استمع إلى الملخص
- التعديلات تهدف لتعزيز دور التكنوقراط والخبراء الاقتصاديين، وتوسيع مشاركة القطاع الخاص في الحكومة، مما يشير إلى توجه نحو سياسات اقتصادية جديدة للخروج من الأزمة.
- تم التأكيد على أهمية إعادة التفاوض مع صندوق النقد الدولي ودعم القطاع الخاص لتحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل، مع إعادة النظر في السياسات الاقتصادية لحماية الطبقات المتضررة.
بعد شهر من الولادة المتعثرة، وتجاهل شعبي واسع، توجهت أنظار المواطنين في مصر لمتابعة أنباء التغيير الوزاري أزمات اقتصادية طاحنة، مع أنباء عن تعديلات واسعة بالمجموعة الاقتصادية بوزارة مصطفى مدبولي الجديدة.
شمل التغيير 20 منصباً وزارياً، وتعيين 23 نائباً للوزراء، و13 محافظاً، و32 نائباً للمحافظين. كما شمل التعديل تغيير معظم وزراء المجموعة الاقتصادية، مثل المالية، والبترول، والكهرباء، وقطاع الأعمال، والتموين، والزراعة، والسياحة، والإسكان، والعمل.
توجّهت أنظار رجال الأعمال والمواطنين إلى الأسماء التي أعلنتها رئاسة الجمهورية، سبق تسرب أغلبها، عبر رسائل لجس نبض الشارع الغاضب من سوء الأوضاع المعيشية، في ظل ارتفاع معدلات الغلاء والتضخم، وعدم قدرة الحكومة على توفير الكهرباء والمحروقات، بما يزيد خسائر قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات، ويدفع بحالة الغضب بين المواطنين.
مسار الإصلاح الاقتصادي وسط
جاء التغيير الوزاري، ظهر أمس، ليدفع بعدد من المسؤولين التكنوقراط، مستهدفاً استكمال "مسار الإصلاح الاقتصادي، وجذب الاستثمارات ومواجهة التحديات". فقد تولى وزراء مناصبهم ممن سبق العمل لهم داخل الوزارات والهيئات الرسمية، وأزال التغيير وزراء قادمين من القطاع الخاص، على رأسهم وزير الصناعة والبرلماني رئيس جمعية مستثمري أكتوبر السابق أحمد سمير.
شهد التغيير تدويراً لدور بعض الوزراء، وإضافة مناصب ومهام لوزراء حاليين، بما أحدث ارتباكاً بمجتمع الأعمال، الذين يتطلعون إلى دور أوسع للجهات الممثلة للقطاع الخاص في إدارة شؤون الحكم، بينما اعتبر اقتصاديون التغيير الوزاري، نقطة بداية للانطلاق نحو مسار جديد، يعتمد على نظرة اقتصادية مغايرة، وسياسات تُخرج البلاد من عثراتها الاقتصادية المتكررة والمستمرة، التي تحتاج إلى شخصيات نافذة، قادرة على تخطي الروتين، وعدم الاكتفاء بالأداء الوظيفي في مناصبهم.
شمل القرار تغييراً كبيراً بالمجموعة الاقتصادية شملت، تعيين كامل الوزير نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للنقل والصناعة، وأحمد كوجك وزيراً للمالية وشريف فاروق وزيراً للتموين والتجارة الداخلية، وشريف فتحي وزيراً للسياحة والآثار، ومحمد شيمي وزيراً لقطاع الأعمال، ورانيا المشاط وزيرة للتخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، وكريم بدوي للبترول والثروة المعدنية، وعمرو طلعت للاتصالات، ومحمود عصمت للكهرباء.
لاقت استقالة محمد شاكر وزير الكهرباء، من منصبه ترحيباً لدى الجمهور الغاضب من سوء إدارته أزمة انقطاعات التيار الكهربائي، التي تشهدها البلاد، منذ عامين.
وتلقى العاملون بقطاع الكهرباء تعيين وزير قطاع الأعمال محمود عصمت في منصب وزير الكهرباء، وسط مخاوف باستمرار نهج الوزير السابق، الذي جاء إليهم من خارج قطاع إنتاج وتوزيع الكهرباء أسوة بسلفه الذي التزم بخفض مميزات العاملين بمحطات التوليد والمحولات وشركات التوزيع، طوال العقد الماضي، وتساهل في إدارة ملف الطاقة، عبر جهات سيادية بعيداً عن القيادات الفنية بداخله.
