استفتاءات الرأي تتلاعب بالسوق البريطاني

13 ابريل 2015
زعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون أثناء الحملة الانتخابية(أرشيف/Getty)
+ الخط -
فيما لا تشير نتائج استفتاءات الرأي في بريطانيا حتى الآن، إلى من سيفوز في الانتخابات البريطانية، التي ستُجرى في السابع من مايو/ أيار المقبل، يتزايد قلق المستثمرين من احتمالات ألا يتمكن أي من الحزبين من الحصول على نسبة أصوات كافية تؤهله لتشكيل حكومة بمفرده.

وتنعكس حالة عدم اليقين السياسية حول من سيحكم بريطانيا خلال الفترة المقبلة سلباً على
قطاع المال البريطاني، خاصة سوق السندات والصرف الأجنبي.

وحتى الآن، ترجم هذا القلق في انخفاض الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوياته منذ خمس سنوات، حيث فقد في الأسبوع الماضي حوالي 2% من قيمته مقابل الدولار، متراجعاً إلى 1.468 دولار. 

وهرع المستثمرون في "حي المال" البريطاني إلى شركات التحوّط، للتأمين ضد اضطراب العملة البريطانية وتأثيراتها على صفقاتهم وتعاملاتهم المستقبلية. ومعروف أن سعر الصرف يؤثر بدرجة كبيرة على الحركة التجارية والاستثمارية. ويعد استقرار سعر صرف الجنيه الإسترليني أحد عوامل الجذب الرئيسية للمستثمرين في بريطانيا.

ولكن تأثير الانتخابات البريطانية على حركة الاستثمار والتجارة في بريطانيا، لا ينحصر فقط على الجنيه الإسترليني، وإنما يمتد بالتأكيد إلى سندات الخزانة والأسهم البريطانية.
ولاحظت وكالة "نايت فرانك"، كبرى الوكالات العقارية في لندن، عزوف المستثمرين الأجانب عن تنفيذ صفقات عقارية كبرى في البلاد، تخوفاً من احتمالات فوز حزب العمال.

توقعات بتراجع الإسترليني

ويتوقع مصرف "ستاندرد بانك" البريطاني أن ينخفض الجنيه الإسترليني إلى 1.40 دولار، في حال عدم فوز أي من الحزبين بمقاعد تؤهّله للحكم منفرداَ. ولكن محللين في "حي المال" البريطاني يقللون من تأثير العوامل السياسية الداخلية في بريطانيا على سعر الصرف المستقبلي للإسترليني، ويقولون إن العوامل الخارجية ستكون أكثر تأثيراً على العملة البريطانية.

ويشيرون في هذا الصدد إلى عاملين سيحددان توجه الجنيه الإسترليني خلال الفترة المقبلة، وهما:

• أولاً: مستقبل بقاء اليونان في منطقة اليورو، إذ في حال خروجها، سيتزايد الاضطراب في منطقة اليورو، وهو ما سيمنح المزيد من الجاذبية بالنسبة لأثرياء أوروبا ويجعل من الإسترليني عملة "ملاذ آمن" مع الفرنك السويسري. وهو ما حدث إبان أزمة اليورو خلال عامي 2010 و2011.

• أما العامل الثاني الذي سيؤثر على سعر صرف الإسترليني، فهو احتمالات ارتفاع سعر الفائدة الأميركية. ففي حال رفع سعر الفائدة الأميركية خلال العام الجاري، فإن ذلك سينعكس سلباً على سعر الإسترليني والأدوات المالية البريطانية ذات سعر الفائدة الثابت، مثل سندات الخزانة، وذلك في حال فوز حزب العمال في الانتخابات، لأن خبراء المال يعتقدون أن السياسة النقدية في عهد حزب العمال لن تكون متوافقة مع نظيرتها الأميركية.

اقرأ أيضاً:
حزب العمال البريطاني يتعهد بإلغاء امتيازات ضريبية للأغنياء

وفي هذا الصدد، يقول خبراء نقد بالعاصمة لندن، إنه في حال فوز المحافظين لفترة ثالثة بالحكم، فإن أسواق المال البريطانية تتوقع أن يتزامن أي رفع للفائدة في أميركا مع رفع لسعر الفائدة البريطانية. وبالتالي، ومن هذا المنطلق، فلا يتوقع خبراء المال أن يتأثر الإسترليني كثيراً في حال فوز حزب المحافظين.

