يُخرج وقف الدعم الدولي السودان من المنظومة العالمية، لا سيما مع إيقاف البنك الدولي صرف أي مبالغ لجميع العمليات في البلد المضطرب، وذلك بعدما كان السودان قد تمكن من استعادة التعامل الكامل مع البنك في مارس/ آذار للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود، وحصل منه على تمويل بقيمة ملياري دولار.
وتزداد الأمور تعقيداً مع إعلان صندوق النقد الدولي أنه يتابع الأحداث في السودان بعد "الانقلاب العسكري". وقالت متحدثة باسم الصندوق من السابق لوقته التعليق على تداعيات الأحداث الأخيرة في السودان، لكننا نراقب التطورات بعناية".
وكان السودان قد تخلص حديثا من العقوبات الأميركية المشددة المفروضة عليه منذ عقود بعد أن أزالته واشنطن في ديسمبر/ كانون الأول 2020 من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فمهد ذلك الطريق أمامه للحصول على مساعدات واستثمارات مالية البلاد بأمس الحاجة إليها.
وفي يونيو/ حزيران، منح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي السودان تخفيفا لأعباء الديون بموجب المبادرة المعززة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون (هيبيك)، فانخفضت ديون البلاد إلى النصف لتصبح نحو 28 مليار دولار.
وعلقت الولايات المتحدة الأميركية مساعدات بقيمة مئات الملايين من الدولارات لفائدة السودان. وقال المتحدث باسم الخارجية، نيد برايس، أن التعليق سيكون لجزء من حزمة مساعدات قيمتها 700 مليون دولار وليس كامل الحزمة.
وتسعى مجموعة البنك الدولي وشركاء التنمية إلى تقديم تحويلات نقدية شهرية للأسر الأكثر احتياجا وتحسين أنظمة شبكات الأمان من أجل تخفيف حدة الآثار السلبية للإصلاحات الاقتصادية والصدمات الأخرى على المدى القصير.
وحسب ما ذكر رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، فإن برنامج دعم الأسر في السودان سوف يجدد العقد الاجتماعي بين المواطنين والدولة، ويستعيد الثقة عن طريق وضع سياسات ومؤسسات فعالة للحماية الاجتماعية تلبي مطالب الشعب السوداني وتطلعاته إلى حياة كريمة.
وانطلقت المرحلة الأولى من البرنامج في 24 فبراير/ شباط 2021، وهي تشمل الخرطوم، وولايات البحر الأحمر وجنوب دارفور وكسلا.
وبحلول مارس/ آذار، تلقى نحو 80 ألف أسرة سودانية (ما يقرب من 400 ألف مستفيد) بالفعل مدفوعات الشهر الأول باستخدام بطاقات الصرف النقدي.
وقد دخل البرنامج مرحلته الثانية، على أمل أن يتوسع ليشمل ولايات النيل الأزرق والنيل الأبيض وسنار ووسط دارفور وشرق دارفور وشمال كردفان وجنوب كردفان وغرب كردفان.
وسيساعد البرنامج أيضا في إنشاء أنظمة حكومية، وبناء القدرات المؤسسية. وقد أمكن تنفيذ المرحلة الأولى من البرنامج بفضل منحة بلغت إجمالا 400 مليون دولار.
ويشمل ذلك المبلغ 200 مليون دولار في شكل منحة من البنك الدولي قبل تسوية المتأخرات، و200 مليون دولار من الصندوق الاتئماني لدعم الانتقال والإنعاش في السودان.
وبغية توسيع نطاق الأنشطة والوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص، تم استكمال الاستثمار الأولي بمبلغ 420 مليون دولار إضافي (210 ملايين دولار في شكل منحة من المؤسسة الدولية للتنمية قبل تسوية المتأخرات، و210 ملايين دولار من مساهمات المانحين)، وبذلك وصل إجمالي المبلغ المتاح للبرنامج إلى 820 مليون دولار.
ومن ثم، سيمكن ذلك الأمر الحكومة من تقديم خمسة دولارات لكل فرد يستوفي الشروط من أفراد الأسرة بصفة مبدئية لمدة ستة أشهر. وحسب توافر التمويل، سيتم التوسع في مدة التحويلات إلى 12 شهرا، بهدف الوصول في نهاية المطاف إلى 80% من السكان، أو نحو 32 مليون مواطن.
خبراء اقتصاد قالوا إنهم لا يتمنون أن يعود السودان إلى المربع الأول والعزلة الدولية، لكنهم انتقدوا تباطؤ المجتمع الدولي في تنفيذ وعوده نحو السودان، وقالوا إن الدولة السودانية نفذت أكثر من 90% من مطلوبات المجتمع الدولي بما فيها الرفع الكامل للدعم عن السلع الأساسية إلا أن ما تم تقديمه من قبل المجتمع الدولي للفئات المتأثرة، لا يعتبر كافيا وهو مبلغ ضئيل فيما يرى آخرون أن الموقف الحالي ضبابي وكل السيناريوهات واردة.
كما يؤكد آخرون أن هنالك اتجاها للاستعاضة ببعض الدول العربية إلا أن تمويلها لن يكون بعيد المدى، ولن يستعاض به عن المشاريع المقدمة من البنك الدولي.
