استمع إلى الملخص
- تسعى الحكومة لخفض كتلة الأجور إلى 12.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2026، رغم توقيع اتفاق لزيادة الأجور بنسبة 3.5% في 2022، مما يثير قلق الموظفين.
- تحاول السلطات تحسين القدرات المالية عبر تعديل بنود ضريبية، لكن الخلافات مع الاتحاد العام التونسي للشغل تستدعي الحوار لتحقيق تحسينات في الأجور.
يعوّل التونسيون على تحسين وضعهم المعيشي عبر الحصول على زيادات جديدة في الرواتب، بعد أن تسبب التضخم خلال العامين الماضيين في التهام الزيادات التي راكموها في سنوات ماضية. لكن الأرقام الواردة في قانون الموازنة لعام 2025 لا تكشف عن أي نية للحكومة لإقرار تعديل جديد في الرواتب، حيث تتجه الحكومة خلال العامين القادمين إلى خفض كتلة الأجور والنزول بها إلى مستوى 12.5% من الناتج المحلي الإجمالي، في أفق عام 2026.
وتعتبر سلطات تونس أن زيادة الرواتب كانت من بين أسباب انفجار كتلة الأجور التي تضخمت إلى 16% من الناتج المحلي عام 2020، قبل أن تبدأ الحكومة في حوكمتها عبر تجميد التوظيف في القطاع الحكومي والسيطرة على الزيادات الدورية في الرواتب.
ويعود آخر اتفاق لتعديل الأجور وقّعته الحكومة مع الاتحاد العام التونسي للشغل إلى سبتمبر/أيلول 2022، حيث توصلت الحكومة حينها إلى اتفاق مع اتحاد الشغل (النقابة العمالية الأكثر تمثيلا) يقضي بزيادة أجور القطاع العام بواقع 3.5%، يغطي سنوات 2023 و2024 و2025.
ويترقب موظفو تونس الحصول على القسط الأخير من هذه الزيادة في يناير/كانون الثاني القادم، بينما يسعى الاتحاد العام التونسي للشغل لفتح الباب مجدداً أمام جولة جديدة من المفاوضات الاجتماعية، بعد أن دفعت الحكومة سابقا إلى إقناعه بتجميد المفاوضات نحو عامين.
ورغم الهدنة الاجتماعية التي فرضتها الظروف الاقتصادية للبلاد، لا يكفّ الاتحاد العام التونسي للشغل عن المطالبة باستئناف حوار اجتماعي يفضي إلى تعديل جديد للرواتب تحت ضغط قواعده العمالية التي تطمح إلى مكاسب مادية جديدة.
ويعتبر حسن رمضاني (48 عاما) وهو موظف في مؤسسة حكومية أن اتحاد الشغل مدعو إلى المطالبة بزيادات جديدة في الأجور، باتت ضرورية بالنسبة للعاملين في القطاعين الحكومي والخاص في ظل الظروف الراهنة، مؤكدا أن شريحة الموظفين تتداعى سريعاً إلى الفقر بسبب غلاء الأسعار والاستدانة المفرطة من جانب أغلب الأسر.
وقال رمضاني لـ"العربي الجديد" إن الراتب لم يعد صمام أمان لأغلب شرائح المجتمع، أو ما يعرف في تونس بالطبقة الوسطى، نتيجة عجز هذه الأجور التي يتقاضاها الموظفون عن تغطية الاحتياجات الأساسية للعائلات. ورغم تباطؤ التضخم في الشهور الأخيرة، وفق البيانات الرسمية، إلا أن الكثير من الأسر تشكو من وطأة تراجع القدرات الشرائية.
وسجل معدل التضخم السنوي في تونس، خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، 6.6% بحسب الأرقام التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء الخميس الماضي. وفي فبراير/شباط 2023، بلغ التضخم قمة 30 عاماً عند مستوى 10.4%، بحسب البيانات التاريخية لتضخم أسعار المستهلك المسجلة في البلاد.
وعانت البلاد أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا، ثم ارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية، إثر اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير/شباط 2022. وكشفت بيانات رسمية لمعهد الإحصاء الحكومي أن معدل الرواتب الشهرية لنحو 670 ألف تونسي يعملون في القطاع الحكومي لا يتجاوز 1387 دينارا للفرد (450 دولاراً) شهريا، ينفقون 40% منها على الطعام والتنقل.
ويقر الاتحاد العام التونسي للشغل بصعوبة الواقع المعيشي للموظفين، ما يستدعي العودة إلى المفاوضات حول زيادات جديدة للرواتب، في أقرب الآجال. وقال الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي، إن المنظمة النقابية التزمت بمقتضيات الاتفاق الذي وقّعته في سبتمبر/أيلول 2022، وفي المقابل تطالب الطرف الحكومي بالإيفاء بالتزاماته في تطبيق مجمل الاتفاقات الموقعة بما يسمح بتحسين أجور التونسيين.
وأكد الطبوبي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن ما صُرف لفائدة الموظفين من أقساط الزيادات لا يرتقي إلى مستوى زيادات في الرواتب، بقدر ما هو تعديل للمقدرة الشرائية المتآكلة بفعل تداعيات التضخم. وأشار إلى وجود خلافات مع الحكومة يمكن تجاوزها عبر الجلوس إلى طاولة الحوار، لافتا إلى أن غلق باب الحوار سيجبر النقابات على الدفاع عن حقوق الموظفين داخل الأطر المشروعة للعمل النقابي. وتحدّث أيضا عن تنكّر الحكومة لبند مهم في اتفاق عام 2022 ينص على عقد جلسات تقييمية لفاعلية التعديل في الأجور من عدمها.
في المقابل، تحاول سلطات تونس إيجاد حلول لزيادة القدرات المالية للموظفين خارج الأطر التقليدية للمفاوضات الاجتماعية الدورية مع الاتحاد العام التونسي للشغل التي تجرى كل 3 سنوات، عبر تعديل بنود ضريبية في موازنة العام المقبل، تهدف إلى تخفيف أعباء ضريبة الدخل على شريحة من الموظفين، مقابل زيادتها بنسبة تصل إلى 40% لمن يتجاوز دخلهم السنوي 70 ألف دينار.
ويقع تصنيف أغلب موظفي القطاع الحكومي ضمن قائمة الأجراء المعنيين بتخفيف عبء الضرائب، باعتبار أن معدل الدخل السنوي لشريحة واسعة منهم يتراوح بين 20 و25 ألف دينار (6.5 آلاف دولار و8 آلاف دولار). ولا تكشف أرقام الموازنة عن نية السلطات زيادة الرواتب خلال العامين القادمين، حيث تتجه الحكومة إلى مواصلة سياسة التحكم في نسبة كتلة الأجور من الناتج المحلي الإجمالي، لتبلغ 13% في مطلع 2025 مقابل 13.5% منتظرة في العام الحالي، قبل النزول بها إلى 12.6% في 2026.