تزامن الجدل الواسع بين الحكومة اليمنية والحوثيين حول دخول سفن الوقود إلى البلاد مع إعادة فتح محطات البنزين الرسمية في صنعاء ومناطق شمال اليمن بعد إغلاقها منذ نهاية العام الماضي، حيث رفعت سعر صفيحة البنزين إلى 11 ألف ريال، بعدما كان سعرها لا يتخطى 6 آلاف ريال منذ نحو ثلاث سنوات. وتعد الجرعة السعرية الجديدة الثالثة منذ بداية الحرب في اليمن العام 2015 عقب رفع سعر صفيحة البنزين في صنعاء إلى 3 آلاف ريال، ومن ثم زادت إلى نحو 6 آلاف في العام 2019، ويوازي الدولار نحو 900 ريال في صنعاء، ونحو 600 ريال في عدن.
أما القفزة الراهنة فتعتبر الأكبر، إذ ارتفع سعر الصفيحة بمقدار الضعف، وهو ما شكل صدمة للمستهلكين اليمنيين، الذين كانوا يتوقعون أسعاراً مخفّضة في المحطات الرسمية، بعدما كانوا يخضعون طوال السنوات الماضية إلى السوق السوداء، حيث يصل سعر الصفيحة إلى 15 ألف ريال خلال الأزمات.
وقال المواطن طارق الحرازي، وهو مالك مركبة نقل، لـ"العربي الجديد"، إنه منذ فترة ينتظر انفراج أزمة الوقود وإعادة فتح محطات التعبئة التي تبيع بالسعر الرسمي للتخلص من السوق السوداء، "لكنني فوجئت بأن محطات الوقود الرسمية أصبحت عبارة عن سوق سوداء أخرى".
نقاط تفتيش خارجية
وتخضع خطوط الشحن التجارية، ومنها سفن الوقود المتجهة إلى اليمن، لنقاط تفتيش تابعة لثلاث دول، وهو ما يثير تحفظ شريحة واسعة من اليمنيين مع تأخر الشحنات وارتفاع أكلافها، ما ينعكس زيادة أسعار في السوق. إذ لا تشمل عملية التفتيش السفن المتجهة إلى ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين فحسب، بل أيضاً تلك التي يستقبلها ميناء عدن الخاضع لنفوذ الحكومة اليمنية، الذي تعتمد عليه خطوط الشحن التجاري في اليمن بنسبة تزيد عن 75 في المائة.
وكشفت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، عن مرور إجباري للبواخر المتجهة إلى اليمن على ثلاثة موانئ للتفتيش، إذ يتم توقيف السفن التجارية التي تتجه إلى ميناء عدن، جنوب اليمن، في ميناءي دبي في دولة الإمارات وجدة في المملكة العربية السعودية، بينما توجد في ميناء جيبوتي نقطة تفتيش للسفن المتجهة إلى ميناء الحديدة، غربي البلاد.
وشرح التاجر خالد عبد الكريم، عضو الاتحاد العام اليمني للغرف التجارية والصناعية، لـ"العربي الجديد"، تبعات وجود هذه النقاط على القطاع الخاص والمستهلك اليمني، بالقول إن الأزمة الاقتصادية والتجارية والمعيشية وارتفاع أسعار السلع لا يعود سببها إلى أزمة انهيار العملة فقط، وإنما لأمور أخرى، منها ارتفاع التأمين على البواخر وأيضاً ارتفاع أجور الشحن من الخارج إلى اليمن.
وشدد على أنه يتم التعامل مع اليمن في هذا الجانب كمنطقة حرب، ما يؤدي إلى تأخير البواخر، خاصة تلك المحملة بالوقود بسبب عبورها في موانئ عديدة للتفتيش، إضافة إلى مشكلة الإتاوات غير القانونية التي يتم دفعها في الموانئ اليمنية والنقاط المتعددة للتفتيش داخل البلاد.
بند أساسي للتفاوض
وتبرز أزمة استيراد الوقود كقضية رئيسية في المباحثات الدائرة لإيجاد حل للحرب في اليمن، حيث تم وضع هذا الملف في مقدمة بنود مسودات الاتفاقيات والمبادرات المعروضة على طرفي الحرب في البلاد والتي تقودها الأمم المتحدة وأميركا، وآخرها المبادرة المعروضة من قبل المملكة العربية السعودية.
