نائب ترامب يؤكد سعيهما للسيطرة على سعر الفائدة

12 اغسطس 2024
جيه دي فانس، المرشح نائباً لترامب - ولاية جورجيا الأميركية 3 أغسطس 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تدخل السياسة في تحديد سعر الفائدة**: جيه دي فانس يدعو لإشراك الرئيس في تحديد سعر الفائدة، مما يعكس رغبة ترامب في التأثير على قرارات البنك الفيدرالي، مما أثار جدلاً حول استقلاليته.

- **تاريخ استقلالية البنك الفيدرالي**: البنك الفيدرالي أنشئ ككيان مستقل لضمان الاستقرار الاقتصادي بعيداً عن الضغوط السياسية، مع محاولات نادرة للتدخل من بعض الإدارات مثل إدارة نيكسون.

- **مخاطر تسييس البنك الفيدرالي**: تسييس البنك قد يؤدي إلى قرارات قصيرة الأجل تضر بالاقتصاد، بينما استقلاليته تتيح له اتخاذ قرارات طويلة الأجل بعيداً عن الضغوط الانتخابية.

سائراً على درب "مديره"، أكد جيه دي فانس، المرشح نائباً للرئيس السابق والمرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترامب، إصرار الرجلين على أن سياسة سعر الفائدة الأساسي ينبغي أن "تكون مستنيرة بالتفويضات السياسية"، وهو ما يعني خلق دور لساكن البيت الأبيض في مباحثات تحديد سعر الفائدة بالولايات المتحدة، والذي يقوم به بصورة حصرية حالياً أعضاء مجلس الاحتياط الفيدرالي.

وأثار ترامب الدهشة، الأسبوع الماضي، حين ألمح، خلال واحدة من حملاته الانتخابية، إلى الموعد الذي يرغب في خفض سعر الفائدة الرئيسي فيه، فيما اعتبره البعض إشارة إلى أن فترة ولاية جديدة لرئيس البنك جيروم باول قد تكون على المحك إذا لم يكن قراره متوافقاً مع أهواء ترامب.

وأيد زميل ترامب على تذكرة الترشح، السيناتور فانس من ولاية أوهايو، هذه الدعوة، أمس الأحد، مدعياً أن السياسة النقدية، التي تشمل سعر الفائدة ضمن أشياء أخرى، ينبغي أن تكون "في الأساس قراراً سياسياً"، وهو ما سيكون من شأنه، باعتراف فانس نفسه، أن يشكل انحرافاً واضحاً عن القاعدة.

وجرى إنشاء بنك الاحتياط الفيدرالي كياناً مستقلاً منذ أكثر من قرن من الزمان. وتاريخياً، اتفق الرؤساء من كلا الحزبين على الحفاظ على استقلال بنك الاحتياط الفيدرالي، وهو ما يبدو أن المرشحَين الجمهوريَين لعام 2024 عازمان على إعادته إلى طاولة المفاوضات. ولم يكن استقلال البنك الفيدرالي وليد الصدفة، حيث صُمم ليكون غير حزبي، من أجل ضمان الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل، وحمايته من التعرض لضغوط من قِبَل إدارة تبحث عن فوز تتفاخر به.

وحاول العديد من شاغلي البيت الأبيض التأثير على البنك الفيدرالي أو التشكيك في استقلاليته، إلا أن جهودهم ذهبت أدراج الرياح في أغلب الحالات. ولعل التوتر بين مجلس إدارة الفيدرالي الأميركي والمكتب البيضاوي كان في أسوأ حالاته في عهد إدارة نيكسون، الذي حاول التدخل بصورة غير مباشرة في قرارات البنك، إلا أن خطواته تعرضت لانتقادات متكررة من قِبَل خبراء الاقتصاد ومحللي "وول ستريت"، وأعضاء مجلس الاحتياط الفيدرالي السابقين، والسياسيين الآخرين.