ورفع خروج وزير البترول طارق الملا من منصبه، وتعيين خبير البترول كريم بدوي، من آمال الجمهور في سرعة القضاء على انقطاعات الغاز عن محطات الكهرباء وشركات إنتاج الأسمدة والبتروكيماويات، التي ضاعفت أسعار الأسمدة الفوسفاتية والآزوتية والمنتجات الكيماوية، خلال الشهر الماضي، والحد من أزمة الطاقة بشكل عام.
يؤكد خبراء أن عدم نجاح ممثلي رجال الأعمال بالتشكيل الحكومي لا يرجع إلى عدم قدرة ممثلي القطاع الخاص على المشاركة في الحكم، وإنما لطبيعة السياسيات الحاكمة للوزراء، التي جعلت من الوزراء مجرد سكرتارية تنفيذية لتعليمات البنك المركزي، والاتفاقات التي تتوصل إليها الحكومة مع صندوق النقد ومؤسسات التمويل الدولية التي تفرض شروطها، مقابل مساعدة الحكومة على مواجهة أزماتها المالية.
القطاع الخاص وصندوق النقد
أشار خبراء إلى ضرورة إفساح الحكومة مساحة واسعة للقطاع الخاص، ليشارك بنحو 65% من الاستثمارات بالدولة، بدلاً من النسب المتراجعة منذ سنوات، عند مستويات أقل من 25%، مع صعود دور الجهات الحكومية والسيادية في إدارة الاقتصاد، وإسناد المشروعات الكبرى للشركات التابعة للجهتين، عبر نظام الأمر المباشر، وبتمويل هائل من الموازنة العامة والقروض الأجنبية.
دعا خبراء الحكومة إلى إعادة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، والجهات الدائنة، حول سياسات رفع الدعم عن السلع والخدمات العامة الأساسية، وزيادة أسعار الكهرباء والمحروقات، لزيادة المدة الزمنية لتحويل اقتصاد الدولة إلى اقتصاد السوق، بما يحمي الطبقة المتوسطة من الانهيار إلى حافة الفقر، ويوقف زحف الفقراء نحو الفقر المدقع، في ظل الارتفاع الهائل بأسعار السلع والتضخم، مع تراجع مستمر بقيمة الجنيه أمام الدولار والعملات الصعبة.
أزمات الصناعة
يشير الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب إلى أن قطاع الصناعة ظل مقيداً عن النمو خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بضغوط البنك المركزي الذي كان يرفض تمويل رجال الأعمال شراء مستلزمات التشغيل من الخارج من أرصدته الخاصة، خشية تسرّب كميات كبيرة من الدولار إلى السوق، وتدهور الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي.
ويوضح لـ"العربي الجديد" أن فصل وزارة الصناعة عن التجارة الخارجية، يمثل تحولاً في تفكير حكومة مدبولي التي أيقنت مؤخراً بأهمية إسناد وزارة الصناعة، لمسؤول "نافذ" قادر على تذليل العقبات التي صنعتها سياسات سابقة، أدارها البنك المركزي، عبر فرض قيود مشددة على توفير الدولار لاستيراد مستلزمات الإنتاج ومعدات التشغيل، والتزمت الحكومة بتلك السياسات، بما جعل الصناعات المصرية غير قادرة على مواجهة الضغوط، فخرجت كثير من المصانع عن العمل، وظلت أخرى تعاني من صعوبات هائلة، حسب الخبير الاقتصادي.
وأضاف عبد المطلب أن عودة وزارة الاستثمار بدمجها مع التجارة الخارجية، يستهدف تلافي تجاهل دور الوزارة منذ 2015، رغم أهميتها في دفع معدلات الاستثمار المحلي والأجنبي المباشر، وخلق فرص عمل تكافئ الزيادة الهائلة في عدد العاطلين والشباب الداخلين في سن العمل.
ويعلق الخبير الاقتصادي قدرة الحكومة الجديدة على النجاح بأن يكون لديها برنامج مكتوب وتفصيلي يعرض على البرلمان والشعب، على أن يشمل جميع مناحي الاقتصاد والصحة والتعليم، وعودة الحكومة لتوظيف أوائل الجامعات لفتح باب الأمل أمام المتعلمين من الأسر الفقيرة للترقي الاجتماعي والاقتصادي، بناء على المنافسة العلمية، دون الاعتماد على المحسوبية والشللية داخل القطاعات الحكومية.
