- شهدت ألمانيا وفرنسا ارتفاعاً حاداً في حالات إفلاس الشركات، حيث تأثرت قطاعات السيارات والكيميائيات بشكل خاص، مع إغلاقات مصانع وتسريح موظفين، مما جعل فرنسا تتصدر قائمة دول مجموعة السبع في حالات الإفلاس.
- في المملكة المتحدة وإيطاليا وهولندا والسويد، استمرت حالات الإفلاس والإغلاق في الارتفاع، متأثرة بعوامل مثل تخفيض الإعفاءات الضريبية وتراكم الالتزامات المالية، مما يعكس التحديات الاقتصادية المستمرة.
في عام 2024، شهدت أكبر الاقتصادات الأوروبية إغلاقات واسعة النطاق للعديد من الشركات، في مختلف القطاعات، الأمر الذي عكس تحديات اقتصادية أوسع وضغوط خاصة بقطاعات بعينها.
وتبرز موجة إغلاقات الشركات في أوروبا الضغوط الاقتصادية التي تتعرض لها اقتصادات القارة العجوز، بالتزامن مع تغير تفضيلات المستهلكين وتزايد المنافسة العالمية. وتستدعي هذه التطورات الحاجة إلى تكيفات استراتيجية وتدخلات سياسية لدعم القطاعات المتضررة، لتخفيف الأثر على التوظيف والاستقرار الاقتصادي. وتشير التوقعات إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة، والتي تشكل العمود الفقري للاقتصادات الأوروبية، مرشحة لمواجهة المزيد من التحديات، ما يفرض اتخاذ إجراءات عاجلة لدعم الابتكار، وتوفير حوافز استثمارية، وتعزيز بيئة الأعمال للمساعدة في تحقيق استقرار السوق.
ألمانيا
في وقت تخيم فيه أزمة سياسية على الاقتصاد الأكبر في القارة الأوروبية، بالتزامن مع انهيار الائتلاف الحكومي، أفاد معهد اقتصادي ألماني بارتفاع عدد حالات إغلاقات وإفلاسات الشركات بحدة الشهر الماضي، مشيراً إلى توقعه استمرار الارتفاع في أعداد حالات الإفلاس خلال الأشهر المقبلة. وقالت جريدة "تلغراف" البريطانية الشهر الماضي إن ألمانيا شهدت 17,586 حالة إغلاق هذا العام.
والخميس الماضي، أفاد معهد "لايبنيتس للأبحاث الاقتصادية" في ألمانيا بارتفاع حاد في عدد حالات إفلاس الشركات في البلاد خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2024، إذ سجل 1530 حالة إفلاس، وهو أعلى مستوى يسجل في هذا الشهر منذ 20 عاماً. وأرجع شتيفن مولر، رئيس قسم أبحاث الإفلاس في المعهد، هذا الارتفاع إلى عدة عوامل، منها ضعف الأداء الاقتصادي المستمر وارتفاع تكاليف الأجور والطاقة، بالإضافة إلى التأثيرات المتراكمة من فترة الجائحة التي أوقفت مؤقتاً حالات الإفلاس بدعم من برامج المساعدات الحكومية.
وأظهرت البيانات أن حالات إغلاق الشركات هذا العام تزيد بنسبة 66% عن متوسط الحالات في أكتوبر ما قبل الجائحة بين عامي 2016 و2019، مع تضرر قطاعات مثل البناء والتجارة والخدمات المساندة للأعمال. ورغم هذا الارتفاع، فإن عدد الموظفين المتأثرين انخفض إلى نحو 11 ألفاً، إذ لم تسجل حالات إفلاس لشركات كبيرة خلال الشهر، ما أدى إلى تقليل العدد مقارنة بشهر سبتمبر السابق.
