موجة هبوط جديدة لعملات الأسواق الناشئة أمام الدولار الجامح

28 فبراير 2023
صعود الدولار يزيد أعباء الدول المثقلة بالديون (فرانس برس)
+ الخط -

مرت العديد من الأسواق الناشئة بهدنة وجيزة في مواجهة ضربات الدولار الجامح، استمرت قرابة ثلاثة أشهر ماضية، لكن سرعان ما تجددت التقلبات في سوق الصرف في الكثير من تلك الأسواق، وتسود توقعات بخسائر كبيرة لبعض العملات تصل إلى خانة العشرات خلال الأسابيع المقبلة.

ولطالما عولت عملات الكثير من الأسواق الناشئة على أن الزيادات الحادة التي أقرها البنك الفيدرالي الأميركي لأسعار الفائدة قد أُقرّت بالفعل، وأن الأشهر المقبلة قد تشهد استقراراً، لكن يبدو أن هذا الرهان غير مضمون، إذ عاد مسؤولو "المركزي الأميركي" في وقت سابق من فبراير/ شباط الجاري إلى الإعلان أن هناك حاجة لزيادات إضافية في أسعار الفائدة، لتهدئة التضخم في أكبر اقتصاد في العالم.

وقال جيمس أثاي، وهو مدير استثمار لدى شركة "أبردن" لإدارة الأصول في لندن، لوكالة بلومبيرغ الأميركية: "نحن قلقون من تحرك عملات الأسواق الناشئة بشكل كبير جداً وسريع جداً.. لم ينه الاحتياطي الفيدرالي بعد مسار رفع الفائدة، وهناك حالة واسعة من عدم اليقين بشأن آفاق التضخم. ومن دون مبالغة، نحن نتوقع ركوداً أميركياً وعالمياً خلال الأشهر الستة إلى الإثني عشر شهراً المقبلة".

حالة عدم اليقين هذه ظهرت جلية يوم الجمعة الماضي، بعد تسجيل مؤشر الأسعار المفضل للفيدرالي الأميركي زيادة مفاجئة، الأمر الذي عزز احتمال الإبقاء على أسعار فائدة أعلى في الولايات المتحدة لفترة أطول، وبالتالي دعم الدولار. ثم تفاقمت التراجعات في مؤشر عملات الأسواق النامية الذي يُرجح أن يسجل أسوأ شهر له منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، كما شهد فبراير/ شباط الجاري هبوط مؤشر صادر عن بنك الاستثمار الأميركي "جيه بي مورغان" يقيس الإقبال على مخاطر عملات الأسواق الناشئة، ليتحول إلى المنطقة السلبية في منتصف هذا الشهر للمرة الأولى خلال العام الجاري.

وتخلت العملة التايلاندية "البات" بالفعل عن كل مكاسبها التي حققتها في بداية العام الجاري بفضل التفاؤل بعودة السياح الصينيين، كما تراجع الراند الجنوب أفريقي إلى مستويات أواخر 2022، بينما حذر بنك الاستثمار الأميركي "غولدمان ساكس" من مواجهة "الراند" مصاعب مستقبلاً لتأثره الشديد بأسعار الفائدة الأميركية.

وعلى صعيد عملات الدول التي تعاني من أزمات أعمق نتيجة الديون الثقيلة والصعوبات الاقتصادية والمالية التي تواجهها، يبدو الجنيه المصري مرشحاً لهبوط أشد وطأة خلال الفترة المقبلة.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وقال بنك "سوسيتيه جنرال" الفرنسي إن مصر من المرجح أن تخفض قيمة عملتها مرة أخرى في "المستقبل القريب"، مشيراً إلى أن الجنيه قد يُنهي الربع الحالي دون مستوياته الحالية بنحو 10%.

