من إغراق السوق بالبضائع الرديئة، عبر تشريع قانون يفرض ضرائب ورسوماً على البضائع الواردة مع التشدد في مراقبتها للحد من السلع غير المطابقة للمواصفات.

وشهد عام 2016 سلسلة عمليات اغتيال وخطف لتجار عراقيين بارزين في ظروف غامضة بالعاصمة بغداد وجنوب العراق عادة ما تنسبها الشرطة إلى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" رغم أنهم قتلوا أو اختطفوا في مناطق لا نفوذ للتنظيم بها وأدى ذلك إلى توجيه بعض رفاقهم وأفراد من عوائلهم اتهامات لجهات إيرانية بالوقوف وراء تلك العمليات بسبب رفض الضحايا التعامل مع البضائع الإيرانية.

ووفقا لضابط بالشرطة العراقية تحدث لـ "العربي الجديد" فإن "الاغتيالات والخطف طاول أكثر من 20 تاجراً بينهم من شكا سابقا من ضغوط يتعرض لها من قبل مليشيات".
ويقول الضابط، الذي رفض ذكر اسمه، إن "مليشيات الحشد الشعبي تنفذ ما تريده إيران وتصفي من يزعجها".

المساهمون