استمع إلى الملخص
- بريطانيا تحدد أربع أولويات للتعامل مع هجمات الحوثيين، تشمل الجهود الدبلوماسية وحظر الأسلحة، معبرة عن الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر وضرورة حماية المصالح البريطانية.
- الوثائق تكشف عن التضحيات التاريخية لبريطانيا لحماية "طريق الإمبراطورية" عبر البحر الأحمر، مؤكدة على الحاجة للسيطرة على القواعد الاستراتيجية والاستجابة للتهديدات لضمان الأمن والنمو الاقتصادي.
تؤكد وثائق بريطانية الفشل الذريع في حماية مصالحها بمنطقة البحر الأحمر رغم ما تُبديه المملكة المتحدة من اهتمام برؤية السعودية 2030، التي تشكل برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي للمملكة الذي يشمل استثمارات ضخمة في مشاريع مثل منتجعات البحر الأحمر السياحية ومدينة نيوم، فيما من المتوقّع أن تنفق السعودية مليارات الدولارات في هذه المشاريع، ما يفتح آفاقاً جديدة للشراكات بين البلدين.
وبحسب ما أوردت صحيفة "تايمز" البريطانية في 20 مايو/أيار، تعزّزت العلاقات التجارية بين المملكة المتحدة والسعودية بشكل ملحوظ، حيث حضر أكبر وفد تجاري بريطاني منذ عقد من الزمن مؤتمر "المستقبل العظيم" في مدينة الرياض يوم السبت 18 مايو/أيار. وأعرب وزير الاستثمار البريطاني دومينيك جونسون عن حماسه للفرص المتاحة في السعودية، مشيراً إلى أن "السوق السعودية مفتوحة الآن، وهذا يسمح لنا بجلب ملكيتنا الفكرية إلى البلاد، ودمجها في أطرها، وتطوير الصناعات الوطنية التي ستفيد المملكة المتحدة بشكل كبير. وأفضل مثال على ذلك هو قطاع المطاعم والضيافة".
وأضاف أنّ السعودية تخطّط لبناء عشرات الآلاف من غرف الفنادق على مدى العامين المقبلين، ويُدرَّب حالياً 5000 موظف ضيافة من السعودية كل عام في المملكة المتحدة، ويسعى الطرفان لإنشاء مركز تدريب مخصّص في الشمال الشرقي من البلاد.
القلق الدولي من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر
منذ 19 أكتوبر/تشرين الأول، تزايدت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، ما أثار قلقاً دولياً وبريطانياً على وجه الخصوص. تجلى خوف بريطانيا على تجارتها واستثماراتها من خلال تصريحات رئيس الوزراء ريشي سوناك، الذي وصف في حديثه في مجلس العموم (البرلمان) الضربات التي شنّتها المملكة المتحدة ضد الحوثيين بـ"الدفاع عن النفس"، في أعقاب هجمات الحوثيين على سفن البحرية الملكية البريطانية.
وفي 23 يناير/كانون الثاني، حدّدت بريطانيا أربع أولويات في البحر الأحمر تمثلت في الجهود الدبلوماسية لدعم وقف التصعيد، وفرض حظر الأسلحة على الحوثيين، وتنفيذ عقوبات جديدة، والاستمرار في تقديم المساعدات لليمن ودعم الحل السياسي للصراع.
وفي السياق نفسه، ومن منطلق حماية بريطانيا مصالحها في البحر الأحمر، أبدى وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، منذ استلامه منصبه في أواخر العام الماضي، مخاوفه من قلة الدول المستعدة للمشاركة في العمليات العسكرية ضدّ قواعد الحوثيين. وتحدّث عن عدم رغبة بعض الدول الأوروبية الواضحة في الاستثمار في الدفاع "حتى مع احتدام الحرب في القارة الأوروبية.