وبحسب بيانات مكتب الإحصاء الفيدرالي، فإنه لم يتم تسجيل زيادة في حالات الإفلاس بنسبة تقل عن 10% هذا العام إلا في يونيو/حزيران الماضي. ولا يزال من غير الواضح إذا ما كانت جميع حالات الإفلاس المسجلة ستؤدي فعلياً إلى إجراءات تُدرَجُ بعد ذلك في الإحصاءات الرسمية. ووفقاً لهذه النتائج النهائية، فقد قُدّمت طلبات بإشهار إفلاس عشرة آلاف و702 شركة في النصف الأول من هذا العام، ويمثل ذلك زيادة بنسبة 24.9% عما كان عليه في النصف الأول من العام الماضي.
وواجه قطاع السيارات الألماني انكماشات ملحوظة، إذ أعلنت شركة فولكسفاجن عن خطط لإغلاق ثلاثة مصانع وتقليل العمليات في مصانع أخرى، مما قد يؤدي إلى فقدان آلاف الوظائف. وجاء القرار بسبب الحاجة إلى خفض التكاليف وسط تحديات اقتصادية، وتزايد المنافسة من الشركات الصينية المتخصصة في تصنيع المركبات الكهربائية، وفقاً لما ذكرته "فرانس 24".
وبالمثل، أعلنت شركة "شيفلر"، المزود الرئيسي لقطع غيار السيارات، عن خطط لخفض قرابة 4700 وظيفة في أوروبا، بما في ذلك 2800 وظيفة في ألمانيا، مع إغلاق موقعين ضمن خطة لخفض التكاليف. كما واجهت صناعة الكيميائيات تحديات، وأعلنت "باسف" عن إغلاق العديد من مصانعها في مجمع لودفيغسهافن بنهاية عام 2024.
فرنسا
شهدت فرنسا في عام 2024 ارتفاعاً ملحوظاً في حالات إفلاس الشركات، إذ بلغ عددها 57 ألفاً و731 شركة، مما جعلها تتصدر قائمة دول مجموعة السبع في هذا المجال. وتُعزى هذه الزيادة إلى عدة عوامل، أبرزها شروط إعادة التمويل القاسية، وتراكم الديون غير المستدامة، وانخفاض الإيرادات الذي قلّص هوامش الربح، مما جعل العديد من الشركات غير قادرة على الاستمرار في ظل هذه الظروف الصعبة، وفقاً لما ذكرته جريدة "تلغراف" البريطانية.
وشهدت قطاعات السيارات والتجزئة إغلاقات كبيرة. فأعلنت شركة ميشلان عن إغلاق مصنعين في شولت وفانيس بحلول عام 2026، مما سيؤثر على نحو 1250 وظيفة. وفي قطاع التجزئة، دخلت شركة "ذا بودي شوب" في إجراءات الإدارة، مما أدى إلى إغلاق 67 متجراً وتسريح 500 موظف.
وقال خبراء إن ارتفاع إغلاقات الشركات في الاقتصاد الفرنسي يعكس التحديات الاقتصادية الفريدة التي تواجهها البلاد، ويؤكد الحاجة إلى تدخلات استراتيجية لتحقيق الاستقرار في بيئة الأعمال وحماية المستقبل الاقتصادي للبلاد.
المملكة المتحدة
في بريطانيا، شهدت المملكة المتحدة ارتفاعاً ملحوظاً بحالات إفلاس وإغلاق الشركات خلال عام 2024. ففي شهر سبتمبر، بلغ عدد حالات إفلاس الشركات 1,973، بزيادة قدرها 2% عن شهر أغسطس، وبتراجع بنسبة 7% مقارنة بشهر سبتمبر 2023. وتجدر الإشارة إلى أن عام 2023 شهد أعلى عدد سنوي من حالات الإفلاس منذ عام 1993، واستمر هذا الاتجاه في عام 2024، وفقاً لبيانات الحكومة البريطانية.
وسجلت حالات الإغلاق ارتفاعاً حاداً في المملكة المتحدة، بعدما خفضت حكومة حزب العمال الإعفاءات الضريبية وزادت الرسوم المفروضة على أصحاب الشركات. وفي تفاصيل الإغلاقات التي أوردتها شبكة بلومبيرغ الأميركية، تقدمت 1022 شركة على الأقل بطلبات للإغلاق في الأسبوع المنتهي في 8 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بزيادة 64% عن نفس الفترة من العام السابق، وفقاً للإخطارات المقدمة إلى الجريدة الرسمية.
