هل تُلغى ديون مصر الخارجية؟

22 يوليو 2021
محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر (getty)
+ الخط -

أعلن البنك المركزي المصري الأسبوع الماضي ارتفاع الدين الخارجي للبلاد خلال الربع الأول من العام الحالي، ليصل إلى 134.8 مليار دولار تمثل أكثر من 40% من الناتج المحلي الإجمالي المصري.

وفي نهاية نفس الفترة من العام الماضي، سجل الدين الخارجي 112 مليار دولار، وهو ما يعني أن فترة الاثني عشر شهراً المنتهية بنهاية مارس/ آذار من العام الحالي شهدت ارتفاع الدين الخارجي المصري بما يقرب من 22.8 مليار دولار، وبنسبة زيادة سنوية تقدر بأكثر من 20%.

ارتفع الدين الخارجي بهذه النسبة، بينما لم ينخفض الدين المحلي حتى لا يظن البعض أن الزيادة مكنتنا من تخفيض الدين المحلي، أو أن إجمالي الدين العام في سبيله للانخفاض. وارتفع الدين الخارجي بنسبة تتجاوز 20% بينما سجلت البلاد معدل نمو سنوي للاقتصاد خلال الربع الأخير يقدر بنحو 2.9%.

سجل الدين الخارجي 112 مليار دولار، وهو ما يعني أن فترة الاثني عشر شهراً المنتهية بنهاية مارس/ آذار 2021 شهدت ارتفاع الدين بنحو 22.8 مليار دولار

وقالت وزيرة التخطيط المصرية إن متوسط معدل نمو الاقتصاد المصري خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام المالي الذي بدأ أول شهر يوليو/ تموز من عام 2020 بلغ 1.9%، وإن توقعاتها تشير إلى تحقيق معدل نمو يتراوح بين 5.2% - 5.5% خلال الربع الأخير من العام المالي، الذي انتهى بنهاية الشهر الماضي.
توقعات وزيرة التخطيط تشير إلى أن متوسط معدل النمو للعام المالي 2020 - 2021 كله لن يتجاوز 2.8%، وهو معدل ضعيف جداً، خاصةً مع الارتفاع الكبير في الدين الخارجي.

موقف
التحديثات الحية

ولو حاولنا النظر إلى القطاعات التي تدر العملة الأجنبية للبلاد، سنجد أن معدل نموها خلال نفس العام المالي كان أقل كثيراً من معدل النمو العام، الأمر الذي يثير المزيد من القلق، ويوسع الفجوة ويسرع النزيف، بالنظر إلى معدل زيادة الدين الخارجي السريع.
تراجعت معدلات النمو في أغلب دول العالم خلال النصف الأول من عام الجائحة، إلا أن معظمها تمكن من تعويض النسبة الكبرى مما تم فقده خلال النصف الثاني من العام وخلال ما مر من العام التالي 2021.

أما ما يخص الاقتصادات النامية والناشئة، فإن الصورة أفضل كثيراً، حيث رصدت شركة الأبحاث وإدارة الأصول "لازارد" تسارع معدلات النمو في العديد من تلك الأسواق، بصورة تفوق ما حدث في الاقتصادات الكبرى.

وقالت الشركة، التي تعد أكبر بنك استثماري مستقل في العالم، إن تزايد معدلات حصول المواطنين على الأمصال المضادة للوباء القاتل ساهم في عودة تدفق رأس المال الأجنبي لتلك الدول، وهو ما تسبب في ظهور علامات انتعاش أقوى في أسواقها.

لم ألحظ شخصياً ظهور تلك العلامات في السوق المصرية، ولم يتأثر الاستثمار الأجنبي الوارد للبلاد، لا انخفاضاً في 2020، ولا ارتفاعاً في 2021، ولا خلال السنوات العشر الأخيرة.

