كبدته 98 مليار دولار.. هل تهدد حماية الليرة التركية احتياطي البنك المركزي؟

24 نوفمبر 2022
مقر البنك المركزي التركي في العاصمة أنقرة (الأناضول)
+ الخط -

أعاد الحديث عن مباحثات تركيا والسعودية حول إيداع الرياض 5 مليارات دولار لدى المصرف المركزي التركي احتياطيّ تركيا من العملات الأجنبية إلى الواجهة، خاصة أن وكالة "بلومبيرغ" نشرت أخيراً أن أنقرة تدخلت طيلة العام الجاري بالسوق بشكل مباشر، عبر ضخ 98 مليار دولار، ما زاد الشكوك بكتلة الاحتياطي ومخاوف من انهيار ما كان مبعث طمأنة للمدخرين والمستثمرين، بواقع تراجع مستمر لسعر صرف الليرة التركية

واستمرت المخاوف بالأوساط التركية، رغم محاولة الرئيس رجب طيب أردوغان تبديدها من خلال تصريحاته، بعدما كشف متحدث باسم وزارة المالية السعودية عن استعداد الرياض لإيداع 5 مليارات دولار بالمصرف المركزي التركي، بقوله لوكالة "رويترز" إنه تم "بلوغ المرحلة النهائية من المباحثات".

وقال الرئيس التركي، بعد عودته من قطر التي التقى خلالها الرئيس المصري وولي العهد السعودي، إن احتياطات البنك المركزي التركي من النقد الأجنبي بلغت 123 مليار دولار، وربما تصل إلى 130 مليار دولار بحلول نهاية الشهر الحالي نوفمبر/ تشرين الثاني.
لكن استمرار تراجع سعر الليرة التركية إلى 18.6333، اليوم الخميس، متأثرة بتصميم الحكومة التركية على تخفيض سعر الفائدة إلى رقم واحد قبل نهاية العام الجاري، يزيد من أسئلة المراقبين حول حماية العملة التركية التي خسرت نحو 24% من قيمتها جراء تراجعها من نحو 13.5 ليرة مقابل الدولار في مطلع العام الجاري.

ليبقى، برأي هؤلاء، المصرف المركزي الذي ينفذ سياسات حكومة "العدالة التنمية" بالفائدة المنخفضة، الملاذ الوحيد وإن عبر التدخل المباشر وبيع الدولار بالسوق، بعد كل خفض لأسعار الفائدة، لتقترب كتلة التدخل من مئة مليار دولار، ما يهدد الاحتياطات وينذر ربما بالإفلاس.

فوكالة "بلومبيرغ" نقلت أخيراً أن البنك المركزي التركي تدخل بالسوق خلال عام 2022 بمبلغ 98 مليار دولار أميركي، لدعم سعر صرف الليرة، بعد سلسلة تخفيضات طاولت سعر الفائدة المصرفية، فأعادتها خلال آخر جلسة الشهر الماضي إلى 10.5%، في حين كانت 14% حتى أغسطس/آب الماضي، بعد جلسات تثبيت منذ بداية العام الجاري، قبل أن يبدأ تخفيض السعر عبر الجلسات الثلاث الماضية.

وزاد تدخل المركزي التركي خلال الشهرين الأخيرين، ليراوح معدل التدخل الشهري عند نحو 10 مليارات دولار، باستثناء شهر أيلول/ سبتمبر الذي قالت الوكالة المتخصصة بنقل الأخبار المالية "بلومبيرغ" إن حجم التدخل خلاله بلغ 15 ملياراً.

ويرى الاقتصادي التركي مسلم أويصال أن تدخل المصرف المركزي بضبط معروض العملات وحماية الليرة "هو دوره ومن واجباته"، ولكنه يشكك بما وصفه ضخامة الرقم الذي نشرته الوكالة الأميركية ونقلته عنها وسائل إعلامية تركية.

وحول موارد القطع الأجنبي وإنفاقه، يشير أويصال إلى أنّ الصادرات المتوقع بلوغها 300 مليار هذا العام، أهم موارد بلاده من العملات الأجنبية، إضافة إلى السياحة التي تسجل قفزات متتالية ومن المتوقع أن تصل هذا العام إلى عتبة 40 مليار دولار، في حين أن أهم مصادر إنفاق العملة الأجنبية هو استيراد الطاقة التي تفوق فاتورتها 50 مليار دولار، والمواد الأولية الداخلة بالإنتاج الصناعي وبعض المستوردات التكنولوجية والسيارات وغيرها.

ويضيف أويصال، متحدثا لـ"العربي الجديد"، أن مخاطر التضخم النقدي لا تزال ماثلة، خاصة إذا أقدم "المركزي" خلال جلسته المتوقعة بعد يومين، على تخفيض سعر الفائدة إلى 9.5% أو 9%، لأن ما تبقى من أموال "إيداعات" بخزائن المصارف، سوف يخرج إلى السوق فيضاف إلى كتلة العملة التركية، ما يؤدي لمزيد من تراجع سعر الصرف.

