للمرة الثانية في أقل من عام ونصف العام، يلجأ البنك المركزي الروسي لسياسة الرفع الحاد لسعر الفائدة في اجتماع استثنائي عقده أمس، لتزيد من 8.5% إلى 12%، وتأتي الخطوة بعد يوم على قفزة سعر الدولار إلى أكثر من 100 روبل ببورصة موسكو، لأول مرة منذ مارس/آذار 2022.
ووفق مصادر روسية، فقد رفع البنك المركزي سعر الفائدة بنسبة 3.5% دفعة واحدة، بعد الاجتماع غير الدوري، في خطوة تهدف لمحاربة التضخم ودعم الروبل الروسي.
وعقب رفع سعر الفائدة قلص الروبل خسائره في التعاملات الصباحية، أمس الثلاثاء، بعد هبوط عاصف تعرض له، الاثنين، أمام الدولار، مسجلاً أدنى مستوى له في نحو 16 شهراً.
وارتفعت العملة الروسية بنسبة 5.46% في افتتاح التداولات في بورصة موسكو، لتصل إلى 92.6 روبلاً للدولار، وزادت بنسبة 3.18% أمام اليورو لتصل إلى 103.75، وفق وكالة تاس.
ويوم الاثنين اقترب الدولار من مستوى 103 روبلات، وهو أعلى مستوى منذ فبراير/شباط 2022، ما دعا البنك المركزي الروسي إلى الإعلان عن عقد اجتماع طارئ، أمس، لدعم العملة الوطنية، الأمر الذي منح الروبل دفعة لتقليص خسائره.
ويعتبر كبير المحللين في مجموعة "تيلي تريد" الروسية للتداول، مارك غويخمان، أن الرفع الحاد لسعر الفائدة يشكّل رسالة تصدرها السلطات المالية الروسية برفضها تجاوز الدولار العتبة النفسية المهمة لـ 100 روبل، مشيراً في الوقت نفسه إلى بقاء عوامل أخرى ستشكل ضغطاً على العملة الروسية في الفترة المقبلة.
ويقول غويخمان في حديث لـ"العربي الجديد": "الـ100 روبل هي عتبة رمزية ونفسية وفنية مهمة، ولذلك أدى تجاوزها إلى انعقاد اجتماع طارئ للمصرف المركزي الروسي، أسفر عن زيادة حادة للفائدة، من شأنها تبريد السوق، والحد من انفعالات اللاعبين بها".
ويلفت إلى أن البنك المركزي فسر قراره بحرصه على الحد من المخاطر على استقرار الأسعار، حيث إن تراجع سعر صرف الروبل يساهم مجتمعاً مع غيره من العوامل في ارتفاع وتيرة التضخم.
ويتوقع غويخمان ألا يقفز الدولار إلى مستوى الـ100 روبل مرة أخرى في الفترة المقبلة، مضيفاً: "أصدر المصرف المركزي والحكومة رسالة مفادها أن صعود الدولار إلى هذا المستوى أمر غير محبذ، فأضعفا بواسطة رفع الفائدة عدداً من عوامل تراجع الروبل".
ومع ذلك، يقر غويخمان بأنه لا تزال هناك عوامل أخرى تشكل ضغطاً على الروبل، بما فيها تراجع عوائد بعض السلع التصديرية، وعجز الموازنة، وتراجع تدفقات العملة الأجنبية، خاصة أنه تقابلها عوامل أخرى مثل زيادة الطلب على الواردات، وخروج العملة الأجنبية من البلاد، منتهياً إلى أنه لا يمكن تحييد مفعولها بواسطة رفع الفائدة وحده.
وفي الساعات القليلة التي تلت اجتماع المصرف المركزي أمس، استقر سعر الدولار ببورصة موسكو عند مستوى نحو 98 روبلاً، ولكن دون أن يعود إلى المستويات دون 93 روبلاً التي انخفض إليها في التعاملات الصباحية على واقع ترقب الاجتماع ونتائجه.
وحتى مع الارتفاع المسجل، أمس، للعملة الروسية فإنها قد خسرت نحو 30% من قيمتها منذ بداية العام الجاري، حيث أغلقت تداولات عام 2022 عند نحو 71 روبلاً للدولار. وجرى تسجيل أدنى مستوى تاريخي للروبل في 10 مارس/ آذار 2022، حين بلغ سعر صرف الدولار 121.5 روبلاً.
وقال دميتري بابين، الخبير في شركة "بي كا إس عالم الاستثمار"، إن "انعدام التوازن بين الطلب على العملة الأجنبية وعرضها يواصل الضغط على الروبل"، موضحاً أن تراجع عوائد التصدير أسفر عن النقص في تدفق العملة إلى السوق الداخلية.
