اضطرت الحكومة الجزائرية للتدخل من أجل كبح ظاهرة ندرة الأدوية في الصيدليات، التي باتت تلازم المشهد الصحي في البلاد منذ سنوات، وسط استمرار الخلاف بين وزارة الصناعة الصيدلانية والأدوية من جهة والمنتجين والمستوردين من جهة أخرى، ما ينذر بتفاقم الأزمة وتهديد صحة الجزائريين.
وألزمت الحكومة الجزائرية جميع الشركات الصيدلانية للتصنيع، الاستيراد والتوزيع بالجملة، بتوجيه كل الكميات من الأدوية التي تشهد "ضغطا" والمتوافرة في المخزون، إلى الصيدليات، وذلك في إطار العمل على توفير الأدوية، بعد الرسائل والتنبيهات الواردة من المرصد الجزائري لليقظة وتوفير المواد الصيدلانية التابع للوزارة.
وأمهلت الحكومة حسب الوثيقة ذاتها، شركات إنتاج الأدوية والمستوردين، مدة خمسة أيام لتوجيه كل الكميات من الأدوية التي تشهد طلباً والمتوفرة في المخزون لتصبح متاحة أمام المواطنين، ودعت الحكومة المنتجين والمستوردين على السواء إلى ضرورة احترام البرامج التقديرية للإنتاج والتسليم، مهددة إياهم بإرسال فرق تفتيش للوقوف على مدى احترام الشركات المعنية لقرارات الحكومة، كما حذرتهم من المضاربة والاحتكار والبيع المشروط.
وتعد هذه المرة الأولى التي تعترف فيه الحكومة الجزائرية بوجود ندرة في الأدوية في الصيدليات، ولكن من دون أن تحدد أنواع الأدوية المعنية بالندرة، بعدما كانت تسارع إلى نفي ما تكشفه نقابات المنتجين والصيادلة فيما يتعلق باختفاء الأدواء من السوق. وتفاقمت أزمة ندرة الأدوية في الجزائر، متأثرة بسياسة كبح الواردات وتواصل انتشار فيروس كورونا وانعكاساته.
إذ كشف مسؤولون في قطاع الصيدلة، عن اختفاء نحو 200 دواء من الأسواق، في ظل تأخير الإفراج عن الرخص التي يتم بموجبها استيراد الأدوية، وكذلك المواد الأولية للتصنيع. ودق مستوردون ومصنعون محليون وحتى الصيادلة ناقوس الخطر من اقتراب نفاد مخزون الأمان من الأدوية بعدما لجأوا إلى السحب منه لتلبية احتياجات السوق.
وقال رئيس النقابة الجزائرية للصيادلة الخواص (القطاع الخاص)، مسعود بلعمبري، إن "قائمة الأدوية المختفية تشمل مستحضرات منتجة محليا، على غرار حقن مضادة للالتهاب والمضادات الحيوية، وأدوية القلب وأخرى مستوردة".
وأضاف بلعمبري لـ "العربي الجديد" أن "النقابة حذرت نهاية مارس/آذار المنصرم من ندرة 210 أدوية من على رفوف الصيدليات، وطالبنا الحكومة بتقسيم جهودها بين مكافحة كورونا بعد تراجع نسبة الاصابات، والاستمرار في توفير الأدوية خاصة للأمراض المزمنة والقاتلة، وإلا فإن النتيجة ستكون إما الموت بـ "كوفيد 19" أو الموت بأمراض أخرى مثلا السرطان بعد أن ضيع مرضى مواعيد العلاج الكيميائي بسبب نقص الأدوية".
ووفق رئيس النقابة الجزائرية للصيادلة فإن "الحكومة عطلت كثيرا منح رخص الاستيراد خاصة المواد الأولية، بسبب الخلافات بين وزارة التجارة بصفتها المسؤولة عن التجارة الخارجية والاستيراد ووزارة الصناعات الصيدلانية، وكانت للأدوية المخصصة لعلاج كورونا الأولوية في الاستيراد، ما أحدث خللا في عمليات الاستيراد، وتعد هذه المرة الأولى التي تعترف فيها الحكومة الجزائرية بوجود ندرة في معروض الأدوية، بعدما كانت تنفي تحذيراتنا في الماضي".
وباتت ندرة الأدوية على رفوف الصيدليات، ظاهرة اعتاد عليها الجزائريون، ولا ترتبط أساسا بتفشي "كوفيد 19"، إذ بدأت الظاهرة منذ فرض الحكومة قيوداً على عمليات الاستيراد وإخضاعها لرخص إدارية منذ مطلع عام 2015، بعد تهاوي عائدات النفط بحوالي ثلثي الحجم المعتاد. وتجد أسواق الجزائر صعوبة في ضبط نفسها، منذ بداية السنة، وهذا بفعل ندرة في المواد الاستهلاكية الزراعية والصناعية بصفة دورية.
وانتقلت الندرة بمرور الأشهر من رفوف المحلات والأسواق إلى رفوف الصيدليات، ما دفع الجزائريين لخوض سباق يومي مع الزمن من أجل تأمين قوت ودواء عائلاتهم، وسط جمود حكومي محير، وتقاذف للمسؤولية بين التجار في مختلف سلاسل العملية التجارية، ليبقى المواطن وحده الضحية. وفي السياق أكد محمود بن عزوز مسير مصنع لإنتاج الأدوية شرق البلاد أن "الحكومة تخاطب المنتجين والمستوردين والموزعين كما وأنها لا تعرف أين هو المشكل ولا ما هي أسباب الندرة، فيما أصل المشكل بقراراتها الادارية التعسفية المعرقلة.
ويجب أن نذكر شيئاً مهماً وهو أن وزير الصناعات الصيدلانية عبد الرحمان جمال لطفي بن باحمد، هو مالك أحد أكبر مصانع إنتاج الأدوية، ولا يمكنه أن يكون خصماً ومنافساً وحكماً في نفس الوقت". وأضاف المتحدث لـ "العربي الجديد" أن "لا المهلة التي وضعتها الحكومة ولا تهديداتها ستقضي على الندرة، لأن المشكل أعمق ويتعلق بسياسة وطنية للصحة والأدوية هي غائبة اليوم أو غُيبت لمصلحة بعض الأطراف".