وحتى العام الجاري، كانت استقلالية البنك الفيدرالي قضية لا تجري مناقشتها كثيراً بسبب الاتفاق الواسع النطاق على اليسار واليمين، على أن إخضاع البنك لمصالح الرئيس لم يؤد في أي وقت إلى نتائج إيجابية. ولكن في مقابلة مع شبكة "سي أن أن" الإخبارية خلال عطلة نهاية الأسبوع، قال فانس: "سواء اتفقنا أو اختلفنا، يجب أن يكون لدينا قادة منتخبون في أميركا لديهم مدخلات حول أهم القرارات التي تتخذها البلاد، ومنها بالتأكيد قرار سعر الفائدة".

وقال: "سيكون تغيير كبير، ولكن ما إذا كانت البلاد ستذهب إلى الحرب، وما هي أسعار الفائدة لدينا، هي أسئلة مهمة يجب أن يكون للديمقراطية الأميركية إجابات عنها، وأعتقد أن كل ما يقوله الرئيس ترامب هو: "انظر، إنه لأمر غريب أن يكون لديك الكثير من البيروقراطيين يتخذون العديد من القرارات المهمة".

وبينما يعزو فانس تعليقات ترامب إلى التزامه بالديمقراطية، كان ترامب أكثر صراحة، حيث قال ببساطة إن الرئيس يجب أن يكون له نفوذ أكبر على بنك الاحتياط الفيدرالي. والأسبوع الماضي، قال ترامب إنه يجب أن يكون له رأي لأنه "كسب الكثير من المال"، ولديه "غرائز أفضل" من باول. ومن ناحية أخرى، يتعارض موقف فانس، الذي يرى أن البنك الفيدرالي ليس سياسياً بما فيه الكفاية، مع انتقادات رئيسه المحتمل التي أطلقها في وقت سابق، واشتكى فيها من أن البنك الفيدرالي "سياسي للغاية".

وكان باول حريصاً على الانفصال تماماً عن المشاحنات السياسية، رغم انتمائه للحزب الجمهوري من قبل وصوله إلى المنصب الأعلى في البنك المركزي الأكبر في العالم. وسحب باول نفسه من المناقشات الأسبوع الماضي، مكتفياً بالقول: "نحن وكالة غير سياسية، ولا نريد أن نتدخل في السياسة بأي شكل من الأشكال".

وفي جميع أنحاء العالم (المتقدم)، يجري تحديد أسعار الفائدة، إلى حد كبير، من قبل البنوك المركزية المستقلة، وعادة ما يكون الهدف هو السيطرة على التضخم و/أو تعظيم فرص العمل. وتجدر الإشارة إلى أن كل دولة من دول مجموعة السبع لديها هيئة مستقلة تقرر سعر الفائدة الأساسي. لكن يبدو أن فانس حريص على كسر التقاليد، إذ قال أمس الأحد: "إذا كان الشعب الأميركي لا يحب سياسة أسعار الفائدة لدينا، فيجب عليهم انتخاب شخص مختلف لتغيير هذه السياسة".

ويتمثل خطر تغيير أسعار الفائدة من خلال الانتخابات في أنه خلال فترة التضخم، مع ارتفاع الأسعار، قد يرفض المواطنون التصويت لزيادة تكلفة الأموال، من خلال زيادة سعر الفائدة، على الرغم من أن القيام بذلك يكون أحياناً شراً لا بد منه لإعادة التوازن بين العرض والطلب وخفض الأسعار بشكل عام. وقال فانس: "لا ينبغي أن يكون هناك شيء فوق المناقشة الديمقراطية في هذا البلد عندما يتعلق الأمر بالأسئلة الكبرى التي تواجه الولايات المتحدة".