وأضاف بابين في تقرير على موقع الشركة الإلكتروني، أن الاستيراد يبقى عند مستويات عالية نسبياً، وهو ما يدعم الطلب المرتفع على العملة الأجنبية، بالإضافة إلى إخراج روس وأجانب أموالهم إلى الخارج بعد بيعهم أصولهم.
وتعود المرة الأولى للرفع غير المسبوق للفائدة إلى نهاية فبراير/شباط 2022، حين رفع المصرف المركزي سعر الفائدة من 9.5 % إلى 20% دفعة واحدة لجذب الأموال الساخنة إلى المنظومة المالية الروسية في ظروف المخاطر الجيوسياسية، بالتزامن مع فرض عقوبات غربية غير مسبوقة على روسيا، وتجميد أصولها المودعة لدى الغرب في الأيام الأولى، بعد بدء الحرب المفتوحة في أوكرانيا.
كما يعد رفع سعر الفائدة، أمس، هو الثاني في أقل من شهر، إذ قرر المصرف المركزي الروسي في يوليو/تموز الماضي، رفعها بنسبة 1% إلى 8.5%، وذلك بعد نحو عشرة أشهر من الاستقرار عند مستوى الـ7.5%. وتوقع المصرف وقتها أن يستمر التضخم في الارتفاع، وأن انخفاض الروبل يزيد من المخاطر.
ويبدو أن أزمة الروبل انتقلت لمقر الكرملين، ففي مقال رأي لوكالة "تاس" الحكومية، ألقى المستشار الاقتصادي للرئيس فلاديمير بوتين، مكسيم أوريشكين، يوم الاثنين، باللوم في ضعف الروبل على "السياسة النقدية الفضفاضة"، مضيفاً أن البنك المركزي لديه "جميع الأدوات اللازمة" لتحقيق الاستقرار في الوضع، وأنه يتوقع العودة إلى الوضع الطبيعي قريباً.
وتضمن المقال، انتقادات مبطنة للبنك المركزي الروسي، حيث ألقى أوريشكين باللوم في انخفاض الروبل على عاتق البنك، وقال إن السياسة النقدية التيسيرية أدت إلى طلب إضافي على الديون بقيمة 12.8 تريليون روبل، وهو ما أدى إلى زيادة الضغوط في الاقتصاد.
لكن البنك المركزي الروسي، قال إن الروبل يتعرض لضغوط من عوامل أخرى، من بينها انخفاض حجم الصادرات، وزيادة الطلب الداخلي على الواردات وسط زيادة الاقتراض الحكومي، حسبما ذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز".
وكان بنك روسيا قد أعلن الأسبوع الماضي، وقف مشتريات العملات الأجنبية في السوق المحلية لبقية العام الجاري لدعم الروبل، مضيفاً أنه سيواصل بيع العملات الأجنبية، للحد من تقلبات الأسواق المالية.
ومن خلال زيادة تكاليف الاقتراض وزيادة الفائدة، يسعى البنك المركزي إلى مكافحة ارتفاع الأسعار، مع زيادة الواردات والصادرات الروسية، خاصة النفط والغاز الطبيعي، في ظل زيادة الإنفاق الدفاعي، وفرض العقوبات الغربية.
وكان نائب رئيسة المصرف المركزي الروسي، أليكسي زابوتكين، قد شدد، في مؤتمر صحافي عقد يوم الجمعة الماضي، حول الاتجاهات الرئيسية للسياسة النقدية والائتمانية للدولة، على أن ديناميكية عمليات التصدير والاستيراد جاءت عاملاً حاسماً لتراجع العملة الروسية.
وأشار زابوتكين حينها إلى أن قيمة الصادرات الروسية حالياً أقل بمقدار الثلث تقريباً، مقارنة مع النصف الثاني من العام الماضي، بينما ازدادت قيمة الواردات، لافتاً إلى أن رواية تراجع الروبل على أثر انسحاب رؤوس الأموال لا أساس لها من الصحة.
وانخفضت عائدات روسيا من النفط والغاز بأكثر من الربع خلال يونيو/ حزيران الماضي، وفقاً لبيانات صادرة عن وزارة المالية أوردتها وكالة بلومبيرغ.
وأشارت الوزارة إلى أن دخل الميزانية من ضرائب النفط والغاز تراجع بنسبة 26% في يونيو/ حزيران، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، إلى ما يقرب من 529 مليار روبل (5.84 مليارات دولار).
وتراجعت عائدات ضرائب الغاز بنسبة 54% إلى 125.7 مليار روبل، فيما انخفضت عائدات النفط الخام والمنتجات البترولية، التي تمثل أكثر من 76% من عائدات الهيدروكربونات، بما يقرب من العُشر إلى 402.8 مليار روبل، وفقاً لحسابات وكالة بلومبيرغ الأميركية.