زراعة موريتانيا واحات موريتانيا (Getty)
18 أكتوبر 2020
+ الخط -

تعاني واحات موريتانيا من موجات الجفاف وتأثير التغيرات المناخية، ما يؤثر سلبا على مردودية النخيل ومناعته، فيصبح أكثر قابلية لانتشار الأمراض المعدية وإهدار ثروة هائلة يمكن أن توفر إيرادات مالية ضخمة لخزينة الدولة وتحد من البطالة والفقر.
ووسط دعوات إلى الاستغلال الأمثل للموارد التي توفرها الواحات، بدأت الحكومة تنفيذ مشروعات لتنمية الواحات، وبرامج لإنشاء البنى التحتية في الريف، وتنمية تقنيات زراعة النخيل وتسويق منتجاته لمكافحة الفقر والبطالة وزيادة الأمن الغذائي في الوسط الريفي.
ويكتسي النخيل أهمية خاصة في حياة سكان الواحات واقتصاد الريف بصفة عامة، إذ يعتمد السكان على التمر في معيشتهم، كما يستخدمون سعف النخيل كعلف للحيوانات، وجذوع أشجار النخيل في البناء. وإلى جانب واحات النخيل التي توفر الظلال وتدل المزارعين على مكان توافر المياه الجوفية، يزرع القرويون الخضروات والقمح والشعير، مستغلين مناخ الواحات لتحقيق اكتفاء ذاتي من هذه المحاصيل.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وتتوفر موريتانيا على الكثير من الواحات التي تتوزع على خمس ولايات في وسط وشمال وشرق البلاد، وتعد مصدرا مهما للتمور بأنواع مختلفة، غير أن غياب الدعم وعدم امتلاك المزارعين التجهيزات والأدوات الضرورية لتحسين الإنتاج لا يزال يؤثر على مردودية هذا القطاع الحيوي.
وحسب بيانات رسمية، يقدر عدد النخيل في موريتانيا بنحو 2.4 مليون نخلة، موزعة على مئات الواحات، تشمل ولايات: تكانت، وآدرار، ولعصابة، والحوض الشرق والغربي، شمال وشرق البلاد.

60 ألف طن من التمور
تأخذ واحات النخيل في موريتانيا بعدا اقتصاديا مهما، رغم عدم هيكلة القطاع وتوجيه الاهتمام الحكومي الكافي إليه. وبفعل ارتباطها بالموروث الثقافي والاجتماعي، يخرج الموريتانيون إلى واحات النخيل لشراء كميات كبيرة من التمر والرطب، خاصة في موسم جني التمور "الكيطنة" الذي يساهم في إنعاش السياحة وتنشيط الحركة التجارية في مناطق الواحات والريف، في الفترة الممتدة من اغسطس وحتى نهاية نوفمبر.
وتشكل تجارة التمور مصدر دخل مهما لفئات عريضة من سكان الريف الموريتاني والمشتغلين بشكل رسمي في مجال الواحات والمقدر عددهم بحوالي 250 ألف شخص.
ويطالب هؤلاء بإيلاء اهتمام أكثر لقطاع زراعة الواحات، من خلال تأمين إرشاد وتكوين للفاعلين ودعم قدراتهم وتنظيم المنتجات وتسويقها ومنح قروض ميسرة لاقتناء التجهيزات الضرورية التي ستساهم في زيادة الانتاج الزراعي وخلق المزيد من فرص العمل.
ووفقا لبيانات وزارة التنمية الريفية، فإن ولاية "آدرار" تأتي في الدرجة الأولى من حيث عدد النخيل، حيث تضم حوالي 1.19 مليون نخلة، تتوزع على 75 واحة، منتشرة على مساحة قدرها 5673 هكتارا.
وتأتي ولاية "تكانت" في المركز الثاني من حيث عدد النخيل، حيث تضم حوالي 635 ألف نخلة موزعة على 127 واحة، تنتشر على مساحة قدرها 4275 هكتارا.
وتحتل ولاية "لعصابة" المركز الثالث من حيث عدد النخيل، حيث تضم حوالي 517 ألف نخلة، موزعة على 97 واحة، منتشرة على مساحة قدرها 7914 هكتارا.
وتأتي منطقة "الحوضين" في المركز الأخير من حيث تعداد النخيل، حيث تضم ولايتا الحوض الشرقي والحوض الغربي 295 ألف نخلة موزعة على 53 واحة، تنتشر على مساحة قدرها 1852 هكتارا.

