نقص التمويل يعيق تطور السينما اللبنانية

03 يونيو 2015
السينما اللبنانية تفتقر إلى التمويل (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -

لم تتأثر صناعة السينما في لبنان سلباً بالاضطرابات التي طاولت البلدان العربية، خلال السنوات الأربع الماضية، إلا أن الثقة المفقودة بين صناع السينما والمستثمر اللبناني تبقى عنواناً دائماً لمعركة البحث عن التمويل المحلي للإنتاجات.
وتزدحم رزنامة مهرجانات الأفلام في لبنان، بين المهرجانات المحلية والدولية.
ولا يخلو يوم من مشاركة لبنانية في مهرجانات الأفلام العربية والعالمية، في انعكاس لاهتمام اللبنانيين بهذه الصناعة.
ولا توجد تقديرات رسمية حول حجم الاستثمارات في صناعة السينما، لكن المراقبين يقولون إن اضطرابات المنطقة، في السنوات الأربع الأخيرة، عززت هذا النوع من الصناعة في لبنان، باعتبارها بديلاً عربياً جيداً لكثير من الدول غير المستقرة.
وقد شهدت السينما اللبنانية مراحل عديدة، تشبه إلى حد كبير المراحل السياسية التي مرت بها لبنان من فترات الاستقرار في ستينيات القرن الماضي، ثم مرحلة الحرب الأهلية، وصولاً إلى
المراحل اللاحقة التي تميزت بالتوترات الأمنية.

ويعدد المخرج جورج هاشم، في حديث لـ"العربي الجديد" عناصر صناعة السينما بشكل عام، ومكامن الخلل والنقص في الصناعة اللبنانية للسينما، والتي تتمثل في الإنتاج والخبرات التقنية والفنية، والجمهور الذي يتم تسويق المنتج السينمائي من خلاله.
وأضاف، أن صناعة السينما استفادت من سوق الإعلانات اللبناني الذي ساهم في توفير استثمارات تشجع على الخوض في الصناعة.
لكن ثمة مشكلات تعرقل نمو صناعة السنيما المحلية في لبنان بحسب المخرج هاشم، على رأسها مشكلة سيكولوجية لدى الجمهور اللبناني الذي كان حتى فترة قريبة يرفض صورته التي تقدمها الأعمال السينمائية اللبنانية التي ركزت على مرحلة الحرب الأهلية الغنية بالقصص. وبرز التمرد في شباك التذاكر مع ميل الجمهور المحلي إلى الأفلام الغربية، ولا سيما الأميركية، بدل متابعة الأفلام المحلية.
غير أن هذا الواقع قد تغير بشكل تدريجي بعد نجاح عدد من الشركات في إنتاج مواد وأفلام تتجاوز مرحلة الحرب الأهلية.
وعلى صعيد الإنتاج المحلي، يُجمع عدد من صناع السينما في لبنان على مقاطعة المستثمر المحلي لتمويل الأفلام الروائية المحلية، بسبب الخوف من خسارة الاستثمار. إذ تتوجه رؤوس الأموال نحو الأعمال التي تحقق ربحاً سريعاً ومضموناً كالأفلام الترفيهية التي تستهدف الجمهور المحلي.
ويقول المخرج والمنتج الشاب حسين غريب، إن هناك صعوبات عديدة يواجهها المخرجون المستقلون خلال البحث عن تمويل محلي.
وقال لـ"العربي الجديد": "رفضت المصارف المحلية منحنا قروضاً، أما تمويل رجال الأعمال فغالباً ما يكون مرتبطاً بحسابات خاصة. هذا حقهم (يقصد المصارف والمستثمرين)، لكنهم لا يعلمون أن استثمار بضعة ملايين من الدولارات في صناعة السينما المحلية يمكّن من إحداث نقلة وموجة جديدة في عالم السينما اللبنانية".
ويُرجع المخرج الشاب، غريب، سبب امتناع رؤوس الأموال المحلية عن تمويل الأفلام اللبنانية إلى "ضعف الرؤية الاستثمارية".

ويشكل فيلم النبي الذي شاركت الممثلة سلمى حايك في إنتاجه بمبلغ قارب 6 ملايين دولار أميركي، نموذجاً لتوجه الاستثمارات المحلية في السينما نحو الإنتاجات غير المحلية.

ويشير الهاشم، في هذا الإطار، إلى "تجربة شجاعة ورائدة قدمها المنتج اللبناني جورج شقير، الذي تبنى إنتاج عدد من الأفلام اللبنانية بشكل جزئي أو كلي، في ظل غياب دور وزارة الثقافة والقطاع الاستثماري الخاص"، ويتواجد شقير اليوم، إلى جانب عدد من السينمائيين اللبنانيين في مدينة كان الفرنسية، للمشاركة في فعاليات مهرجان كان للأفلام.

ويشارك مخرجون لبنانيون في لجان تحكيم فرعية في المسابقة، كجوانا حجي توما عضو لجنة الأفلام القصيرة، ونادين لبكي عضو لجنة "نظرة ما".

وفاز فيلم "موجة 98" للمخرج إيلي داغر بجائزة السعفة الذهبية عن فئة الأفلام القصيرة،

وهو أول فيلم عربي يفوز بهذه الجائزة.

وأمام هذا الواقع، يحاول عدد من المخرجين المستقلين إنتاج أفلام روائية طويلة بتمويل ذاتي، بينما تتجه صناعة السينما في لبنان نحو الأفلام الوثائقية، نتيجة عوامل مرتبطة بالتكلفة المتواضعة لهذه الأعمال وسهولة ترويجها عبر محطات تلفزيونية وثائقية كـ"الجزيرة الوثائقية"، كما ساهمت قدرة صناديق التمويل كـ"آفاق" و"المورد الثقافي" على تغطية الأكلاف المتواضعة للإنتاج.

وتأثر المخرجون اللبنانيون الشباب بأجواء ثورات ربيع العربي، فأخرجوا أفلاما قصيرة مرتبطة به، كفيلم "ريفو تانغو" للمخرج إيلي كمال.

يشير كمال لـ"العربي الجديد" إلى إختيار تمويل الفيلم ذاتياً والإاتعاد عن التكاليف المرتفعة "لأن صناعة السينما في لبنان لا تشجع على ذلك"، كما اختار كمال مقاربة موضوع الثورات "من جانب إنساني، للمواطن الذي يعيش حالة من الترقب والخوف، والابتعاد عن التحليل السياسي للأحداث".

وحوّل الربيع العربي لبنان إلى ممر رئيسي للأفلام السورية، القصيرة والوثائقية التي وجدت طريقها إلى المهرجانات الدولية من خلال تهريبها إلى لبنان، وإجراء التعديلات الفنية عليها من قبل فنيين لبنانيين، والأمثلة على تلك الأفلام عديدة كـ"الرقيب الخالد" لزياد كلثوم، و"العودة إلى حمص" لطلال الديركي.

وتأثرت السينما اللبنانية دوماً بالظروف السياسية والاجتماعية للدول المجاورة، وللدول الأروربية التي خرجت أو تبنت عدداً من المخرجين اللبنانيين. وما لم يتوفر الإنتاج والتمويل المحليين، ستبقى السينما اللبنانية رهينة فترات السبات الثقافي التي مرت بها خلال الأعوام الماضية، والتي تمكنت أعمال قليلة فقط من خرقها.

اقرأ أيضا: البنتاغون يخصّص 64 مليار دولار لعملياته بالمنطقة

المساهمون