وحقيقة الأمر أن بنك الاحتياط الفيدرالي ليس "فوق" المناقشة الديمقراطية، فهو يجري اختيار رئيسه من قِبَل الرئيس، إلا أن قراراته وتدخلاته وحتى تصريحاته تقررها بشكل مستقل لجنة من خبراء الاقتصاد من مختلف أنحاء الولايات المتحدة. وكما قال دونالد كون، نائب رئيس البنك الفيدرالي السابق لغولدمان ساكس في ورقة بحثية عام 2019: "من الأهمية بمكان أن يكون لدينا مجموعة من الأشخاص الذين يحللون الاقتصاد فيما يتصل بالأهداف طويلة الأجل للسياسة الاقتصادية، لأن السياسيين يكون عادة لديهم إطار زمني أقصر بكثير في الاعتبار مما يتفق مع تحقيق هذه الأهداف".

وأوضح كوهن أن "الساسة ينظرون إلى الانتخابات المقبلة، وفي نيتهم الضغط على دواسة الوقود بأكبر قدر ممكن لتعظيم فرصهم في الفوز بالانتخابات المقبلة، ثم القلق بشأن العواقب في وقت لاحق". وأشار إلى أن الممثلين المنتخبين "كانوا حكماء للغاية عندما أدركوا أوجه القصور المحتملة لديهم، وأنشأوا بنكاً مركزياً مستقلاً يتمتع برؤية ذات مدى أطول في صنع السياسات".

ويقول تايلر كاون، أستاذ الاقتصاد في جامعة جورج ماسون، في مقال رأي في بلومبيرغ، إن بنك الاحتياط الفيدرالي يمكن أن يتحمل قدراً أكبر من المسؤولية عن قراراته من خلال عملية مراجعة من جانب السلطة التنفيذية، كما هي الحال بالنسبة لإدارة الضمان الاجتماعي ولجنة الأوراق المالية والبورصة. ويضيف: "على أقل تقدير، يمكن للسلطة التنفيذية أن تضع مثل هذه الميزانية وتقاتل من أجلها. وإذا فعل الرئيس، سواء كان ترامب أم لا، ذلك، فسيكون دليلاً على أنه جاد بشأن الاستقرار النقدي. وإلا، فمن الآمن أن نفترض أن أي خطط للبنك الفيدرالي، مهما كانت غير معقولة، لا تعدو كونها مجرد محاولة أخرى خرقاء للاستيلاء على السلطة"، كما كتب كاون.

ونشر البيت الأبيض تحليلاً حول أهمية بقاء البنك الفيدرالي كياناً مستقلاً. وفي مايو/أيار من هذا العام، كتب مجلس المستشارين الاقتصاديين التابع للبيت الأبيض: "إن مصداقية البنك المركزي تتعزز من خلال استقلاله، وهذه المصداقية تشكل أيضاً مفتاحاً للحفاظ على التوقعات طويلة الأجل الراسخة. وعندما تقوض المصداقية من خلال النفوذ السياسي، يصبح الناس والشركات وغيرهم ممن يحددون الأسعار أقل ميلاً إلى تصديق التزام البنك المركزي بخفض التضخم، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى ارتفاع التضخم".

ومن جانبهم، لم يفقد محللو "وول ستريت" ثقتهم في مصداقية بنك الاحتياط الفيدرالي بعد، وفقاً لبول دونوفان، كبير خبراء الاقتصاد في إدارة الثروات العالمية في بنك الاستثمار يو بي إس. وقال دونوفان يوم الجمعة في مذكرة اطلعت عليها "العربي الجديد": "قد يكون من الممكن أن تختار الأسواق عدم تسعير خطر تقويض استقلال البنك الفيدرالي. ويبدو أن المستثمرين كانوا يميلون إلى رفض سياسات ترامب ذات النتائج الاقتصادية الأكثر تطرفاً، باعتبارها حالة من عدم جدية الرئيس السابق". ولكنه أضاف: "إذا كان هناك دليل على أن ترامب كان جاداً بشأن هذه السياسات، فمن المحتمل أن تتفاعل الأسواق".

المساهمون