مخزون أميركي ضخم يهدّد بهبوط النفط إلى 20 دولاراً

16 ديسمبر 2015
مصفاة نفط في كاليفورنيا بالولايات المتحدة (Getty)
+ الخط -

 

عند خليج المكسيك، توجد ثروة نفطية ضخمة، مئات الملايين من براميل النفط الخام محفوظة في أربعة أماكن، تحيطها الولايات المتحدة الأميركية بالحفظ والصون.

ورغم أن قيمة هذه المخزونات حالياً بالكاد تبلغ 25 مليار دولار، إلا أن أهميتها تتمثل في وجودها وليس قيمتها السوقية، فهذا المخزون الاستراتيجي الأميركي، الذي يسجل حالياً 96% من مستوى التخزين الأقصى المتاح، هدفه احتواء الأزمات المحتملة في العرض، التي قد تنتج عن سوء الأحوال الجوية، والتحولات الجيوسياسية والعوامل الطارئة على الإنتاج والنقل والتوزيع.

الولايات المتّحدة، كباقي البلدان الأعضاء في منظمة الطاقة العالمية، عليها الحفاظ على مخزون يؤمّن حماية من انقطاع الواردات النفطية لفترة 90 يوماً، غير أن واشنطن تدير لعبتها الاستراتيجية بحرص شديد، حيث ترفع هذا الهامش إلى 150 يوماً.

لا شكّ أن لإدارة الرئيس باراك أوباما، سياستها الخاصة والمميزة عن باقي الإدارات السابقة في التعاطي مع ملفّ النفط واعتماد الاستراتيجية التي تحفظ مصالح أميركا في هذا المجال، لوهلة يظنّ المرء أن الرئيس الـ 44 للولايات المتّحدة عانى سياسياً وشخصياً من أزمات النفط التي وقعت فيها بلاده على مرّ العقود الماضية وأخذ عهداً على نفسه بعدم السماح بتكرارها.

هذا المخزون هو من دون أي منافسة الأهم في العالم، صحيح أنه وحده بالكاد يؤمّن الطلب الكوني على النفط لفترة أسبوع واحد لا أكثر، وحاجات أميركا لشهر واحد فقط، غير أنّ دوره في الأساس لا يتمثّل في تأمين النفط للاستهلاك، بل هو لضمان ألا يُصبح استهلاك النفط ترفاً باهظ الثمن على العمّ سام في المستقبل، وألا تتكرّر أزمة عام 1973، والضيق الذي رافق حرب الخليج الثانية وصولاً إلى الاختناق الذي عانت منه واشنطن عام 2008، مع تسجيل السعر مستواه القياسي.

لذا كان لافتاً أخيراً أن تقرّ أميركا قرارين، الأول في إطار إقرار موازنتها والثاني لتمويل برامج إصلاح الطرقات السريعة، يتيحان بيع ما يفوق 175 مليون برميل من هذا المخزون الاستراتيجي خلال العقد المقبل.

القرار لافت غير أنه ليس مستغرباً، فأميركا لم تعد متوجّسةً من النفط كما كانت عليه في السابق، فالسوق تشهد منذ عامين تحولات نوعية، قد تؤدّي في القريب العاجل إلى واقع جديد يعيد توزيع الأوراق إلى اللاعبين المنتجين بحسب أهميتهم.

لكن عبد الله البدري الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" قال إن أي قرار من الولايات المتحدة بتصدير النفط لن يكون له تأثير إضافي على الأسعار.

وأضاف البدري أثناء حديثه في نيودلهي أمس وفق وكالة رويترز، أن أسعار النفط المتدنية حاليا لن تستمر وستتغير في غضون أشهر قليلة أو خلال عام، مشيرا إلى أن المنظمة تبحث عن أسعار معقولة وعادلة للنفط.

اقرأ أيضاً: أزمة النفط تطاول الشركات العملاقة

وكانت "أوبك" توقعت يوم الخميس الماضي تراجع المعروض النفطي من الدول غير الأعضاء بها بدرجة أشد العام المقبل 2016، وذلك بواقع 380 ألف برميل يوميا في ظل انخفاض الإنتاج بمناطق مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، حيث تنتج روسيا وحدها ما يقرب من 11 مليون برميل يوميا.

غير أن وكالة الطاقة الدولية حذرت يوم الجمعة الماضي من أن أسواق النفط العالمية ستظل تعاني من تخمة المعروض حتى نهاية 2016 على الأقل، في ظل تباطؤ نمو الطلب وزيادة إنتاج "أوبك".

وتزامنت الأخبار النفطية الأميركية مع هبوط سعر البرميل إلى مستويات منخفضة جديدة. فقد هوى إلى أدنى مستوى خلال 7 أعوام، وبالكاد أنهى تداولات الأسبوع الماضي فوق 35 دولاراً للبرميل.

