الجزائر..التنقيب عن الذهب بحثاً عن الثراء يقود للسجن

11 ديسمبر 2016
البحث يتركز في الإقليم الجنوبي لتمنراست (فاروق بطيشة/فرانس برس)
+ الخط -
تحولت مناطق واسعة في أقصى جنوب الجزائر إلى مقصد لمجموعات من المغامرين الباحثين عن الثراء السريع بالتنقيب عن الذهب، وفي كل أسبوع تقريبا يعلن الجيش عن اعتقال منقبين عن هذا المعدن النفيس وعن مصادرة آلات وسيارات تستعمل في هذه العملية.

وبالنسبة للمئات يمكن تحقيق الثراء السريع باكتشاف الذهب الخام في الصحراء ثم بيعه، حيث يصل في كل يوم تقريبا مغامرون جدد إلى محافظة تمنراست (2000 كلم جنوب العاصمة الجزائرية) ومعهم معدات وآلات حفر وبحث، من أجل الوصول إلى المعدن الأصفر.

وتحول البحث والتنقيب عن الذهب في أقصى جنوب الجزائر إلى هوس وجنون، بالنسبة للمئات من أبناء المنطقة والقادمين من مختلف مناطق البلاد، وكذا أجانب وهم مهاجرون سريون أفارقة.

وأُعلن في الأشهر الستة الأولى من 2016، عن توقيف عشرات الأشخاص؛ بينهم مهاجرون أفارقة، وحجز 144 آلة تنقيب عن المعادن، وعشرين سيارة استعملت في العملية.

وتقول عائشة خمارة، عضوة المجلس المحلي بمحافظة تمنراست إن "القانون يمنع استغلال المعادن الطبيعية حيث يعتبرها ملكا للدولة حتى لو كانت في ملكية خاصة، وعلى هذا الأساس فإن الباحثين عن الذهب يخالفون القانون الذي يمنع أي بحث أو تنقيب عن أي مادة طبيعية إلا بعد الحصول على إذن من السلطات".

وأضافت: "كما أن الإجراءات الأمنية في الجنوب الجزائري تمنع تواجد الأشخاص في مواقع صحراوية قريبة من الحدود في هذه الجهة".

وتابعت "يقع الباحثون عن الذهب في الكثير من الحالات ضحية للنصب والاحتيال من قبل المرشدين أو قصاصي الأثر في الصحراء الذين يرشدونهم إلى مناطق لا وجود فيها لأي شيء، ويحصلون منهم على مقابل مالي ثم يتركونهم لمصيرهم".

وتشير عائشة إلى أنه "في عدة حالات قامت الوحدات العسكرية بإنقاذ الباحثين عن الذهب من الموت عطشا وجوعا بعد أن تاهوا في الصحراء، حيث شهد فبراير/شباط 2016، وفاة 3 باحثين تم اكتشاف جثثهم في منطقة عين قزام، على الحدود مع دولة النيجر".


كيف بدأت القصة؟

 
بلقاسم أوموزاي، أحد وجهاء تمنراست، يقول: "تنتشر في مناطق عدة في تمنراست وهي محافظة واسعة، بعض المواقع التي توجد بها كميات محدودة من الذهب، وحتى معادن نفيسة أخرى إلا أن هذه الكميات هي محدودة جدا، ومنتشرة في منطقة شاسعة جدا بالإقليم الجنوبي للمحافظة".

 ويوضح أوموزاي أنه "قبل عقود من الزمن صادف أن أشخاص عثروا على حجارة ذهبية بالصدفة ودون بحث، إلا أن الأمور تغيرت تماما منذ 2006، عندما بدأت شركة جزائرية كندية في استغلال منجم للذهب بالمنطقة، وبدأت عمليات تنقيب محدودة عنه في محيط المنجم الذي فرض عليه الجيش الجزائري حراسة مشددة تمنع وصول أشخاص هناك".

وكان عدد المنقبين عن الذهب سابقا محدودا للغاية؛ إلا أنه واعتبارا من 2013، بدأت مجموعات كبيرة من المنقبين والباحثين عنه في الوصول إلى محافظة تمنراست"، حسب أوموزاي.

ويلفت إلى أن "سبب هذا الجنون الذي أصاب الباحثين عن الذهب، يعود لانتشار خبر وفاة شخصين قدما من العاصمة الجزائرية، ماتا جوعا وعطشا أثناء محاولتهما الوصول إلى موقع في الصحراء للبحث عن الذهب، حيث ضلا الطريق".

"ومع تداول خبر وفاة الرجلين، بدأت مجموعات المغامرين في الوصول إلى تمنراست، والبحث عن أشخاص يعرفون المنطقة من أجل الاستعانة بهم في الوصول إلى المواقع التي يفترض وجود الذهب فيها".

ويستعين الباحثون عن الذهب بآلات كشف المعادن وآلات حفر، حيث يخرجون إلى الصحراء بسيارات رباعية الدفع في مجموعات، على حد قول أوموزاي.