ويستمر مصرف تركيا المركزي بتطبيق سياسة الفائدة المنخفضة التي يوصي بها رئيس الدولة رجب طيب أردوغان، إذ تشير التوقعات إلى تخفيض سعر الفائدة قبل نهاية العام إلى نحو 9.5%، بعد تخفيض سعر الفائدة الشهر الماضي، أكتوبر/تشرين الأول بواقع 150 نقطة أساس، لتنخفض الفائدة من 12 إلى 10.5%.

ويتوقع أستاذ المالية بجامعة باشاك شهير فراس شعبو تخفيض سعر الفائدة لتبلغ رقماً واحداً "أقل من 10%" قبل نهاية العام الجاري "ربما خلال جلسة أو جلستين" لأن تركيا حسمت أمرها بالتوجه إلى الفائدة المنخفضة وتوجيه المدخرات إلى القطاعات الإنتاجية، معتبراً أن "المعادل والحل" يكمن بإيداع الليرة المحمية التي مددت تركيا العمل بها حتى نهاية العام المقبل.

ويشكك شعبو، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، بصحة رقم "بلومبيرغ" إلا إذا كان التدخل عبر أقنية حكومية داخلية، أي لا يمكن، برأيه، أن تجازف تركيا بهذا المبلغ الهائل من الاحتياطي وتترك مصرفها المركزي على حافة الإفلاس، خاصة أنها ترى من خلال أداء السوق أن التدخل المباشر غير مجد وإن كان فيه بعض الطمأنة.

ويلفت إلى أن سياسة التدخل المباشر من المصرف المركزي غير مجدية بالاقتصادات المغلقة والموجهة، فكيف الحال باقتصاد مفتوح وحر كما التركي، فضلاً عن أن التدخل المباشر، وإن حمى العملة لأجل، لكنه يترك انعكاساً سلبياً لدى المستثمرين ويؤكد على عدم حرية السوق.

وفي حين يقدر أستاذ المالية الاحتياطي (عملات وذهب) بالمصرف المركزي الآن بنحو 117 مليار دولار، يلفت إلى أن تركيا اشترت خلال العام الجاري ذهباً بأكثر من 75 طناً، بغرض تنويع الاحتياطي بالمصرف المركزي، مستبعداً مجازفة المصرف المركزي التركي باحتياطياته الدولارية عبر التدخل المباشر بالسوق، ومؤكداً "قوة المركزي بما يمتلك من احتياطي نقدي وذهب".

وكانت بيانات مجلس الذهب العالمي قد أشارت إلى أن البنك المركزي التركي اشترى 75 طناً من الذهب الصافي في الأشهر السبعة الأولى من العام، وزاد احتياطيات الذهب الرسمية بمقدار 12 طناً في يوليو/تموز.

وأظهرت البيانات أن احتياطيات الذهب الحالية في البنك المركزي التركي تتوافق مع المتوسط الشهري حتى الآن، وأن صافي مشتريات المعدن الثمين وصلت منذ عام حتى هذا التاريخ إلى 75 طناً.

ووفقا للبيانات، فقد تدفق أكثر من 527 طنا من الذهب من خزائن نيويورك ولندن، وتزامن ذلك مع تزايد الشحنات إلى مستهلكي الذهب الآسيويين الكبار مثل الصين، التي سجلت وارداتها من المعدن أعلى مستوى لها في 4 سنوات.

وجاءت تركيا، بالإضافة للصين، من كبار مشتري المعدن النفيس، فقد اشترت أنقرة، بحسب وكالة "بلومبيرغ"، 62 طنا في الفترة من مايو/أيار حتى أغسطس/آب من هذا العام.

لكن تلك الأطنان وما يقال عن تدخل المصرف المركزي واعتماد نظام الإيداع المحمي بالليرة التركية، لم تشفع لليرة التركية التي هوت خلال العام الجاري من نحو 13.5 إلى 18.633 اليوم، بعد تراجعها بأكثر من 42% خلال العام الماضي، لتصنف كواحدة من أسوأ عملات الأسواق الناشئة أداء أمام الدولار الأميركي الذي يتحسن سعره بفضل رفع الفائدة من جانب الفيدرالي.

وهذا الأمر دفع البنك المركزي التركي، بهدف الطمأنة، لإبرام صفقات مقايضة بالعملات المحلية مع العديد من نظرائه بقيمة إجمالية تبلغ 28 مليار دولار. ووقع "المركزي" صفقة مع الصين بستة مليارات دولار، ومع قطر بقيمة 15 مليار دولار، ومع الإمارات بنحو 5 مليارات دولار.

المساهمون