وما زال العجز في ميزان المدفوعات يتم تمويله من خلال التوسع في الاقتراض، واستحداث أدوات جديدة للاستدانة، أو مد آجال ما يستحق من ودائع حصلنا عليها، ليتم الإعلان بعد ذلك عن تحقيق فائض وهمي في الميزان، لم يكن ليتحقق إلا بالاقتراض.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويجادل المتخصصون الموالون للنظام المصري بالباطل ليدحضوا به الحق، فيقولون إن قدرة الاقتصاد على الاقتراض ازدادت مع نمو الاقتصاد، وهم يتحدثون عن معدلات نمو للاقتصاد لا تتجاوز 6% في أحسن حالاتها، بينما الدين الخارجي يرتفع بنسبة 20%، واتخذوا تحذيرات المتخصصين غير الموالين هزواً، رغم علمهم أن ارتفاع الدين الخارجي لا يدر إلا المهالك.
يقولون إن ارتفاع الدين الخارجي إنما يعني ارتفاع ثقة العالم بالاقتصاد المصري، لكنهم لا يتحدثون عن تزايد إحكام سيطرة المؤسسات السيادية عليه، ومن ثم تلاشي ما تبقى من شفافية ومحاسبة في مختلف القطاعات.

يتوسع النظام في الاقتراض الخارجي كما يفعل من يثق بأنه لن يسدد، وأنه لن يحاسب على عدم السداد

ولو أنهم قالوا لنا بوضوح أين ذهبت المليارات التي تم اقتراضها خلال السنوات الثماني الأخيرة، لربما تفهمنا بعض الشيء، ولكنهم لا يفعلون شيئاً من هذا أبداً، ومَن يتحدث في تلك الأمور بصراحة وحيادية ومنطق لا يكون جزاؤه إلا أن يسجن أو عذاب أليم.
يعيش النظام المصري الحالي في انتظار ظرف يسمح له بشطب كل أو جزء من ديونه الخارجية، على غرار ما حدث مع السودان الأسبوع الماضي، أو ما حدث مع مصر نفسها في عام 1991 بعد المشاركة في حرب تحرير الكويت.

ويتوسع النظام في الاقتراض الخارجي كما يفعل من يثق بأنه لن يسدد، وأنه لن يحاسب على عدم السداد.

وقبل فترة، قال السيسي نصاً "حجم الأموال التي أسقطت عن مصر في 1991 بلغت 43 مليار دولار منها لنادي باريس وقروض أخرى، وده أعطى للاقتصاد المصري فرصة وهيا الحكاية كده''.
وبغض النظر عن دقة الرقم المذكور، لا يتعين على أي نظام في العالم أن يفترض أن ما يقترضه لن يكون مستحقاً للسداد، ولا بد أن نعلم أن دول العالم ليست من السذاجة التي تجعلها تقدم قروضاً لبلدٍ لا ينوي القائمون عليه السداد.

ولو فعلوا، لأصبح الأمر مثيراً للريبة، ولوجب التوقف الفوري عن الاقتراض لحين التعرف إلى النوايا الحقيقية للمقرضين.

  الظرف الذي حدثت فيه حرب تحرير الكويت في عام 1991 كان استثنائياً، وكانت الأسر الحاكمة في السعودية والإمارات والكويت والبحرين تخشى زوال عروشها، فكانت مستعدة للتنازل عن تلك المبالغ، وفي السودان، لن يكون الإعفاء من سداد الديون مجانياً، وإنما سيكون التطبيع، وربما أمور أخرى، هو المقابل، وهو ما يدفعنا للتفكير بجدية في ما سيكون النظام المصري الحالي مستعداً لتقديمه، من أجل الحصول على إعفاء طال انتظاره.
تنازل النظام المصري من قبل عن جزيرتي تيران وصنافير، وطلب الرئيس وقتها عدم فتح الموضوع مرة أخرى، ثم جاءت أزمة سد النهضة واقتربت إثيوبيا من إتمام الملء الثاني، وطلب الرئيس أيضاً التوقف عن "الهري"، فماذا عساه يقدم الرئيس مرة أخرى من تنازلات مقابل إلغاء تلك الديون، بينما يُحظَر علينا مناقشة الأمر برمته؟

المساهمون