"عسكرة" الصحة في مصر... الجيش يوسع نفوذه

19 نوفمبر 2016
استمرار أزمة نقص الأدوية والمستلزمات الطبية (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

 

لم يكن اقتحام المؤسسة العسكرية في مصر، مجال الحقن الطبية "سرنجات" بمعزل عن محاولات السيطرة على اﻷنشطة الاقتصادية المختلفة، اعتماداً على افتعال اﻷزمات، والرغبة في منافسة القطاع الخاص، وفق محللين اقتصاديين، الأمر الذي يثير قلق المستثمرين حول أنشطتهم القائمة، ويزيد أيضاً من عزوف الأجانب عن ضخ رؤس أموال في مشاريع جديدة بالبلاد.

وظهرت أزمة في المستلزمات الطبية خلال اﻷسبوعين الماضيين، تفاقمت بشكل كبير بعد تصريحات وكيلة نقابة اﻷطباء، منى مينا، حول تعليمات شفهية من وزارة الصحة للمستشفيات باستخدام الأدوات الطبية لنفس المريض أكثر من مرة.

وفي أثناء الشكاوى المتلاحقة من نقص المستلزمات الطبية، خرج المتحدث باسم وزارة الصحة، خالد مجاهد، ليعلن قبل يومين عن إنشاء مصنع لـ"السرنجات" (الحقن الطبية)، بالتعاون مع وزارة اﻹنتاج الحربي، أحد أذرع المؤسسة العسكرية.

وقال مجاهد، في تصريحات تلفزيونية، إن مصنع "السرنجات" سيتكلف إنشاؤه 17 مليون دولار، وسيوفر نحو 50 مليون سرنجة سنوياً، تستخدم جميعها لمرة واحدة فقط.

تصريحات المتحدث باسم وزارة الصحة، لم تكن مفاجئة، خاصة أن كل أزمة تظهر يعقبها إعلان تدخل المؤسسة العسكرية لحلها، بغض النظر عما إذا كانت هذه اﻷزمة مفتعلة أم لا، وفق محللين اقتصاديين ونشطاء سياسيين.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، ظهرت أزمة كبيرة تتعلق بألبان اﻷطفال المدعمة، تمثلت في نقص شديد بمراكز التوزيع المخصصة لهذا الغرض، أعقبتها تظاهرات من اﻷهالي احتجاجاً على هذا النقص.

ولكن سرعان ما تكشف اﻷمر بتصريحات من وزارة الصحة، أن لبن اﻷطفال متوفر، وفي خلفية المشهد كانت المؤسسة العسكرية التي أعلنت عن استيراد ألبان اﻷطفال، وطرحها في اﻷسواق.

وتدخلت المؤسسة العسكرية أيضاً على خط استيراد المستلزمات الطبية من خارج مصر، بعد أن طلب المجلس اﻷعلى للجامعات في يوليو/تموز الماضي، من المستشفيات الجامعية بحصر المستلزمات المطلوبة، تمهيداً للحصول عليها من الجيش.

وأجرت المؤسسة العسكرية، في أبريل /نيسان الماضي، مناقصة في العاصمة اﻷلمانية برلين، لشراء مستلزمات وأجهزة طبية، بنحو 4 مليارات يورو (4.25 مليارات دولار).

وقال عضو بارز في الشعبة العامة لتجار الآلات والأجهزة والمستلزمات الطبية في الغرفة التجارية بالقاهرة، إن تدخل المؤسسات العسكرية في العديد من القطاعات الإنتاجية والخدمية يضر بشدة بالاقتصاد المصري ولن يؤدي إلى حل الأزمات كما يرى البعض.

وأضاف "المستثمرون المحليون يتخوفون من المنافسة غير العادلة من الجيش الذي بات يتدخل في الكثير من النواحي الاقتصادية، فلن تجد أحداً يريد أن يوسع من حجم نشاطه سواء صناعياً أو تجارياً في ظل الوضع الراهن، كما أن المستثمر الأجنبي لن يأتي إلى بلد يسيطر فيه الجيش على صنع القرار، وكذلك على مجريات الحياة الاقتصادية، فهذا مناخ طارد للاستثمار، ويمكن الاستعاضة عن تدخل الجيش بتشجيع الدولة للقطاع الخاص وتفعيل الرقابة على الأسواق".

وتوسعت القوات المسلحة على مدى العامين الماضيين في السيطرة الاقتصادية والاستحواذ على مشروعات طرق وطاقة وبنية تحتية وتولي مهام للسلع التموينية وبيع مواد غذائية.

واستحوذ جهاز الخدمة الوطنية التابع للجيش في وقت سابق من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري على 40% من مجموعة شركات "صلب مصر" الخاصة، وهي النسبة المملوكة لرجل الأعمال جمال الجارحي.

كما أعلنت الحكومة، مطلع الشهر الجاري، أن الجيش تولى إدارة منظومة البطاقات الذكية الخاصة بوزارة التموين، في علامة جديدة على تزايد مشاركة القوات المسلحة في الأنشطة الاقتصادية، بينما قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مؤتمر للشباب عقد في شرم الشيخ (شمال شرق) نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي إن "الأنشطة الاقتصادية للقوات المسلحة تعادل ما بين 1% إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وإن الجيش لا يتطلع لمنافسة القطاع الخاص".

وقال محمد عز، الخبير السياسي، لـ"العربي الجديد"، إن دخول المؤسسة العسكرية في أي نشاط اقتصادي بات أمراً طبيعياً، فلا أحد يمكن أن يُفاجأ بمثل هذه اﻷمور، مضيفاً أن تغلغل الجيش في الشأن العام الاقتصادي يضر بالبلاد أكثر مما يفيد.

وحذر أستاذ اقتصاد في جامعة القاهرة، فضل عدم ذكر اسمه، من أن "الجيش سيتحول بعد فترة لممارسة الاحتكار بشكل غير رسمي"، مشيراً إلى أن الخطورة تتمثل في هروب الاستثمارات الوطنية إلى خارج مصر بدلاً من زيادتها، بما يخلف نسب بطالة كبيرة بشكل أسوأ من الحالية.



المساهمون