الخبير الاقتصادي محمد الناير يقول: "لا أتمنى أن يعود السودان للعزلة الدولية مرة أُخرى، لكن إيقاف المعونات والمنح أمر غير جيد، رغم أن التزامات المجتمع الدولي لم يكن لها أي أثر إيجابي".
ووصف الأثر بالسلبي بصورة كلية، وتساءل عما فعله المجتمع الدولي للحكومة الانتقالية رغم أنها نفذت أكثر من 97% من المطلوب، لكنه لم يفِ بما وعد به وكان بطيئا جدا إلى أن وصل السودان إلى هذه المرحلة. وقال إنه قياسا بأي دولة أخرى نجد أن استعانتها بالمؤسسات الدولية كانت ناجحة.
وأشار إلى برنامج ثمرات، وقال لا يعقل أن يقدم للفرد شهريا 5 دولارات، ورغم ذلك لم تصل إلى 10% من المواطنين، فالمجتمع الدولي مسؤول مباشرة عما حدث في السودان قياسا بالعقبات التي ما زالت تعترض التحويلات المصرفية ولم تتدفق بصورة طبيعية، رغم تنفيذ المطلوب قبل 10 أشهر من الآن، مضيفا أنه إذا أوفى المجتمع الدولي بوعوده سيتعافى الاقتصاد.
وأضاف: "لا ننكر وجود أثر، ولكنه قد يعود تدريجا إذا تم تشكيل حكومة مدنية وجرى الالتزام بالوثيقة".
أما الوزير الأسبق في وزارة المالية عز الدين إبراهيم، فيقول لـ"العربي الجديد" إن المعونات المقدمة تنقسم إلى شقين أحدهما تنموي والآخر معونات عاجلة، فالتنموية من البنك الدولي تقدم في شكل مشاريع مختلفة مثل تأهيل قطاع الكهرباء وهي تستمر على المدى الطويل، في حين أن المعونات والمنح فهي مثل القمح.
وقال: "هذه بكل أسف تم إيقافها وسيكون لها أثر كبير على الشعب إلى جانب معونات مادية يقدمها البنك الدولي مباشرة لبنك السودان المركزي ظل يستعين بها في قيام المزادات الدولارية، وهذا سوف يظهر أثره لاحقا، ولكن هنالك عوامل داخلية ربما تحد من تلك المسألة، وهي أن إيقاف طريق الشرق أوقف الاستيراد وربما يحدث استقرارا في الدولار نتيجة لعدم وجود طلب عليه".
ويقول إبراهيم إن الوقت أيضا سابق لأوانه في كثير من التقييم لتتضح الرؤية خاصة أن عددا من المواقف مرتبطة بالحراك السياسي، رغم أن هنالك معونات من بعض الدول العربية غير مرتبطة بالحراك السياسي.
واعتبر عز الدين أن اثر إيقاف المعونات من البنك الدولي لن تظهر مباشرة بالنسبة للمشاريع طويلة الأجل، لكن المعونات النقدية التي أُوقفت والبالغة 700 مليون دولار، هي أيضا لم تقدم جملة واحدة بل "بالقطاعي" وعموما الوضع الاقتصادي شبه مجمد والطلب على الاستيراد والتجارة متوقف.
التخوف سيد الموقف الآن بعدما اتفقت المؤسسات الدولية على وجود تقدم في السياسة الاقتصادية السودانية، حيث أُعفي جزء كبير من ديون السودان، ويعمل البنك الدولي على تأهيل قطاعات مختلفة من أجل وضع السودان في المسار الصحيح.
ويقول الاقتصادي الفاتح عثمان إن السودان يعتمد راهنا على الدعم في مسألة الديون وسد عجز الموازنة والحصول على السلع الأساسية من الولايات المتحدة.
وأضاف الفاتح أن الدعم الغذائي من أميركا يقدر بحوالي 350 ألف طن قمح بجانب دعم ثمرات من البنك الدولي، وهو ليس مباشراً للحكومة.
كما أن البنك الدولي يقدم دعماً تنموياً بهدف مساعدة الحكومة في مواردها لإعادة توازن الاقتصاد، وردم الهوة الكبيرة بين الصادرات والواردات عبر تمويل قطاعات إنتاجية، مثل النفط والزراعة المروية بجانب بناء المسالخ وإنشاء محطات كهرباء لتقليل العجز الكهربائي، إضافة إلى تمويل إعادة تشغيل حقول النفط المتوقفة.
الفاتح يقول إن فكرة البنك الدولي هي مساعدة الاقتصاد السوداني ليحقق فائضا، وكي تؤهل الحكومة لسداد ديونها لاحقا، ولذا فإن البنك الدولي يعتبر ركيزة أساسية لدمج السودان في الاقتصاد الدولي.
وأشار إلى وجود تكهنات باستبدال الدعم الدولي بدعم إقليمي فيما يختص بتمويل الحكومة، لكنه يقول إنه لن يقوم مقام الدعم الدولي الذي يسعى في نهاية المطاف إلى إعفاء ديون السودان لأنه دعم مستديم.
واعتبر أن السودان لأول مرة في تاريخه يحصل على دعم من البنك الدولي بقيمة مليارَي دولار، ولذا فإن الدعم الغربي يصعب الاستعاضة عنه بدعم إقليمي يبدو أن الحكومة الحالية تستفيد به من دول عربية.