تزيد التقلبات المسيطرة على سوق الصرف في العراق من عزوف المواطنين عن الادخار في البنوك، بينما تتصاعد معدلات اكتنازهم العملة الأميركية وشراء الذهب للتحوط من هبوط الدينار الذي زاد سعره في السوق السوداء بنحو 30% عن السعر الرسمي قبل أسابيع.
وخلال الأشهر الماضية، سحب عدد كبير من المدخرين أموالهم، وفق محللين ماليين، بسبب التغيير الحاصل في سعر الصرف، الذي أثر كثيراً في أنماط الادخار والاستثمار في البلد، ما يعمّق من أزمة عدم ثقة المواطنين بالنظام المصرفي بسبب ضعف الرقابة وانتشار الفساد المالي والإداري وتفشي الرشوة في أغلب المؤسسات المالية، فضلاً عن عدم القدرة على سحب الأموال بيسر، في ظل تراجع البنية التحتية للأنظمة المصرفية.
ورغم وجود 81 مصرفاً في العراق، تتوزع بين 8 مصارف حكومية و24 مصرفاً تجارياً و29 مصرفاً إسلامياً و20 مصرفاً أجنبياً، إلا أن حجم الأموال المتداولة خارج القطاع المصرفي يقترب من نحو السيولة في الدولة حيث شهد تزايداً لافتاً في السنوات الثلاث الأخيرة، ليصل وفق جهات متخصصة في الأبحاث الاقتصادية إلى 70 تريليون دينار حتى منتصف العام الماضي.
ولا توجد إحصاءات دقيقة لحسابات المواطنين وحجم الادخار والودائع في البنوك، بسبب عدم إصدار البنك المركزي العراقي التقرير السنوي للاستقرار المالي لعام 2022 الذي شهد متغيرات مالية كبيرة، حيث أشار البنك في تقريره الأخير لعام 2021 إلى أن إجمالي حجم الودائع المصرفية بلغ 96 تريليون دينار، بزيادة نسبتها 13.1% عن 2020، إذ يشير خبراء مصرفيون إلى أن معظم هذه الأموال عبارة عن ودائع حكومية وتحويلات رواتب للموظفين، بالإضافة إلى الحسابات الجارية للوزارات وبعض الشركات التي تعمل داخل العراق، فيما لا تتجاوز نسبة المواطنين في هذه الإيداعات 10% فقط.
وقال المختص في الشأن المالي، أحمد صباح، إن هناك أسباباً كثيرة أدت إلى انخفاض حجم الودائع وسحب الادخارات من البنوك خلال الفترة الماضية، حيث فقد الكثير من المواطنين والشركات الثقة بالمصارف، لما تتبعه من إجراءات وبيروقراطية أثرت كثيراً بمستوى الإيداع والادخار والتعامل البنكي، ومن بين هذه الإجراءات طبيعة التعامل مع الزبائن من جهة، وعدم سهولة سحب المودعين لأموالهم عند الحاجة.
وأضاف صباح لـ"العربي الجديد" أن نسبة الشمول المالي في العراق لا تتجاوز 21%، وهذه النسبة متدنية جداً قياساً بما تشهده بلدان المنطقة والمحيط الإقليمي من تقدم وتطور في الأنظمة المالية والمصرفية، مشيراً إلى أن السبب الجوهري في فقدان ثقة المواطنين بإيداع أموالهم لدى البنوك يعود إلى انخفاض قيمة الدينار، ما دفع نسبة كبيرة منهم إلى تحويل أموالهم إلى مدخرات نقدية بالعملة الصعبة ومصوغات ذهبية والاحتفاظ بها في منازلهم.
وسجل سعر صرف الدولار في بورصة الكفاح والحارثية التي تضم شركات الصرافة في بغداد، أمس الخميس، نحو 1570 ديناراً للدولار الواحد، بفارق 260 ديناراً عن السعر الرسمي الذي حدده البنك المركزي.
ورغم مرور أكثر من شهر كامل على إقرار الحكومة حزمة من القرارات المالية لمواجهة تراجع الدينار، أبرزها تحديد قيمة العملية الوطنية عند 1310 دنانير للدولار الواحد، إلا أن الفارق ما زال واسعاً بين السعر الرسمي والسوق الحرة.
وخسرت العملة العراقية أكثر من 30% من قيمتها خلال يناير/ كانون الثاني الماضي، لتصل إلى 1700 دينار للدولار الواحد، قبل أن تتخذ الحكومة عدة قرارات ساهمت في كبح الهبوط، إلا أن استمرار الطلب المرتفع على الدولار من قبل التجار ورجال الأعمال إلى جانب المسافرين العراقيين إلى الخارج، يسهم في استمرار المضاربات.
بدوره، قال الباحث الاقتصادي، عمر الحلبوسي، لـ"العربي الجديد"، إن هناك ادعاءات وبيانات تصدر أرقاماً غير حقيقية في حجم الإيداعات النقدية، لغايات كثيرة، منها تسويقية لرفع أسهم بعض البنوك، أو للتغطية على عمليات الربح الذي تجنيه من عمليات يكون بعض منها مخالفاً لقانون البنك المركزي، وفيها شبه غسل الأموال والمضاربة في العملات. ولإعادة الثقة بين المودعين والبنوك، شدد الحلبوسي على أهمية فرض رقابة شديدة على المصارف وحماية أموال المودعين وتسهيل التعاملات لتشجيع الادخار.
ويواجه الكثير من المودعين صعوبات كثيرة تتعلق بإجراءات الإيداع والسحب، ما دفع بعضهم إلى سحب أموالهم واكتنازها في منازلهم أو إيداعها في بنوك بالخارج لتسيير أعمالهم.
وقال ماهر العسافي، وهو أحد التجار، إنه لا يرغب في إبقاء أمواله في البنوك العراقية، لعدم توافر آليات ووسائل السحب والإيداع إلكترونياً، فضلاً عن عدم ثقته بعمليات التحويل المالي عبرها.
وأضاف العسافي لـ"العربي الجديد" أن تحويلاته المالية من أجل شراء البضائع من الخارج تجري من طريق مكاتب التحويل الرسمية التي تعتبر أفضل وأسرع وأكثر أماناً من المصارف الحكومية، على حد قوله.