بعد إعلان انضمام السعودية إلى منظمة شنغهاي للتعاون بصفة "شريك للحوار"، تصاعدت التوقعات بشأن اتجاه المملكة نحو الانضمام إلى مجموعة "بريكس"، وسط توالي المشروعات المؤكدة لتعميق العلاقات بين الرياض وبكين.
فاختصار BRIC يشير إلى الدول الأربع سريعة النمو، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين، التي قامت بتأسيس المنظمة، ثم انضمت إليها جنوب أفريقيا عام 2011 ليتحول اختصار اسم المنظمة إلى BRICS.
وتسمح لائحة المجموعة بانضمام دول أخرى لعضويتها، ما دفع السعودية وإيران إلى إبداء رغبة علنية في الانضمام إلى ما بات يسمى بـ"بريكس+"، على غرار صيغة "أوبك+" التي تم إقرارها بتوسيع نطاق تكتل منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها "أوبك".
ومن شأن انضمام السعودية أن يرفع من قوة المجموعة الاقتصادية، إذ احتلت المملكة المركز 17 بترتيب اقتصادات دول مجموعة العشرين، من جانب، وبلغ مجمل الناتج المحلي لدول بريكس حجما غير مسبوق هذا العام، من جانب آخر.
وبحسب تقرير أصدرته شركة الاستشارات البريطانية "Acorn Macro Consulting"، في أبريل/نيسان الماضي، فإن مجموعة "بريكس" تتمتع في الوقت الراهن بوزن اقتصادي أكبر من الدول السبع.
وحسب صحيفة "لو جورنال دو ديمانش" الفرنسية، فإن الاتجاه الصعودي الذي حققته "بريكس" مرشح للاستمرار، خاصة في أسواق الصين والهند.
تعزيز توجه استراتيجي
ويشير أستاذ الاقتصاد بمعهد العلوم السياسية في باريس، رئيس مكتب الاستشارات الاستراتيجية the multipolarity report، ألكسندر كاتب، إلى أن "عضوية السعودية في مجموعة بريكس ستسمح للسعودية بتعزيز علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع مختلف أعضاء المجموعة مع تعزيز علاقاتها السياسية مع قوى كبرى، على رأسها الصين، وذلك في إطار انخراط المملكة منذ عدة سنوات في "دبلوماسية توازن"، تتوافق بشكل أفضل مع التوجه نحو عالم متعدد الأقطاب".
ويرى مؤلف كتاب "القوى العالمية الجديدة: كيف تغير دول بريكس العالم"، الصادر عام 2011 في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "عضوية بريكس جوهرية في تعزيز توجه السعودية الاستراتيجي، إذ تسمح للمملكة بلعب دور أكثر تأثيراً في المقترحات التي صاغتها بعض القوى العظمى لإعادة تأسيس النظام الدولي الذي تعود أصوله الاقتصادية إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، وعفا على كثير منها الزمن"، حسب رأيه.
وأشار إلى أن "الوزن الاقتصادي لدول بريكس يمكن مقارنته بثقل دول مجموعة السبع الكبرى، حسبما يرى إسكندر، مشيرا إلى أن بعض دول بريكس، مثل الصين والهند، "عملاقة ديموغرافيا"، وبالتالي فهي لا غنى عنها في حل المشكلات العالمية، مثل الطاقة وتغير المناخ أو الصحة أو التجارة العالمية".
و"يتنامى دور تلك الدول أيضًا على المستوى المالي"، بحسب إسكندر، مشيرا إلى أن "الغرب لا يزال مهيمنا على هذا المجال اليوم، لكن تغيرات عدة تؤشر إلى إعادة توازن كبيرة للأقطاب الاقتصادية على نطاق عالمي، مؤكدا أن عولمة اليوم أصبحت متعددة الأقطاب".
مواكبة نظام جديد
و"هناك عدد من الأسباب التي تدفع السعودية للمطالبة بالانضمام إلى مجموعة بريكس انطلاقا من كون الاقتصاد العالمي يتغير في ثقله ويتغير في وجهته نحو الشرق بقيادة الصين، التي تعد أكبر قوة تصديرية في العالم منذ عام 2007، وثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، ومن المتوقع أن تتخطى الولايات المتحدة الأميركية خلال الأعوام القليلة القادمة"، حسبما صرح ويرى الخبير في الاقتصاد السياسي، أحمد ياسين، لـ"العربي الجديد".
ويشير ياسين إلى أن "التطورات الأخيرة التي أفرزتها الأزمة الأوكرانية، من خلال الإفراط في استخدام الدول الغربية، بقيادة أميركية، سلاح العقوبات الاقتصادية، جعلت التحالف بين مجموعة بريكس، بقيادة الصين وروسيا، أمرا محتما، لأن هناك توجها يتنامى تدريجيا بهذه الدول نحو تغيير معالم النظام المالي العالمي، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة".
ويرى ياسين أن "العقود الماضية أثبتت أن هذا النظام المالي الحالي غير منصف للدول الفقيرة والنامية، وحتى للدول ذات الاقتصادات الصاعدة، بما فيها تلك الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة".
ويشير الخبير في الاقتصاد السياسي إلى أن "هناك تداعيات اقتصادية جمة تنعكس، من خلال استمرارية هيمنة الولايات المتحدة، على الاقتصاد العالمي وعلى الاحتياطي النقدي العالمي عبر هيمنة الدولار"، وهو ما تناولته تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عندما عاد من زيارته إلى الصين، في 7 إبريل/نيسان، قائلاً إن أوروبا يجب أن تتخلص تدريجيا من "التبعية للدولار الأميركي".
ويلفت ياسين إلى أن "تصريحات ماكرون غير المسبوقة تعني أن التذمر والغضب من النظام المالي العالمي، الذي تم إقراره بعد الحرب العالمية الثانية، امتد ليشمل حلفاء أميركا، مشيرا إلى أن خطوة السعودية نحو الانضمام إلى بريكس تأتي في هذا الاتجاه".
وأضاف: "كما تأتي سياسات السعودية الخاصة بمستوى إنتاج النفط في ذات الاتجاه، إذ تبدو الرياض متحدية للإدارة الأميركية في طلباتها لرفع مستوى الإنتاج، بهدف تحقيق التوازن في أسعار النفط، وهو بالغ الأهمية بالنسبة للإدارة الأميركية، لكن السعودية لم تعره اهتماما".
ويخلص ياسين إلى أن "الاقتصاد العالمي يتغير، والسعودية تدرك ذلك وتحاول أن تلحق بركب الأطراف المرشحة لرسم معالم ومقومات الاقتصاد العالمي للمرحلة المقبلة، وفي القلب منها مجموعة بريكس، بقيادة الصين".