وبحسب ما أوردت صحيفة "ذا ناشيونال" في 9 مايو/أيار، حثّ كاميرون دول "الناتو" على الاتفاق خلال قمة تعقد في الولايات المتحدة في يوليو/تموز المقبل على إنفاق 2.5% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع. وشدّد على ضرورة استثمار المملكة المتحدة في التحالفات القديمة، مع التمتع بحرية البقاء خارج الاتحاد الأوروبي، مثل الشراكات في أوروبا وتحالف "العيون الخمس"، و"مجموعة السبع" وحلف شمال الأطلسي.
هذا وتؤدي الاستثمارات المتزايدة من قبل المملكة المتحدة في منطقة البحر الأحمر، وخاصة بالتعاون مع السعودية، في مشاريع واسعة النطاق، إلى زيادة المخاطر التي تشكلها هجمات الحوثيين. هذه المخاطر التي ناضلت بريطانيا لتفاديها وخطّطت لإحكام قبضتها على منطقة البحر الأحمر منذ عقود من الزمن ليس فقط في وقتها بل في المستقبل، وهو ما تثبته وثائق بريطانية اطلع عليها "العربي الجديد" بعنوان "المستعمرات الإيطالية والمصالح البريطانية في طريق البحر الأبيض المتوسط"، المؤرخة في 25 سبتمبر/أيلول 1945.
وثائق بريطانية والخطط المستقبلية لحماية المصالح في البحر الأحمر
تتحدث هذه الوثائق البريطانية عن التضحيات والحروب التي خاضتها بريطانيا لحماية ما أسمته: "طريق الإمبراطورية الاستراتيجي عبر البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر". وتبرز ضرورة السيطرة المستقبلية لبريطانيا على القواعد الاستراتيجية في برقة وأرض الصومال الإيطالية، لتجنّب تكرار المخاطر التي واجهتها في الحربين العالميتين.
وتشير الوثائق إلى أنّ مستقبل هذه الطريق محفوف بالمخاطر، نتيجة الطبيعة المتغيرة في العالم العربي، مع نمو القومية العربية واستعداد مصر للمطالبة بمعاهدة جديدة مع بريطانيا تطلب الانسحاب الكامل لجميع القوات. كما تؤكد أن الولايات المتحدة لا تعتبر طريق البحر الأحمر جزءاً من سياستها الاستراتيجية، ما يضع مسؤولية حماية هذا الشريان الحيوي على عاتق بريطانيا.
وتلفت إلى أن لا إنشاء منظمة تابعة للأمم المتحدة مع مجلس أمن ولا اكتشاف القنبلة الذرية يبرّران فشل بريطانيا في حماية الطرق البحرية في المستقبل. كذلك، تشير إلى أن آلافاً من الرجال من جميع أنحاء الإمبراطورية حاربوا في حربين عظيمتين وماتوا لحماية الهيبة البريطانية في منطقة الشرق الأوسط، من أجل حماية شريان الحياة للاتصالات بالهند وأستراليا ونيوزيلندا.
والأهم من ذلك، تقرّ بأنّ بريطانيا ذهبت إلى مصر في الأصل من أجل هذه الطريق، وأنّها قبلت الوصاية باهظة الثمن على العراق وفلسطين وشرق الأردن للغرض نفسه. ذلك لأنّ الكومنولث اعتبر بشكل جماعي أن حماية طريق البحر الأبيض المتوسط في البحر الأحمر أمراً حيوياً لتجارته وأمنه.
وتعترف الوثائق بمحاولات بريطانيا الفاشلة في الاستيلاء على مصر وقوتها العسكرية في ليبيا وإريتريا. وتقول إنّ الغرض من هذه المذكرة هو اقتراح أن السيطرة المستقبلية على كلتا القاعدتين الاستراتيجيتين في برقة وأرض الصومال الإيطالية، يجب أن تحتوي على ضمانة فعالة للكومنولث بأن الخطر الذي كان عليه محاربته في عامي 1914 و1939 لن يتكرر مرة أخرى.
