وقت كان الناس شركاء في ثلاثة

26 أكتوبر 2023
محطة وقود غزاوية وقد ألحق العدوان الإسرائيلي بها أضراراً هائلة وأخرجها من الخدمة (Getty)
+ الخط -

ترفٌ إن لم نقل بلاهة، حينما نتكلم عن القيّم الإنسانية أو أخلاق الحرب، أو حتى تطبيق القوانين الدولية بأي قضية يكون الاحتلال الإسرائيلي طرفا فيها، فهو، بوقائع عشرين يوماً طحن قطاع غزة بمن فيه وما عليه، فوق القانون ودون أخلاق ولا تمت لأي قيمة إنسانية بصلة.

كل ما يجري بغزة موجع لدرجة الصراخ بوجه عالم متحيّز عاهر، فقتل الأطفال وعويل الأمهات يصم آذان كل من يرخي السمع، وقطع إكسير ما يبقي المشافي، من أدوية ووقود، على قيد التطبيب واحتواء الهاربين من الحمم العمياء، يدمي القلوب، وإيثار الاحتلال، بدعم دولي، على تهجير أو قتل زهاء مليوني إنسان، ذنبهم أنهم يتطلعون لجلاء آخر احتلال مباشر على وجه الأرض والعيش الآدمي الكريم، يلغي أي إنسانية وديمقراطية تشّدق بها عالم الشمال الديمقراطي، بل وأخذ منهما ذرائع للسيطرة والاحتلال وسرقة الثروات.

بيد أن تصل فقاعة الإجرام، رغم أنه ليس بعد القتل من إجرام، إلى حد منع وصول الوقود "النار" والكلأ "الطعام" والماء، وتتحول قضية شعب محتلة أرضه ويباد إلى مساومات على إدخال قطرات ماء أو جرعات أدوية وكسرات خبز، فهذا ما لم تشهده الحروب ولم تشر إليه صفحات التاريخ.

قصارى القول: بمقارنة بسيطة يمكن تعرية ذهنية المحتل الاسرائيلي وسلوكياته الإبادية بحق شعب أعزل، مع شعب حرّ تربى على قيم إنسانية وإسلامية، ويمكن بتصريحات الرهينة المحررة يوخباد ليفشيتس، أمس، توجيه صفعة للمنظمات الإنسانية الدولية وحتى الدول العربية، التي عجزت، حتى اليوم، عن إدخال صهاريج مياه صالحة للشرب إلى قطاع غزة، واستمرار استهلاك الهائمين قي القطاع مياها ملوّثة وشربها.

فما قالته ليفشيتس عن حسن معاملة حماس، بل وإيثار من سلمها للمنظمات الدولية إعطائها كأس ماء حتى قبل ركوبها حافلة الأمم المتحدة عائدة لأهلها. يحيلنا للتفكّر بسلوكيات الآخر، وحول الماء تحديداً، بعد أن اعتمدتها دولة الاحتلال أداة وطريقة عقاب جماعي لقتل الفلسطينيين، رغم تحذيرات وكالة غوث اللاجئين "أونروا"، منذ أسبوع، من نفاد مياه الشرب.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ثمة مصادر محدودة للمياه في قطاع غزة، أولها المياه السطحية عديمة الفائدة، خاصة بعد بناء إسرائيل السدود وتحويل القنوات المغذية شمال وادي غزة إلى مناطق سيطرتها، والمياه الجوفية، التي بعيداً عن سلامتها وصلاحيتها للشرب، شبه متوقفة بسبب نفاد الوقود واستحالة استخراجها، كما شحّ المصدر الثالث لمياه غزة المتأتي عبر تحلية مياه البحر، من خلال 150 محطة صغيرة، بسبب القصف ونفاد الوقود، ليكون المصدر الأخير هو ما يأتي عبر شركة المياه الإسرائيلية "ميكروت" التي كانت تزوّد القطاع بنحو 8 ملايين متر مكعب سنوياً، يتم مزجها مع المياه الجوفية، ويتدبر سكان القطاع أمورهم.

لكن أوغلت دولة الاحتلال حتى باستخدام سلاح الماء للابتزاز والتمويت، فقطعت سبل الطرق الأربعة عبر قصف هنا وقطع هناك ومنع إدخال صهاريج المياه عبر معبر رفح، رغم أن المواطن الغزاوي، وقبل الحرب، كان يستهلك أقل من ربع الكمية اللازمة لتلبية الاحتياجات الصحية التي تحددها منظمة الصحة العالمية.

نهاية القول: كما بدأنا بأنه من الترف والبلاهة قياس إجرام إسرائيل وفق القوانين والأعراف، البلاهة ذاتها إن قيّمنا أداء الدول مدعية الحضارة وحقوق الإنسان، وفق معايير الحق أو التعاطي بمقاييس واحدة.

فتلك الدول التي رأت بقطع روسيا الاتحادية الغاز والطاقة واستهدفت بنى أوكرانيا التحتية جرائم حرب، وهرعت جميعها لمد كييف بالسلاح والمال، هي ذاتها التي ترى بسلوك إسرائيل قطع المياه اليوم حقا للدفاع عن النفس.

قد يكون ثمة خلاف أو وجهات نظر أو انحياز قابل للأخذ والعطاء حول دور حماس في الحرب على غزة أو حرص العالم على إسرائيل، وإن من قبيل تبرير ذنب يأكل أوروبا الغربية بعد مقتلتها وتهجيرها اليهود، منذ عام 1905 حتى نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945.

لكن كيف يمكن تبرير، أو الحديث أصلاً عن قطع الوقود عن المرافق بما فيها الصحية، والطعام عن شعب بمن فيه الرضّع، يعيش منذ خمسة عشر عاماً في أكبر سجن مفتوح بالعالم.

ومن ذا الذي، بعد مشاهدة تخاذل العالم الديمقراطي، حتى في مد أطفال غزة بالماء، يمكن أن تنطلي عليه أكاذيب حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية، بل ويمنع المتلقي من الضحك ملء شدقيه حين تروّج آلات الديقراطية في أوروبا والولايات المتحدة حرصها على حياة هرة علقت بأعلى الشجرة أو كلب سقط في بئر، وهو يرى رعايتهم هوامير الأرض ودعمهم كلاب البشرية.

المساهمون