يدعو عبد المطلب الحكومة الجديدة إلى إعادة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، قبل اعتماده القرض الخاص بالمراجعة الثالثة، التي انتهت الشهر الماضي، بهدف مراجعة السياسات السابقة التي اتفق عليها برفع أسعار السلع الأساسية، وخفض قدرة الدولة في زيادة الاستثمارات العامة.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أهمية تلك المراجعات، بعد أن حصلت مصر على نقد أجنبي كاف يمكنها من التراجع عن بعض السياسات الضارة بمحدودي الدخل، دون الحاجة إلى قرضين جديدين لصندوق النقد، المقرر تسليمهما لمصر في حدود 1.6 مليار دولار، بما يساهم في إزالة الآثار السلبية التي تسببت فيها الاتفاقات السابقة مع الصندوق، خاصة التي تمس الطبقات الفقيرة، وتدفع إلى زيادة تكلفة التشغيل بالمصانع والمنتجات الزراعية، التي دخلت في ركود خلال السنوات الأربعة الماضية، بفعل الأزمات الدولية، والتشدد النقدي.
دفعة للاستثمارات
يذكر خبير التمويل والاستثمار مصطفى بدرة، أن الاقتصاد في حاجة ماسة إلى دفعة للاستثمارات العامة والخاصة، بشقيها المحلي والأجنبي، مبيناً ضرورة التوسع في سوق العمل، والإنتاج من أجل التصدير، لرفع معدل الصادرات إلى نحو 100 مليار دولار. يشير بدرة إلى ضرورة امتلاك الحكومة الجديدة رؤية ترتكز عليها الدولة، في دفع معدلات الإنتاج والتشغيل، وخريطة استثمارية واضحة، تجري تنفيذها بتنسيق كامل بين الجهات المعنية بالاقتصاد والدولة والقطاع الخاص، تستهدف توطين الصناعة وإزالة المعوقات التي تواجه المستثمرين.
من جانبها، تبين خبيرة الاقتصاد والبرلمانية السابقة يمن الحماقي أن الأرقام الهزيلة بقيمة الصادرات السلعية والخدمية، عند حدود 50 مليار دولار، تظهر أهمية عودة دور وزارة الاستثمار من جديد، مؤكدة أهمية أن تدار المجموعة الاقتصادية بصفة متكاملة، عن طريق نائب رئيس وزراء للشئون الاقتصادية، يتولى تنسيق ملفات المجموعة التي تشمل وزارات الصناعة والتعاون الدولي والتخطيط والتجارة الخارجية والتجارة الداخلية والمالية، بما يحدث التكامل الداخلي بين المجموعة الاقتصادية والجهات المكملة لها بقطاعات الخدمات، كالسياحة والطيران والنقل والآثار والتضامن الاجتماعي.
تُظهر الحماقي دعماً بوجود حسن الخطيب بوزارة الاستثمار، لما يملكه من خبرة أثناء عمله بالبنك الدولي وجهات محلية، ستمكنه من إحداث تقارب مع مستثمري القطاع الخاص والأجانب، منوهة بأن إسناد وزارة المالية لأحمد كوجك، لخبرته السابقة في إدارة المفاوضات مع صندوق النقد ومؤسسات التمويل الدولية، سيساهم في دعم علاقات الحكومة بمؤسسات التمويل الدولية، مع أهمية استعانته بمجموعة مستشارين لإدارة ملفات الضرائب والجمارك، التي تعد أهم مصادر التمويل للموازنة العامة.
وتبدي الخبيرة الاقتصادية تفاؤلاً بجمع رانيا المشاط وزارة التعاون الدولي مع وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، لتكامل دور الوزارتين، في دراسة خطط الوزارات المختلفة من مشروعات، في ضوء احتياجاتها من تمويل محلي ودولي، مشددة على ضرورة وضع الحكومة أولويات تهم المواطنين والمنتجين، تأتي على قمتها ملفات الغلاء، والتضخم، والبطالة، ومعالجة الركود بالمصانع، وتوفير العملة الصعبة، والحفاظ على قوة الجنيه مقابل باقي العملات الصعبة.
وأشارت عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابقة عالية المهدي، إلى ضرورة التزام الحكومة الجديدة بضغط الإنفاق العام، للسيطرة على التضخم، والحد من القروض، وتوحيد ملف الموازنة العامة، بإعادة دمج الصناديق الخاصة وموازنات الهيئات الاقتصادية، في الموازنة العامة، مشيرة في تصريحات صحافية إلى ضرورة أن يتولى وزير المالية توسيع المجتمع الضريبي، ودمج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد الرسمي.