وأوضح الخبراء الاستراتيجيون في البنك في تقرير حديث، أنه على الرغم من فقدان الجنيه 50% من قيمته خلال العام الماضي، 2022، بعد خفض قيمته ثلاث مرات، إلا أن الدولة ستحتاج إلى عملة أرخص نظراً لكبر حجم عجز الحساب الجاري ونقص الدولار.

وتواجه مصر محنة اقتصادية وأسوأ أزمة سيولة أجنبية منذ سنوات. وأدى ذلك إلى الضغط على الجنيه، الذي كان خامس أسوأ العملات أداءً في العالم في 2022. ويتوقع المحللون الاستراتيجيون في "سوسيتيه جنرال" الفرنسي أن يهبط الجنيه إلى 34 مقابل الدولار الواحد في نهاية الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بنحو 30.68 مقابل الدولار حالياً.

وخلال جولة التنبؤ الأخيرة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حدد المسؤولون عن السياسة النقدية لدى البنك الفيدرالي الأميركي أعلى معدل للفائدة عند 5.1% خلال 2023، وفق متوسط تنبؤاتهم. لكن كبير الاقتصاديين السابق لدى صندوق النقد الدولي كين روجوف قال لتلفزيون بلومببرغ قبل أيام، إنه لن يفاجأ إذا وصلت أسعار الفائدة إلى 6% لخفض التضخم.

وأعلنت لجنة السوق المفتوحة في مجلس الاحتياطي الفيدرالي في مطلع فبراير/ شباط الجاري، زيادة أسعار الفائدة بواقع 25 نقطة أساس، لترتفع إلى نطاق بين 4.50% و4.75%.

وقال إريك شتاين، كبير مسؤولي الاستثمار والدخل الثابت في بنك "مورغان ستانلي"، إن "الاحتياطي الفيدرالي سيواصل تشديد سياسته النقدية بشكل أكبر بكثير طالما أنه لم يحقق هدفه بعد. فالبنك يقول إنه سيخفض التضخم إلى مستهدف الـ2%، لكن في الواقع أتوقع وصوله إلى 3% أو نحو ذلك".

ويزيد رفع أسعار الفائدة من قوة الدولار، الذي قفز بالأساس إلى أعلى مستوياته على مدى عدة أجيال خلال العام الماضي، ما أدى إلى تفاقم الفقر والتضخم في مختلف أنحاء العالم من باكستان إلى غانا.

وكتبت إلسا ليغنوس، رئيسة استراتيجية العملات الأجنبية في مؤسسة "أر بي سي كابيتال ماركتس"، في مذكرة نُشرت في وقت سابق من الشهر الجاري: "توقعاتنا الأساسية تشير إلى انتعاش الدولار حتى نهاية العام الجاري. فما زالت العملة الأميركية تقدم أعلى عائد في مجموعة العشر، كما أنها تدر عوائد أفضل من الكثير من الأسواق الناشئة".

كما قالت هولتز جين، كبيرة مسؤولي الاستثمار في آسيا والمحيط الهادئ في "دويتشه بنك" الألماني: "لقد بلغ الدولار ذروته، لكنه سيحافظ على قوته في ضوء تمتعه بمركزه كملاذ آمن".

وأكد تقرير حديث صادر عن معهد التمويل الدولي أن "ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل عملات دول الأسواق الناشئة خلال العام الماضي كان سبباً رئيساً في ارتفاع كلفة الوفاء بالتزامات الديون الحالية، خصوصاً أن كل تلك الديون مقومة بالعملة الأميركية".

وقال المعهد إن "ديون الدول النامية سجلت رقماً قياسياً جديداً في نهاية 2022، ما زاد من مخاوف تخلف تلك الدول عن سداد ديونها السيادية في العام الحالي"، موضحا أن "ديون الحكومات والأسر والشركات والقطاع المالي المتراكمة في 30 دولة كبيرة ومنخفضة ومتوسطة الدخل بلغت 98 تريليون دولار في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي مع تراجع عملات تلك البلدان مقابل الدولار".

المساهمون