الأهمية التاريخية للطريق التجاري في البحر الأحمر
أطاحت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر مخطّطات بريطانيا الاستعمارية للتحكم بالمنطقة. هذا الطريق التجاري الذي يعدّ ذات أهمية تاريخية لتجارة بريطانيا، حيث تطور من رابط مهم خلال الحقبة الاستعمارية إلى شريان حيوي في شبكة التجارة العالمية الحديثة. وعزز افتتاح قناة السويس من أهميته بشكل كبير، ولا يزال ضمان أمن واستقرار هذا الطريق يمثل أولوية استراتيجية للمملكة المتحدة، لما له من تأثيرات مباشرة على استثماراتها.
وتُعد السعودية الشريك التجاري رقم 24 للمملكة المتحدة، وفقاً لآخر الإحصاءات الرسمية المنشورة في وقت سابق من مايو/أيار، التي قدّرت أيضًا أن الأموال السعودية التي تتدفق إلى المملكة المتحدة من خلال الاستثمار الداخلي كبيرة. في ظل هذه العلاقات التجارية القوية والمصالح الاستثمارية المتزايدة، تصبح حماية الاستثمارات البريطانية في السعودية ضرورة ملحة، ما يتطلب إجراءات دفاعية ودبلوماسية فعالة لضمان استمرار النمو الاقتصادي المشترك وتحقيق الأهداف الطموحة لرؤية السعودية 2030.
وتشير المعلومات الأولية من تقرير أعدته خدمة أبحاث الكونغرس، الصادر في 8 مايو/أيار، إلى أن الآثار الاقتصادية العالمية لهجمات الحوثيين على السفن كانت محدودة حتى الآن، على الرغم من أنها طاولت مختلف الصناعات والبلدان، وذلك عبر الروابط التجارية في المقام الأول (على سبيل المثال، التأخير والنقص). ولا تزال هناك احتمالات لمزيد من المخاطر والتحديات على المدى القريب لاقتصادات أوروبا والشرق الأوسط والقرن الأفريقي.
كما أشار اثنان من المحللين من بنك الاحتياط الفيدرالي في سانت لويس في فبراير 2024 إلى أنه "في حين أن الصراع الجيوسياسي يحدث غالبًا في مناطق جغرافية ضيقة نسبيًا، فإن الطبيعة العالمية لسوق خدمات الشحن الدولية يمكن أن تكون بمثابة قناة، تُمرر من خلالها الصدمات المحلية وتُضخّم وتُنقل إلى بقية الاقتصاد العالمي".
ويوضح التقرير أن الهجمات أدّت إلى زيادة تكاليف الشحن وأثرت على التدفقات الإنسانية من الغذاء والوقود والأدوية إلى هذه المناطق. وإذا طال أمد انقطاع الشحن في البحر الأحمر، فإنه يمكن أن يساهم في الضغوط التضخمية العالمية ويشكل عبئًا على الاقتصاد العالمي. في نهاية المطاف، سوف يعتمد التأثير الإجمالي للأزمة على مدتها ومدى احتواء تداعياتها، وعلى استجابات جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الحكومات وشركات الشحن والمنظمات الدولية.
وتستند توقعات التأثير الاقتصادي هذا إلى بيانات محدودة تتضمن مزيجًا من المؤشرات الإحصائية من الوكالات الحكومية واستطلاعات الأعمال والمستهلكين ومتغيرات السوق المالية وقواعد بيانات تتبع السفن والموانئ في الوقت الفعلي. وهي تستند أيضًا إلى افتراضات وتبسيطات محددة، قد لا تعكس مدى تعقيد الموقف وديناميكياته. وتخضع التوقعات أيضًا إلى قدر كبير من عدم اليقين الذي يمكن أن يؤثر على دقتها وموثوقيتها، بما في ذلك ما يتعلق بالإجراءات التي قد يتخذها الحوثيون وما قد تفعله صناعة الشحن والدول الأخرى لحماية السفن في البحر الأحمر.