ويصر الحوثيون قبل البدء بمباحثات حول الحلول المعروضة لإيقاف الحرب، على إيجاد حل جذري لمشكلة استيراد الوقود والسماح بدخول السفن المحملة بالمشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة من دون أي عراقيل أو تفتيش كما يحدث منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات.
وأعلنت الحكومة اليمنية، قبل أيام، السماح بدخول شحنات وقود جديدة إلى ميناء الحديدة، غربي اليمن، وأكدت أنها تدرس الالتزام الفني لباقي الشحنات، وتبدي استعدادها المستمر لتقديم أي مبادرات تدعم الجهود الدولية لتنفيذ اتفاق استوكهولم في ما يخص آلية صرف المرتبات.
ووفق مسؤول حكومي، فإن إجراءات الحكومة الخاصة بتنظيم وتجارة الوقود فنية بحتة وليست سياسية، وتطبق في جميع الموانئ للحد من التجارة غير القانونية للوقود، وتطبيق الضوابط الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتأكد من المواصفات الفنية، وتحصيل الإيرادات وتخصيصها لصرف رواتب المدنيين وتحسين الوضع الإنساني.
في هذا السياق، دعا عضو جمعية الصناعيين اليمنيين محمد نبيل إلى وضع حد لهذا الصراع الدائر في ما يخص مشكلة استيراد الوقود، والتي أصبحت أزمة متكررة تؤذي كثيراً قطاعات الأعمال في اليمن، خصوصاً القطاع الصناعي، الذي تعرض لأضرار وخسائر بالغة بسبب هذه الأزمة.
وأكد في سياق حديثه مع "العربي الجديد"، تسبب هذه الأزمة بتراجع القدرات التشغيلية والإنتاجية للمصانع اليمنية وتوقف بعضها عن العمل، مثل مصانع الإسمنت أخيراً، إضافة إلى بعض المصانع المنتجة للمواد الغذائية، الأمر الذي ينعكس على المستهلك بدرجة رئيسية في ظل أوضاع معيشية صعبة للغاية. وكان المجلس الاقتصادي التابع للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً قد اتهم الحوثيين بفرض زيادة على أسعار الوقود في المناطق الخاضعة لسيطرتهم عن طريق السوق السوداء.
وأكد مسؤول في المجلس، في حديث مع "العربي الجديد"، اتجاه الجماعة خلال الفترة الماضية إلى اعتماد ما تتداوله السوق السوداء في صنعاء ومناطق نفوذ الحوثيين كسعر رسمي، وهو الهدف الذي تسعى إليه من خلال افتعال أزمات الوقود لزيادة إيراداتها.
ونشر المجلس الاقتصادي الحكومي بعض المؤشرات التي تدعم اتهامات الحكومة اليمنية للحوثيين بافتعال أزمات الوقود. تصاعد الأزمات ورأى الباحث الاقتصادي منير القواس أن هذا الصراع وصل إلى مرحلة لم يعد أحد في اليمن قادرا على تحملها.
واعتبر القواس، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن هذه الأزمة المتكررة تسببت بما نسبته 60 في المائة من الانهيار المعيشي الذي يعاني منه ثلثا السكان في اليمن، ومن الأزمة الإنسانية في اليمن، التي تقول الأمم المتحدة إنها الأكبر على مستوى العالم.
وأبدى القواس استغرابه ما هو حاصل حالياً من تحركات دولية وتعامل أطراف الحرب في اليمن، حيث يتم اختصار المشكلة الحاصلة في اليمن بملف استيراد الوقود والذي يتصدر جدول أعمال هذه التحركات والمفاوضات، فيما يتم التغافل عن المشكلة الحقيقية التي أدت إلى هذه الأزمة وغيرها من الأزمات التي يكتوي بنارها اليمنيون والمتمثلة بالحرب والصراع الدائر في بلد يعاني معظم سكانه من الجوع والبطالة.