 المواجهة مع الجيش

ويقول شريف آغ حوسين، أحد العارفين بالصحراء إن "القيادة العسكرية الجزائرية تعتبر الصحراء منطقة عسكرية يمنع التنقل فيها إلا بعد الحصول على إذن من السلطات، بسبب الوضع الأمني المضطرب في دول جوار الجزائر مثل مالي وليبيا، ولهذا فإن الوحدات العسكرية في مواجهة يومية مع الباحثين عن الذهب".


ويكشف آغ حسين أن "صحراء تمنراست تشهد مطاردات يومية بين المغامرين الباحثين عن الذهب ووحدات من الجيش، وتنتهي أغلب هذه المطاردات باعتقال الباحثين عن الذهب، وإيداعهم السجن ومصادرة السيارات والآلات".

ويقول أحد الباحثين عن الذهب، أفرجت عنه السلطات منذ 3 أشهر بعد أن قضى 6 أشهر في السجن: "كنا 5 أشخاص، جئنا إلى المنطقة (تمنراست) قادمين من مدينة باتنة (شرق)، حيث استثمر كل منا 3 ملايين دينار (نحو 25 ألف دولار)، إلا أنه وبعد 10 أيام في الصحراء حاصرتنا قوة عسكرية، وأوقفتنا وصادرت المعدات التي بحوزتنا".

ويضيف المتحدث الذي يدعى (ق. عبد النور) حيث رفض الإفصاح عن هويته كاملة خوفا من الملاحقة: "فقدنا كامل مدخراتنا في العملية على أمل العثور على كميات من الذهب، فيما تمكن صديقي قبل نحو سنة من جمع كمية تفوق 1.5 كلغ".

ويشير إلى أن "البحث عن الذهب يتركز في الإقليم الجنوبي لتمنراست؛ وهي منطقة صحراوية جبلية وعرة، وفي محيط منجم أمسماسة بالمحافظة نفسها، وقرب مدينة عين قزام، غير بعيد عن حدود النيجر".

ويوضح: "عندما يجد الباحثون قطعا صغيرة من الذهب الخام يتراوح وزن أغلبها بين 10 و400 غرام، تكون في العادة مخلوطة بالحجارة والصخور، يشرعون في عملية الحفر التي تتواصل عدة أيام، وتنتهي في الغالب بجمع كمية يتقاسمها الباحثون".

ووفق عبد النور "انتهت مغامرة البحث عن الذهب بالنسبة للعشرات في السجن، بعد ضبطهم في الصحراء ومعهم آلات التنقيب عن المعادن المهربة".

كما أن "الباحثين عن الذهب يستعينون أحيانا بمهاجرين سريين (أفارقة) يستعملون في عمليات حفر مقابل أموال".

الأشخاص الذين توقفهم السلطات -بحسب عبدالنور- يحالون للتحقيق معهم، قبل تحويلهم إلى العدالة بثلاث تهم هي: التواجد في منطقة تخضع لتنظيم خاص، ومباشرة عمل يخضع للقانون دون إذن من السلطات، وحيازة مواد (آلات التنقيب) تستعمل في نشاط محكوم بقوانين دون إذن من السلطات.

ويبين المتحدث أن "الموقوفين تسلط عليهم أحكام قضائية تتراوح بين 3 أشهر وسنتين سجنا نافذا، حيث تضاعف العقوبة كلما كان للشخص الموقوف سوابق في عمليات التنقيب".


وتتراوح الأحكام الصادرة بحق المتهمين في قضايا البحث عن الذهب ما بين 6 أشهر إلى سنتين، وتوجه لهم تهم بمباشرة نشاط مهني خاضع لتنظيم خاص دون إذن من السلطات، والتعدي على أملاك عمومية، وحيازة مواد يخضع إدخالها للتراب الوطني الجزائري لقانون خاص، وفق المحامي بن خانة عبد العظيم.

ويشير المحامي الجزائري إلى أنه "في الجنوب لا يمكن للغرباء البحث عن الذهب لسبب بسيط، هو أن العملية تتم بالتعاون مع خبير في الصحراء، وغالبا ما يكون من سكانها لهذا لا يستطيع الأجانب التعاون معه".

من جهته، يقول أستاذ الجيولوجيا في جامعة وهران، عبد اللطيف موخيري: "بالبحث في الخرائط الجيولوجية العادية، وحتى في الصور التي تلتقطها أقمار المسح الجيولوجي الصناعية، يمكننا القول إن المناطق التي يتم البحث فيها عن الذهب من قبل مغامرين يوجد بها ذهب بكميات قليلة جدا".

ويضيف أن "الاحتياط الخام للذهب في منجم أمسماسة يقدر بنحو 100 طن، والذي بدأت الجزائر في استغلاله منذ نحو 10 سنوات، بالشراكة مع مؤسسة كندية".

جدير بالذكر أن عدة شركات أجنبية من الصين وروسيا وقطر ودول أخرى أبدت رغبتها في الاستثمار في الجنوب الجزائري للتنقيب عن الذهب، حسب تصريحات لمسؤولين جزائريين.


(الأناضول)

المساهمون