هوس الاقتراض في مصر

29 ابريل 2019
الحكومة اقترضت لبناء أبراج سكنية وإدارية (تويتر)
+ الخط -

خلال السنوات القليلة الماضية، قدمت الحكومة المصرية أسباباً عديدة لتبرير سلوكها وقرارها، المتعلق بالتوسع الكبير في الاقتراض الخارجي وإغراق البلاد في ديون قياسية لم تشهدها من قبل.

فمرة ترفع الحكومة مبرر حاجتها الشديدة لنقد أجنبي يسدّ العجز الكبير في الموازنة العامة للدولة، وأخرى لتعويض النقص في إيرادات النقد الأجنبي وخاصة من قطاعات حيوية مثل السياحة والاستثمارات المباشرة، ومرة ثالثة لمواجهة اضطرابات سوق الصرف الأجنبي والقضاء على السوق السوداء للعملة، التي تثير الفزع في الأسواق وترفع أسعار السلع الأساسية وتهدد مناخ الاستثمار.

ومرة رابعة تبرر الحكومة موقفها بحاجتها الشديدة لإيرادات دولارية بهدف تدبير النقد الأجنبي اللازم لاستيراد موادّ أساسية مثل الوقود والسلع الغذائية، وخامسة لسداد التزامات وديون مستحقة على الدولة.

ومرة سادسة بهدف الحصول على صك أو شهادة من صندوق النقد الدولي تؤكد سلامة أساسيات الاقتصاد المصري، وهو ما يفتح الباب لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ويعيد الاستثمارات الهاربة، وسابعة بهدف إعادة تكوين الاحتياطي من النقد الأجنبي الذي تم استنزافه عقب ثورة 25 يناير في الدفاع عن العملة المحلية مقابل الدولار.

وأحيانا ما كانت الحكومة تبرر موقفها بأن كلفة الاقتراض الخارجي قليلة بسبب تدني أسعار الفائدة على العملات الأجنبية التي يتم الاقتراض بها مثل الدولار واليورو، مقارنة بكلفة الاقتراض العالية على الجنيه المصري والتي تتجاوز 20% سنويا في بعض الأوقات.

وهنا تقع في نفس الخطأ الذي ارتكبه القطاع الخاص التركي حينما استغل رخص الأموال في البنوك الدولية عقب اندلاع الأزمة المالية العالمية في العام 2008، وراح يتوسع في الاقتراض لتمويل مشروعات طويلة الأجل.


وخلال سنوات عديدة، قفز رقم الدين الخارجي لمصر من نحو 45 مليار دولار في عام 2012 إلى أكثر من 100 مليار دولار، ومع القفزة انتقلت مواقف الحكومة المعلنة تجاه الاقتراض من الأسواق والبنوك العالمية.

في البداية كانت مرحلة الصمت التام ثم نكران التفاوض أصلاً على قروض مع الدائنين الدوليين، ثم دخلت في مرحلة القروض "الكتيمي" التي لا يعرف أحد بها إلا عقب إعلان سدادها كما حدث مع قرض البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد البالغ قيمته 5.2 مليارات دولار.


ثم انتقلنا لمرحلة الاعتراف بالاقتراض خاصة في مرحلة ما بعد الاتفاق مع قرض صندوق النقد الدولي، إلى أن وصلنا إلى مرحلة التفاخر بالاقتراض واعتبار ذلك نجاحاً لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، وثقة من الدائنين الدوليين في ما تقوم به الحكومة من إصلاحات مالية ونقدية وثقة في القيادة السياسية.

وخلال الفترة الأخيرة حرقت الحكومة كل المراحل، لتدخل في مرحلة أخطر هي الهوس بالاقتراض والولع به والجري خلفه، وما إن يمر أسبوع واحد حتى نجد إعلاناً عن قرض جديد، أو طرح سندات دولية يتم من خلالها الحصول على قروض بمليارات الدولارات، أو إقرار البرلمان اتفاقية تتعلق بقرض.


وفي الوقت الذي كانت فيه الحكومة تقترض 2 مليار دولار من صندوق النقد الدولي كانت تعلن عن اقتراض 4 مليارات دولار أخرى عبر طرح سندات في الأسواق الدولية، ولم تمر أيام حتى أعلن وزير المالية عن فتح جبهة جديدة لاقتراض 5 مليارات دولار من دول جنوب شرق أسيا.

آخر مراحل الهوس ما تم أمس الأحد، حينما اقترضت وزارة الإسكان 3 مليارات دولار "ما يعادل 51.5 مليار جنيه" من البنوك الصينية، لتمويل إقامة أبراج سكنية وإدارية في العاصمة الإدارية الجديدة، منها أطول برج في أفريقيا.

السؤال ما مصدر سداد كل هذه القروض الخارجية، التي تم الحصول عليها في ظل عدم حدوث قفزة في إيرادات البلاد من النقد الأجنبي؟ وهل سيكون جيب المواطن هو مصدر السداد كالعادة عبر زيادة الضرائب والرسوم وخفض الدعم الحكومي المقدم للسلع الاساسية وزيادة أسعار الكهرباء والمياه؟

المساهمون