تراجع جاذبية السندات

أما في حال فوز حزب العمال، فهنالك مخاوف من قيام الحزب بزيادة الإنفاق الحكومي على السكن والصحة، وبالتالي فالأسواق تتخوّف من أن تقود هذه الخطوة إلى زيادة العجز في الميزانية إلى نسبة أعلى من معدلها الحالي، كما سيقود فوز العمال كذلك إلى زيادة العجز في الحساب الجاري، وبالتالي، فإن سندات الخزانة البريطانية ستفقد بعض جاذبيتها.

أما على صعيد الحركة التجارية والاستثمارية، فتنحصر مخاوف "حي المال" البريطاني من تنفيذ حزب العمال لوعده الخاص بإلغاء "المزايا الضريبية الممنوحة للمستثمرين الأجانب"، وهي مزايا خاصة بكبار الأثرياء الذين يقيمون في بريطانيا ويستثمرون فيها ولكن لا يدفعون ضرائب.

وقد وعد حزب العمال بإلغاء هذه المزايا. وفي حال فوزه بالانتخابات، فإن ذلك سينعكس مباشرة على سوق العقارات البريطانية ومتاجر السلع الفاخرة وتدريجياً على سوق السندات والأسهم البريطانية.

وحسب وكالة "فرانك نايت"، المتخصصة في العقارات الفاخرة بلندن، فإن 30% من
صفقات العقارات الفاخرة في بريطانيا ينفذها أجانب.

أما على صعيد المصارف الكبرى وشركات توظيف الأموال، فإن مخاوف المستثمرين من فوز المحافظين في الانتخابات المقبلة، فتنحصر حول الوعد الذي قطعه زعيم المحافظين ورئيس الوزراء الحالي، ديفيد كاميرون، بإجراء استفتاء في العام 2017، بشأن بقاء بريطانيا في عضوية الاتحاد الأوروبي.

رعب بين المستثمرين

وهذا الاستفتاء المتوقع إجراؤه في العام بعد المقبل، ورغم أنه لن يخرج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي، لكنه يزرع الخوف في أوصال كبار المستثمرين في "حي المال" البريطاني من شركات ومصارف أميركية وآسيوية، لأنه يأتي في وقت ترتفع فيه شعبية رئيس "حزب الاستقلال"، نايجل فاراج، الذي يطالب بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وتتخوف المصارف العالمية التي تستخدم لندن كمنصة لتنفيذ عملياتها والاستثمار في أوروبا من التصويت، رغم أن التوقعات تشير وبنسبة كبيرة إلى أن البريطانيين سيختارون البقاء في أوروبا، لأنه سيجعل دول الاتحاد الأوروبي أكثر تشدداً معها في التعاملات المالية، وبالتالي ربما تفرض أوروبا قيوداً وضرائب جديدة على تعاملات المؤسسات المالية التي تتخذ من لندن مقراً لها.

أما العوامل الإيجابية بالنسبة للأسهم والسندات البريطانية في حال فوز حزب المحافظين، فهي أن الحكومة البريطانية المقبلة ستعمل على خفض الاقتراض لتغطية الإنفاق. وهذا العامل سيقود تلقائياً إلى زيادة جاذبية السندات البريطانية وسيعزز التصنيف السيادي البريطاني.

وكان وزير المالية البريطاني، جورج أوزبورن، قد ذكر الأسبوع الماضي، أن الحكومة البريطانية ستحتاج إلى المزيد من الخفض في الميزانية بمقدار 25 مليار جنيه استرليني (حوالي 41 مليار دولار)، عقب انتخابات 2015، لتقليل اقتراضها ودعم التعافي الاقتصادي المستدام.

وهنالك إحساس قوي بين المستثمرين في حي المال أن فوز حزب المحافظين سيعزز من الثقة الاستثمارية في بريطانيا وسيزيد من جاذبية لندن كعاصمة عالمية للمال والاستثمار.



اقرأ أيضاً:

بريطانيا: الأثرياء يزدادون غنى وسط تفشي الفقر
المساهمون