وواصل قطاع التجزئة في المملكة المتحدة الانكماش، حيث أعلنت شركة "إيفانز سايكلز" عن إغلاق متجرها الرئيسي في مركز "ذا غيتواي" للتسوق في ترويبريدج. كما أعلنت شركة "ديكاتلون"، المتخصصة في بيع مستلزمات الهواء الطلق، عن إغلاق متجرها في "فورج ريتيل بارك". ومن المتوقع على نطاق واسع أن تظهر بيانات النمو هذا الأسبوع أن اقتصاد بريطانيا يفقد زخمه بعد تباطؤ في الربع الثالث، وفقاً لخدمة "بلومبيرغ إيكونوميكس" التي أوضحت أيضاً أن المستهلكين بدوا مترددين في الإنفاق رغم مكاسب الأجور الحقيقية.
إيطاليا
في عام 2024، شهدت إيطاليا استقراراً نسبياً في معدلات إفلاس وإغلاق الشركات مقارنةً بدول أوروبية أخرى. ووفقاً لتقرير نُشر في أغسطس 2024، استفاد السوق العقاري الإيطالي من استقرار نسبي في السنوات التي تلت أزمة منطقة اليورو، مما جعل تأثير ارتفاع أسعار الفائدة أقل حدة مقارنة بدول أخرى.
وعلى الرغم من هذا الاستقرار، واجهت الشركات الناشئة تحديات ملحوظة، فانخفضت الاستثمارات في هذه الشركات على نحو كبير في 2024، وكانت قد بلغت قرابة 1.1 مليار يورو في عام 2023، بانخفاض قدره 51.5% مقارنةً بعام 2022. واستمر هذا التراجع في النصف الأول من عام 2024، إذ بلغت الاستثمارات 250 مليون يورو، مسجلةً انخفاضاً بنسبة 48% مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق، وفقاً لما ذكرته مجلة مجلة StartupItalia.
كذلك واجه القطاع الصناعي في إيطاليا تحديات كبيرة، حيث أعلنت شركة "فالوريك"، المتخصصة بتصنيع الأنابيب، عن إغلاق مواقع في ألمانيا وفرنسا وإسكتلندا، ضمن خطة لإعادة الهيكلة.
هولندا
شهدت هولندا خلال عام 2024 ارتفاعاً ملحوظاً في حالات إفلاس الشركات. وفي الأشهر الأربعة الأولى من العام، أُعلنَ إفلاس نحو 1,392 شركة ومؤسسة، بزيادة قدرها نحو 47% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023، وهو أعلى إجمالي يُسجَّل منذ عام 2017.
وفي شهر سبتمبر 2024، بلغ عدد حالات الإفلاس 374 شركة، مقارنة بـ330 شركة في الشهر السابق، مما يشير إلى زيادة مستمرة في هذا الاتجاه، وفقاً لما ذكره موقع الإحصاءات الشهير تريدينغ إيكونوميكس. وأرجع الموقع هذه الزيادة إلى عدة عوامل، منها ضعف الأداء الاقتصادي المستمر، وارتفاع تكاليف الأجور والطاقة، بالإضافة إلى التأثيرات المتراكمة من فترة الجائحة.
السويد
وفي السويد، ووفقاً لمصلحة الضرائب السويدية، أُغلقت 8,213 شركة بعد الإفلاس خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي 2024، بزيادة قدرها 29% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. ويُتوقع حالياً إعلان إفلاس 13,500 شركة في عام 2025.
ووفقاً للمركز السويدي للمعلومات، ترجع مشكلة هذه الشركات الأساسية إلى تراكم الالتزامات المالية المؤجلة، مثل الضرائب والديون وفوائدها، والتي أُجّلت أربع سنوات منذ جائحة كورونا، إلا أن هذه الشركات لم تشهد انتعاشاً اقتصادياً كافياً يسمح لها بدفع المستحقات المالية بسبب التضخم والركود، ما أجبرها في نهاية الأمر على إعلان إفلاسها.