وجاء هذا الهبوط الجديد كردّ من الأسواق على السلوك، الذي ارتأت أن تتخذه "أوبك" في هذه المرحلة العصيبة التي تمرّ فيها.

فإزاء فائض الإنتاج الناجم عن التقدّم التكنولوجي الأميركي الهائل - تقنيات الحفر الأفقي والوصول إلى النفط الصخري - كانت المنظمة قد قرّرت المواجهة بالحفاظ على مستويات الإنتاج عالية، لضمان حصتها في السوق وطرد اللاعبين الجدد.

ولكن اليوم وفي ظل التنافس الحاد بين أعضائها على حصص الإنتاج وذلك بعد عودة إيران إلى اللعبة مع إلغاء العقوبات الدولية عليها، وتوقّع أن تضخ مليون برميل إضافي إلى السوق بحلول العام المقبل، زادت التحديات.

ولذا قرّرت المنظّمة أن تترك المجال مفتوحاً لأعضائها من دون أن تُحدّد سقفاً للإنتاج. هذا يعني أنها تواجه معطيات السوق الموضوعية وصراعاتها الداخلية بنوع من عدم الاكتراث بما يحدث في تلك السوق.

وفي الواقع، يبدو صعباً اعتماد سياسة أخرى، في ظلّ التضارب الحديث بين مصالح المنتجين الحاليين وحاجتهم إلى إقصاء من يُمكن إقصاؤه.

هكذا تكون المنظمة قد تحوّلت إلى مجموعة بلدان لم تعد تجمعها سوى فيينا بعدما كان الهدف من تأسيسها هو ضمان مصالحها الاستراتيجية في إدارة إنتاج وتسويق ذلك النفط بما هو خير لحكوماتها وشعوبها في المبدأ.

اقرأ أيضاً: منتجو النفط يتأهبون لسيناريو انهيار الأسعار

هذا هو تعريف المنظمة اليوم، البعض يتحدث عن أنها فقدت دورها في العالم. ولكن هذه المرحلة ليست سهلة حتّى على "أوبك"، المنظمة التي كانت بقوّتها النفطيّة قادرة أن تدفع السوق بالاتجاه الذي ترغبه.

وعلينا انتظار الكثير من التطورات خلال المرحلة المقبلة الحساسة التي سيتضح فيها مستقبل سورية ونفط "داعش" الذي يمر فيها، إضافة إلى كيفية تصرّف إيران بنفطها الجديد المتاح، وكذلك كيف سيتعاطى القطاع الخاص الأميركي مع عالم النفط الرخيص هذا الذي دفع العديد من شركاته إلى حافة الإفلاس، بعدما كانت تقود ثورة تعدينية حقيقية عبر ابتكار التقنيات الجديدة لاستخراج الوقود الأحفوري.

هناك أيضاً اللاعبون من خارج "أوبك" ومن خارج الفلك الأميركي، الحديث تحديداً هو عن روسيا، البلد الذي يعاني الأمرّين من تراجع سعر النفط الذي يعتمد عليه لمساندة الغاز الطبيعي لتأمين منصة الصمود الاقتصادي.

وقد عمدت إدارة الرئيس فلاديمير بوتين، المنخرطة في صراعات ومفاوضات مع كافة اللاعبين الآخرين، إلى إبرام اتفاقات مع الصين ومع حلفاء آخرين محتملين لاحتواء أزمة تراجع الأسعار.

"عندما يتخطّى المخزون مستوياته القصوى، وما يولده ذلك من احتمال أن تعمد السوق إلى الإنتاج عند مراحل التأزم، تزداد المخاطر في ما يخص التوقعات ويُمكن الحديث عن إنتاج تكلفة معادل لـ 20 دولاراً للبرميل"، بحسب مصارف أميركية.

وستعمد البلدان المنتجة للنفط، وعلى رأسها أعضاء "أوبك" إلى الإنتاج عند أدنى المستويات السعرية المتاحة فقط للبقاء في السوق.

هذا السلوك لا يعكس في هذه الأحوال غريزة للصمود ومواجهة الذئاب، بل هو من علامات التراجع والانكفاء. وللمفارقة، لقد حاولت "أوبك" جهدها أن تلعب دور الذئب في مواجهة النفط الأميركي الجديد عبر تكسير الأسعار، وهي صامدة حتى اليوم.

ولكن لا شكّ أنه عندما تصل "أوبك" إلى بيع نفطها بـ 20 دولاراً للبرميل ستتصاعد ضحكات كثيرة عند خليج المكسيك. البلدان التي يزيد اعتمادها على إيرادات النفط ستعاني داخلياً، وقد تتحوّل مجموعة الأزمات النفطية الوطنية إلى أزمات عالميّة، حين لن يضحك أحد.

 

اقرأ أيضاً:
النفط قرب أدنى مستوياته في 11 عاماً
الكبار يغرقون أسواق النفط بـ6 ملايين برميل إضافية

المساهمون