ماسح الأحذية..مهنة قديمة تغزو شوارع العراق

19 يونيو 2015
الفقر يدفع العراقيين إلى امتهان حرف قديمة (فرانس برس)
+ الخط -
دفعت الظروف المعيشية المتردية التي يعيشها العراق، الآلاف من الشباب العاطلين عن العمل إلى امتهان حرف تقليدية كادت أن تندثر، لتطل من جديد مهنة "مسح الأحذية" وتغزو شوارع العاصمة العراقية بغداد.
ولا تكاد تدخل أحد الأسواق الرئيسية في بغداد حتى تجد العشرات يفترشون مداخل الشوارع بحثاً عن الزبائن لتلميع أحذيتهم، مقابل مبلغ مالي يساهم في تدبير احتياجاتهم المعيشية.
الحاج جمال حسن، أحد العاملين في مهنة مسح الأحذية، والتي يطلق عليها العراقيون "صبغ الأحذية" يقول لـ"العربي الجديد"، إنه يعمل في هذه المهنة منذ نحو عشرين عاماً، لكنها أصبحت رائجة في الفترة الأخيرة.
ويضيف حسن "أبدأ العمل في الساعة السادسة من الصباح، ويعمل معي ثلاثة من أولادي، ولي زبائني الذين يأتون يومياً لغرض صبغ وتلميع الحذاء، حيث أن الكثير من الشباب والرجال يهتمون بأن يكون حذاؤهم، نظيفاً وله بريق اللمعان".
ويشير إلى أن كل رأسمالهم في هذه المهنة هو صندوق خشبي صغير وعبوات من الأصباغ وفرشاة، ليعد اللون الأسود "سيد الأصباغ"، الذي يدر عليهم عائداً لا بأس به يقلص من "عتمة العيش" في ظل بطالة مرتفعة في البلاد التي تعد من أكبر منتجي النفط في العالم.
ويقول الحاج حسن "أستقر في شارع السعدون وسط بغداد في الساعات الأولى من الصباح، لأن لي زبائن موظفين في الدوائر الحكومية، وأعمل على صبغ أحذيتهم وبعدها يتوجهون إلى مقار أعمالهم". ويضيف أن سعر صبغ الحذاء يصل إلى 3 آلاف دينار عراقي (2.5 دولار)، بينما التلميع فقط يبلغ 1500 دينار، لافتاً إلى أن معدل الدخل اليومي له يصل إلى نحو 40 ألف دينار (33 دولاراً).
ويقول "حسب شطارة (مهارة) العامل في مهنة صبغ الأحذية يكون الدخل اليومي.. فصبغ الحذاء يحتاج إلى دقة في وضع اللون مع لون آخر للخروج بمزيج يطابق اللون الأصلي لجلد الحذاء".
وفي سوق جميلة وسط بغداد، يجلس الشاب عباس، وهو خريج جامعي، يقول لـ"العربي الجديد"، إن عشرات الخريجين يعملون في مهنة صبغ الأحذية بسبب عدم توفر فرص العمل في السوق. ويضيف "هذه المهنة تدر علينا المال، الذي نستطيع من خلاله البقاء أحياء في العراق"، لافتاً إلى أن أغلب الأحذية المباعة في العراق تدخل فيها مدخلات صناعية وليست جلوداً طبيعية، الأمر الذي يجعل من يعمل في مهنة صبغ الأحذية دقيقاً في اختيار نوع الأصباغ المستعملة حتى يرضى عنه الزبون.

ويوضح أن الجلد الطبيعي يكون غالي الثمن، إذ يصل سعر الحذاء الواحد منه إلى 200 دولار، لافتاً إلى أنه يجني ما يتراوح بين 25 و40 ألف دينار (20.7 و33.2 دولاراً) من مهنته يومياً.

اقرأ أيضا: المالكي..من بائع "سِبح" إلى أغنى رجل في العراق

ويعاني العراق المنتج للنفط، من أزمة مالية حادة، بسبب تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية وارتفاع كلفة الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، الذي يسيطر على مساحات واسعة من شمال وغرب العراق.
ووفق البيانات الرسمية، فإن الموازنة العراقية للعام الحالي 2015، تبلغ نحو 105 مليارات دولار، مسجلة عجزاً بنحو 21 مليار دولار، وسط توقعات ببلوغها 40 مليار دولار في ظل استمرار التردي الاقتصادي للبلاد.
ويقول عضو نقابة العمال العراقيين، عبد الله الجبوري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن" مهنة صبغ الأحذية من المهن التقليدية التي توفر فرص عمل للكثير من العاطلين عن العمل". ويضيف الجبوري أن "الإحصاءات تشير إلى أن هناك ما يقارب 10 آلاف شخص يعملون في هذه المهنة، ونحن كنقابة عمالية نسعى إلى توفير الحماية الكاملة لهم، من خلال انتمائهم إلى النقابة وتزويدهم بهويات نقابية تضمن حقوقهم في العمل أو حين يتقدمون لبرنامج الرعاية الاجتماعية، خاصة أن هذه المهن تساهم في توفير العمل والدخل المادي لهم ولعوائلهم".
وبحسب وزارة التخطيط العراقية، فإن نسبة الفقر في العراق ارتفعت إلى 30% بنهاية العام الماضي 2014، بعدما كانت 19% نهاية العام السابق عليه، مشيرة إلى أن نزوح نحو مليونين ونصف المليون شخص من محافظات شمالي وغربي البلاد منذ اندلاع الحرب بين القوات الحكومية وتنظيم داعش، أدى إلى ارتفاع نسبة الفقر.
لكن خبراء اقتصاد يرون أن كلفة الحرب ضد داعش لم تكن الوحيدة في تردي اقتصاد العراق وارتفاع معدلات الفقر، وإنما بسبب تراكم عمليات الفساد المالي على مدار السنوات الأخيرة، لاسيما في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي استمر قرابة 8 أعوام، حيث تشير تقارير للجنة المالية في مجلس النواب العراقي، إلى أن حجم الفساد المالي الذي تم فقط خلال فترة حكم المالكي نحو 109 مليارات دولار.

اقرأ أيضا: إشارات المرور مصدر عيش ربع مليون عراقي
المساهمون