الوظائف على "كف عفريت"

28 سبتمبر 2015
الحرب تفاقم البطالة في سورية (أرشيف/Getty)
+ الخط -

يبدو أن العالم مقبل على أيام صعبة في ما يتعلّق بفرص العمل المتاحة سواء للخريجين الجدد أو الملتحقين بالفعل بسوق العمل، فالوظائف الجديدة والقائمة باتت على كف عفريت، ولا وظيفة مضمونة هذه الأيام، حتى العمل في المؤسسات الكبرى والشركات العابرة للحدود بات مهدداً، وأحدث مثال على ذلك ما حدث في شركة فولكس فاغن الألمانية التي قررت الاستغناء عن جزء من موظفيها عقب الفضيحة التي لحقت بها مؤخراً.

واللافت للنظر أن الاستغناء عن آلاف الموظفين بات سمة الاقتصادات النامية والمتقدمة على حد سواء، وإن اختلفت الأسباب، وأن الوظائف الآمنة باتت أمراً نادراً حتى في الدول التي ترفع شعار الاشتراكية وتتبنى نظرية الاقتصاد الموجه.

مثلا إذا تطرقنا للأسباب، نجد أن تهاوي أسعار النفط عالمياً وفقدانه نحو 60% من قيمته منذ شهر يونيو/ حزيران من العام الماضي قد يدفع بعض دول الخليج للاستغناء عن آلاف الموظفين، وربما عدم استقبال عمالة جديدة، أو استبدال العمالة الحالية المكلفة بعمالة أقل كلفة سواء من دول جنوب شرق أسيا أو دول عربية فقيرة.

ورغم أن الدول المتقدمة تكافح لإيجاد فرص عمل جديدة لمواطنيها عبر زيادة معدل النمو الاقتصادي وتأسيس مشروعات جديدة وفتح أسواق أمام صادراتها الخارجية وجذب استثمارات أجنبية، فإن المؤسسات الكبرى في هذه الدول باتت تستغني عن آلاف الموظفين، إما لمواجهة مشكلة قائمة تتمثل في تراجع إيراداتها أو تعرضها لخسائر كما هو الحال مع شركات النفط الصخري والتصدير، أو بهدف خفض التكاليف وتحقيق أرباح بعد 8 سنوات عجاف من الخسائر، كما هو الحال في القطاع المالي الغربي الذي وجه إيرادات السنوات الماضية لتغطية مخصصات الديون المتعثرة.

خذ مثلاً 4 من أكبر بنوك أوروبا، وهي دويتشه بنك الألماني وكريدي سويس السويسري وباركليز وستاندرد تشارترد البريطانيان، التي تواصل وبقوة مسلسل تقليص الوظائف الذي بدأته منذ بداية الأزمة المالية العالمية في أغسطس/ آب 2008 بهدف خفض التكاليف وتحسين الربحية.

فمصرف دويتشه على سبيل المثال سيستغني عن 23 ألف موظف، أي نحو ربع العاملين فيه، مرة واحدة خلال الفترة القليلة المقبلة، وستسرّح البنوك الأخرى عدة آلاف من موظفيها.

دعنا من البنوك، فقد سرّحت شركات إنتاج النفط الصخري بالولايات المتحدة موظفيها بعد أن أغلقت أبوابها بسبب تهاوي أسعار النفط، بل إن شركة هاليبرتون، عملاق الخدمات النفطية في أميركا، توقعت تسريح 8% من موظفيها حول العالم، كما اعلنت شركة شلمبرجر كبرى الشركات النفطية في مجال الخدمات في العالم، انها ستقلل من عدد موظفيها.

ويتكرر المشهد في ألمانيا واليونان واليابان وبريطانيا وغيرها من دول الاقتصادات المتقدمة التي كان الجميع يراهن على تعافيها اقتصادياً بعد سنوات من الركود.

وظائف العالم باتت على فوهة بركان، وفقدان الموظف لعمله في الدول الغربية بات أمراً محتملاً وغير مستغرب، إذ إن هذه الدول ومؤسساتها تعمل طبقاً لاعتبارات مادية بحتة ولا تراعي كثيرا الأبعاد الاجتماعية، وعندما تفصل مؤسسة موظفاً فيها فإن هذا يتم طبقا لأسس علمية وتقييم موضوعي محايد، فالفصل لا يكون عشوائياً، بل يجب أن يراعي مهارات الموظف وخبراته ومدى إخلاصه للعمل، ومدى حاجة العمل له.

 لكن يبقى السؤال: هل الدول العربية مضطرة لخفض عدد موظفيها كما تفعل الدول الغربية؟ وهل دول عربية غنية مثل دول الخليج مجبرة على اتخاذ هذه الخطوة؟

في تقديري فإن هذه الدول ليست في حاجة ملحة لاتخاذ هذه الخطوة وهي الاستغناء عن الاف الموظفين، وبغض النظر عن الأبعاد الاجتماعية السائدة في المنطقة والظروف السياسية بالغة السوء التي تمر بها المنطقة، فإن هناك بنوداً كثيرة في ميزانيات هذه الدول يمكن في حال ترشيدها توفير مليارات الدولارات، وبالتالي التعامل مع تداعيات أزمة تهاوي أسعار النفط، كما أن مشروعات التنمية والاستثمار بهذه الدول في حاجة شديدة للأيدي العاملة لا الاستغناء عنها.


اقرأ أيضاً: بنوك أوروبا تتجه للاستغناء عن آلاف الوظائف

المساهمون