ويقدر معدل الإنتاج السنوي في موريتانيا من التمور بـ 60 ألف طن من التمور، تضاف إليها حوالي 10 آلاف طن من الخضروات التي تزرع في ظلال الواحات المختلفة.
 أخطار تهدد الواحات
على الرغم من المكانة الهامة التي تحتلها تنمية الواحات في الاقتصاد الموريتاني، إلا أن العديد من الواحات عانت مؤخرا من عدة مشاكل تمثلت في انخفاض مستوى المياه الجوفية في البطاح، والتصحر وانجراف التربة وزحف الرمال، بالإضافة إلى عدم التجديد، إذ أن أغلبية الواحات تعدت أعمارها نصف قرن من الزمن.
وحسب مراقبين لـ"العربي الجديد، إضافة إلى هذه المعوقات الطبيعة، هناك معوقات أخرى يرجع أغلبها إلى ضعف الخبرات الفنية وعدم توفر وسائل حفظ ومعالجة التمور، ومنافسة التمور المستوردة، وعدم اهتمام الدولة مبكرا بهذا القطاع وتقاعسها حتى الآن عن الاستثمار فيه وتوفير قروض للمزارعين وتطوير إنتاج الواحات وحماية تجار التمور.
ويعتبر الباحث المختص بالاقتصاد الريفي، محمد ولد غالي، أن قطاع الواحات يحتاج إلى استثمارات كبيرة من طرف القطاع الخاص بالإضافة لجهود الحكومة، مشيرا إلى أن التغيرات المناخية أدت إلى هجرة الكثير من السكان عن مناطقهم الأصلية، مما أدى إلى إهمال بعض الواحات التي انتهى بها المطاف إلى الجفاف الكلي.
وشدد ولد غالي، في حديثه لـ "العربي الجديد"، على ضرورة وضع استراتيجية وطنية لتنمية قطاع الواحات وتحسين إنتاجها وتطوير تسويق التمور المحلية وتوزيعها، وكذا توسيع مساحات غرس أشجار النخيل، والزراعات الأخرى المرتبطة بالواحات.
ويطالب الخبراء بمعالجة المشاكل المرتبطة بتأثر واحات النخيل بالجفاف واجتياح الجراد والأمراض ومكافحة الآفات الزراعية، خاصة السوسة الحمراء التي ظهرت مؤخرا في عدة مناطق.
 خطة لإنقاذ القطاع
تحركت الحكومة الموريتانية مؤخرا لتنمية قطاع زراعات الواحات وخاصة زراعة النخيل، حيث وضعت عدة برامج لتطوير وتنمية هذا القطاع، كبرنامج الاستصلاح الريفي في واحات آدرار، وبرنامج التنمية المستديمة للواحات الذي يسعى لفك العزلة عن مناطق الإنتاج، وتوفير البنى التحتية اللازمة للحياة من طرق ومدارس ومراكز صحية، بالإضافة إلى حفر الآبار وتقديم الإرشاد الفني وتكوين هيئات تنموية قاعدية بهدف تحسين الظروف المعيشية للسكان المحليين ودعمهم بالأشغال والنشاطات التي تساعد على الاستمرارية وتحسين ظروف الإنتاج والتسويق.

كما تهدف هذه البرامج إلى إنشاء مختبرات تعنى بتحسين الثمار بواسطة اختيار الفحول، وتهتم بالزراعة النسيجية، بالإضافة إلى إنشاء خريطة تحدد بؤر الأمراض التي تعاني منها الواحات ودراسة كيفية تطورها.
وحول دور البرامج الحكومية في الحد من مشاكل قطاع الواحات، يرى المزارع من ولاية "تكانت" وسط موريتانيا، سلاك ولد مسعود، أن جهود الحكومة غير كافية، محملا السلطات مسؤولية جفاف العديد من الواحات في المنطقة التي يقطنها.
ويقول إن "النخيل أصيب بجائحة من سنوات، وخرج السكان المحليون في احتجاجات لمطالبة الحكومة بالتدخل، لكن تدخل السلطات كان محدودا ولم تتمكن من معالجة المرض الذي انتشر بين النخيل".
وطالب ولد مسعود، في حديثه لـ "العربي الجديد"، بضرورة العمل على الحد من مخاطر الأمراض التي أدت إلى جفاف الكثير من الواحات خلال السنوات الأخيرة، مؤكداً أن جودة التمر مرتبطة بحماية أشجار النخيل من الأمراض ودعم المزارعين في مواسم الجفاف وتزويدهم بتقنيات حديثة لزراعة النخيل.

المساهمون