أكد وزير الصحة العامة اللبناني، فراس الأبيض، في حديث خاص لـ"العربي الجديد" أن الوزارة تسعى إلى تأمين الأدوية للأسر المحتاجة والنازحين عبر مراكز الرعاية الأولية، أو من خلال برامج ميدانية في مراكز الإيواء، وأشار إلى أن أسعار الأدوية ما زالت ثابتة ولم يطرأ عليها أي تغيير، موضحاً أن المشكلة تكمن في انخفاض القدرة الشرائية لدى أصحاب الدخل المحدود، نتيجة فقدان وظائفهم أو النزوح القسري.
وأشار الأبيض في حديثه الخاص إلى أن مخزون الأدوية الحالي يكفي لمدة أربعة أشهر، بشرط عدم فرض أي حصار، وأكد أنه خلال مؤتمر باريس الأخير طالب بدعم القطاع الصحي، لافتاً إلى أن تأمين احتياجات القطاع الصحي يتطلب ما بين 18 إلى 20 مليون دولار شهرياً. وبحسب تصريحات الوزير فإن المساعدات الطارئة تسهم بشكل كبير في تجاوز هذه المرحلة الصعبة إذا حصل لبنان على الدعم المطلوب.
وأوضح الأبيض أن النازحين المقيمين في المنازل أو المستأجرين يمكنهم التوجه إلى مراكز الرعاية الأولية التابعة لوزارة الصحة للحصول على الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية. كما أوضح أن الوزارة تغطي تكاليف العلاج في المستشفيات، خاصةً لجرحى الحروب، حيث كانت التكاليف قبل العدوان تُغطى بنسبة 25% من قِبل المريض، مؤكداً أنه تم تأمين الاحتياجات اللازمة في هذا الإطار، وتعمل الوزارة على تخفيف الأعباء عن المرضى النازحين قدر الإمكان. وفي ما يتعلق بأدوية الأمراض السرطانية والأدوية المزمنة، ذكر الأبيض أنه تم نقل المرضى إلى المستشفيات الحكومية.
وأضاف أن مرضى السرطان كانوا يحصلون على أدويتهم في مناطقهم قبل الحرب، لكن اليوم يتم توزيع الأدوية في المناطق التي نزحوا إليها. ويعاني القطاع الصحي في لبنان من ضغوط غير مسبوقة، تفاقمت بشكل كبير نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تأثر قطاع الصحة بالقصف
وفي ظل أوضاع اقتصادية خانقة أصلاً تمر بها البلاد منذ العام 2019، تجد المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية نفسها أمام تحديات جسيمة تتمثل في نقص الإمدادات الطبية، انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، وارتفاع الاحتياجات الصحية للنازحين والمصابين. وإلى جانب المصاعب اللوجستية والاعتداءات المباشرة، يعاني الطاقم الطبي نفسه من ضغوط نفسية واجتماعية حادة بسبب النزوح القسري وتدمير المستشفيات التي كانوا يعملون بها.
من بين هؤلاء، يروي الدكتور حسن، وهو طبيب جراحة أعصاب سابق في أحد المستشفيات الخاصة في جنوب لبنان، معاناته المستمرة منذ بدء التصعيد في أكتوبر/تشرين الأول 2023. يروي حسن أن بعض الأطباء، بمن فيهم زملاؤه، اضطروا إلى مغادرة البلاد بحثًا عن فرص عمل في الخارج، إذ لم تعد المستشفيات المحلية قادرة على دفع رواتبهم أو تأمين الحد الأدنى من الحماية لهم. ويتابع: "الوضع النفسي لنا نحن الأطباء مرهق للغاية؛ فأنت تواجه الموت كل يوم دون أن تمتلك الأدوات الكافية لإنقاذ الأرواح، وبذات الوقت، أنت قلق على سلامة أسرتك ومستقبلك المهني".
وتتفاقم هذه الأزمة في ظل النقص الحاد في المستلزمات الطبية وغياب الوقود اللازم لتشغيل الأجهزة الحيوية. يوضح الدكتور حسن أن "بعض الأجهزة توقفت عن العمل بسبب انقطاع الكهرباء، بما في ذلك أجهزة غسيل الكلى، مما أجبرنا على تحويل المرضى إلى مناطق بعيدة مثل بيروت".
من جانبها، قالت مها، وهي ممرضة في مستشفى مرجعيون الحكومي، إنهم كانوا يعانون من صعوبات شأنهم شأن باقي اللبنانيين، وخاصة مع بدء العدوان على جنوب لبنان في أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتشرح أن المستشفى كان في كامل جهوزيته حيث كان يستقبل المرضى والجرحى، وكان الطاقم الطبي يلبّي جميع النداءات، واستمررنا بهذه الوتيرة إلى أن وقعت ضربة بالقرب من المستشفى، مما أسفر عن استشهاد مسعفين من الهيئة الصحية.
على إثر ذلك، تم اتخاذ قرار بإقفال المستشفى وإخراجه عن الخدمة، وهو قرار خلّف العديد من السلبيات؛ ففقدت المنطقة خدماتها الطبية، بالإضافة إلى ذلك، تضرر الطاقم الطبي نفسه بفقدان وظائفهم ومصدر دخلهم الأساسي الذي يعيلون به أسرهم.
من جانبه، صرّح مدير مستشفى النبطية الحكومي، حسن وزنة، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أن وضع الصحة الحالي صعب للغاية نتيجة القصف المستمر على النبطية والقرى المحيطة بها، حيث خلّف دمارا كبيراً وتسبّب بأضرار جزئية للمستشفى بسبب قرب القصف، وأوضح أن المستشفى نجح في تأمين الأدوية والمستلزمات الطبية قبل بدء التصعيد، مما وفّر مخزونًا يكفي لمدة شهرين، مؤكداً أنه يتم تأمين الاحتياجات الأخرى من خلال منظمات دولية مثل أطباء بلا حدود أو الصليب الأحمر الدولي، إضافة إلى جهود إسعاف المستشفى.
وأشار المدير إلى أن المستشفى فقد بعض أفراد الطاقم التمريضي، فيما أصيب آخرون أثناء وجودهم خارج المستشفى وخارج أوقات عملهم، وأكد أن إمكانات الدولة محدودة، فهي تعتمد على المساعدات التي تصل إليها من الدول المانحة، غير أن التحدي الأكبر الذي يواجهه المستشفى حاليًا يتمثّل في نقص الوقود؛ إذ تعمل المولدات باستمرار في ظل انقطاع الكهرباء، ما يكلّف المستشفى نحو 1000 دولار يوميًا.