هكذا أصبح خط الغاز الروسي "نورد ستريم 1" شريان حياة لأوروبا

22 يوليو 2022
دخل "نورد ستريم 1" الخدمة عام 2011 بسعة ضخ تبلغ 55 مليار متر مكعب سنوياً (Getty)
+ الخط -

استأنفت روسيا أمس الخميس ضخ الغاز عبر الأنبوب بعد ترقب رافق توقف هذه العملية 10 أيام بسبب أعمال صيانة مجدولة سابقاً. لكن هذا الإجراء لم يبدد الغموض بشأن مستقبل الإمدادات، إذ إن الضخ لا يزال بكميات أدنى من المعتاد، ما يؤجج المخاوف من أزمة طاقة في الاتحاد الأوروبي هذا الشتاء.

وعلى مدى أكثر من عقد من الزمن كان خط أنابيب "نورد ستريم 1" مورّداً موثوقاً للغاز من روسيا إلى أوروبا، إلى أن بدأت موسكو غزو أوكرانيا الذي زاد منسوب التوتر في القارة والعالم. فما قصة هذا الخط وكيف أصبح هذا الخط شريان الحياة لأوروبا؟

"نورد ستريم 1" هو عبارة عن خطي أنابيب متوازيين يمتدان لمسافة 1224 كيلومتراً تحت بحر البلطيق، من فيبورغ في روسيا إلى لوبمين في شمال شرق ألمانيا. ومن هناك، تتولى شبكات أنابيب أخرى نقل الغاز الطبيعي إلى مختلف أنحاء القارة الأوروبية.

دخل الخدمة عام 2011 بسعة ضخّ تبلغ 55 مليار متر مكعب سنوياً، ما يجعله أحد أهم مصادر توريد الغاز للقارة.

تبلغ حصة شركة "غازبروم" الروسية المملوكة للدولة 51 بالمائة من خط الأنابيب، بينما تتوزع الحصص المتبقية على "إي أون" و"وينترشال دي" الألمانيتين، وغازوني" الهولندية، و"إنجي" الفرنسية.

اعتبر المشروع لفترة طويلة مثالاً للتعاون الاقتصادي بين روسيا والاتحاد الأوروبي، مع الاعتماد الكبير لدول مثل ألمانيا وإيطاليا على الغاز الطبيعي الروسي المنخفض الكلفة.

ما قبل غزو أوكرانيا ليس كما بعده

تبدّل كل شيء مع الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ في 24 فبراير/ شباط. وقبل يومين من ذلك، اتخذت ألمانيا انعطافاً حاداً في العلاقة الاقتصادية مع روسيا، بإعلانها تجميد إجراءات الترخيص لمشروع "نورد ستريم 2" الذي كان أنجز العمل فيه، ويهدف لمضاعفة واردات الغاز الروسية إلى أوروبا.

وتعرّض مشروع خط الأنابيب الموازي لانتقادات واسعة من دول مثل بولندا وأوكرانيا، خشية من أن يمنح روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين ورقة ضغط وازنة في مجال أمن الطاقة الأوروبي.

ومنذ بدء الحرب، قامت بروسيا بالحد من إمدادات الغاز أو قطعها بالكامل عن زهاء عشر دول، في خطوة ينظر إليها على نطاق واسع على أنها ردّ من موسكو على العقوبات الغربية التي فرضت عليها في أعقاب الهجوم.

وفي الأسابيع الماضية، تراجعت الامدادات عبر "نورد ستريم 1" بنحو 60 بالمائة، وتوقفت بالكامل بين 11 يوليو/ تموز و21 منه بسبب الصيانة. وعاودت "غازبروم" ضخ الغاز من الخميس، لكن بمستويات متدنية.

وبينما تقول روسيا إن خفض الامدادات يعود لغياب توربين عائد لشركة "سيمينز" الألمانية يخضع لصيانة في كندا، تتهم ألمانيا موسكو باستخدام الغاز كسلاح سياسي في مواجهة الغرب.

وفي حين يسود الاعتقاد بأن هذا التوربين بات في طريقه الى روسيا، لا تزال دول أوروبية تخشى من أن بوتين سيواصل ممارسة الضغوط عبر الامدادات.

ألمانيا تكافح لتأمين غاز الشتاء

وسينعكس قطع الإمدادات الروسية أو خفضها بشكل كبير سلباً على الاقتصادات الأوروبية. وألمانيا هي أكبر قوة اقتصادية في القارة، إلا أنها الأكثر عرضة للأثر السلبي لذلك نظراً لاعتمادها الكبير على واردات الغاز من روسيا.

وتعمل برلين، كغيرها من الدول الأوروبية، على تنويع مصادرها من الطاقة، عبر خطوات منها شراء كميات من الغاز الطبيعي المسال. الا أن ألمانيا لا تزال تستورد 35 بالمائة من حاجتها للغاز من روسيا، بانخفاض نسبته 20 بالمائة عما كان عليه الحال قبل الحرب على أوكرانيا.

وستواجه ألمانيا صعوبة في ملء خزانات تخزين الغاز بالكامل قبل بدء موسم البرد، ما لم يعد "نورد ستريم 1" إلى تزويدها بهذه المادة بكامل طاقته، ما يزيد من احتمال اللجوء الى الاقتصاد في استهلاك الطاقة. ودعا وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك مواطنيه لتقصير مدة الاستحمام وخفض مستوى التدفئة هذا الشتاء.

وحذّر صندوق النقد الدولي من أن خفض مستويات الغاز سيؤدي الى تراجع الناتج المحلي الاجمالي في ألمانيا هذا العام بنسبة 1.5 بالمئة.

إفراط أوروبي في الاعتماد على الغاز الروسي

وعلى رغم أن بعض المحللين يرون أن برلين تدفع ثمن سياسة خاطئة من خلال الافراط بالاعتماد على الغاز الروسي، فإن أي أزمة تؤدي لانكماش في القوة الاقتصادية الأكبر في أوروبا، ستردد مفاعيلها خارج حدود ألمانيا.

ومن أسباب ذلك، أن ألمانيا هي من أبرز الأطراف التي تعيد تصدير الغاز الروسي الى دول أخرى مثل النمسا والجمهورية التشيكية وسويسرا.

وحذّرت الباحثة في معهد بروكينغ، كونستانس زتلسينمولر، من أن "أزمة غاز في أكبر قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي ستسبّب قلقاً على امتداد القارة".

واقترحت المفوضية الأوروبية الأربعاء خطة تهدف إلى خفض الطلب على الغاز بنسبة 15 بالمائة لتجاوز انخفاض الإمدادات الروسية، وذلك عبر خطوات منها الحدّ من تدفئة بعض المباني وتأجيل إغلاق محطّات الطاقة النووية وتشجيع الشركات على تقليل حاجاتها.

كما يمكن لألمانيا أن تطلب من الاتحاد الأوروبي تكافل وتضامن الدول الأعضاء من خلال تشارك مصادر الوقود الأحفوري. ويقول بن ماك وليامس، المحلل المتخصص بشؤون الطاقة في معهد بروغل، إن "كميات كبيرة من الغاز تتدفق حالياً الى ألمانيا مصدرها النرويج وبلجيكا وهولندا".

(فرانس برس)

المساهمون