استمرّ قطع الطرقات في عددٍ من المناطق اللبنانية لليوم الثاني على التوالي، يوم الأربعاء، احتجاجاً على ارتفاع سعر صرف الدولار، وتردّي الأوضاع المعيشية، في مشاهد، يتوقع ارتفاع وتيرتها في الفترة المقبلة، مع بدء العد التنازلي للانفجار الاجتماعي في ظلّ ضبابية المشهد، وانسداد الأفق حكومياً وغياب الدعم الدولي.
في المقابل، وجّه الرئيس اللبناني ميشال عون أمس، مجموعة من الأسئلة إلى حاكم البنك المركزي رياض سلامة خلال لقاءٍ جمعهما في قصر بعبدا الجمهوري، تم التطرّق فيه إلى الوضع المالي، والتحركات الشعبية التي شهدها الشارع خلال اليومين الماضيين، احتجاجاً على ارتفاع سعر صرف الدولار الذي لامس سقف العشرة آلاف ليرة لبنانية.
وطالب عون بحسب بيان تلاه المستشار السياسي والإعلامي أنطوان قسطنطين، حاكم مصرف لبنان، بمعرفة الأسباب التي أدت إلى ارتفاع سعر صرف الدولار إلى هذه المستويات، ولا سيما في الأيّام القليلة الماضية، وإطلاع اللبنانيين، تأميناً للشفافية، على نتائج التحقيق الذي تجريه هيئة التحقيق الخاصة.
وطالبه، بإحالة هذه النتائج إلى النيابة العامة ليُصار إلى ملاحقة المتورّطين، في حال ثبت وجود عمليّات مضاربة غير مشروعة على العملة الوطنية من جانب أفرادٍ أو مؤسسات أو مصارف.
التدخل السريع
وسأل، الرئيس اللبناني، الحاكم، عمّا آل إليه تنفيذ التعميم رقم 154 الصادر عنه للمصارف. وشدد على وجوب استعادة جزء من الأموال المحوّلة سابقاً إلى الخارج من جانب كبار مساهمي المصارف وكبار مديريها، والسياسيين والعاملين في القطاع العام، ومعرفة ما هو الحجم الحقيقي للأموال التي تمّت استعادتها في هذا السياق.
وقالت أوساط قصر بعبدا، لـ"العربي الجديد"، إنّ الرئيس عون طلب من حاكم البنك المركزي، التدخل سريعاً، وتحمّل المسؤولية، للجم التدهور الكبير في العملة الوطنية، الذي ستكون له انعكاسات خطيرة معيشياً، وسيؤدي إلى انفجار اجتماعي، كان قد حذّر منه رئيس الجمهورية.
وكان تأكيد من سلامة، بأن هناك إجراءات يعمل عليها، ستصدر تباعاً في محاولةٍ إنقاذية، لكنها غير كافية.
وشدد، رئيس الجمهورية، على أنّ الهمّ الأساس يبقى استعادة أموال المودعين وحقوق الناس التي لا تجوز إضاعتها، لا عن طريق المضاربات غير المشروعة ولا عن طريق التحويلات المشبوهة إلى الخارج، مؤكداً أنّ هذه الممارسات هي التي أدّت إلى فقدان قسم كبير من الودائع، ما تسبّب بضائقة ماليّة واجتماعيّة عَلت معها صرخة الناس عن حقّ، فنزلوا إلى الشارع وهذا أمر مشروع.
عودة التحركات الشعبية
وساهم انهيار العملة الوطنية بشكل غير مسبوقٍ، مع ملامسة سعر صرف الدولار نحو 10 آلاف ليرة لبنانية، للمرّة الأولى منذ شهر يوليو/تموز الماضي، في عودة التحركات الشعبية إلى الشارع، حيث طغى مشهد قطع الطرقات وإشعال الإطارات، على كل المناطق، شمالاً، جنوباً، بقاعاً، وفي جبل لبنان، والعاصمة بيروت، احتجاجاً على ارتفاع سعر صرف الدولار، والغلاء الفاحش، واستمرار المصارف اللبنانية باحتجاز ودائع الناس، وتحميلها مسؤولية ارتفاع سعر الصرف، بالتواطؤ مع الصرافين.
وعلت الأصوات، المطالبة باستعادة الأموال المنهوبة، وسقوط أفراد الطبقة السياسية، ومعهم حاكم مصرف لبنان، الذين بالتشارك والتضامن أوصلوا البلاد إلى حافة الإفلاس.
وعلى وقع الاعتصامات، لا يزال سعر صرف الدولار مرتفعاً، إذ تراوح أمس، في السوق السوداء، بين 9900 – 10000 ليرة لبنانية، من حيث البيع والشراء، في حين يبلغ سعر السوق المعتمد في المنصة الإلكترونية لعمليات الصرافة، 3850 ليرة للشراء، و3900 ليرة للبيع، ويستقرّ سعر الصرف الرسمي عند 1507 ليرات.
6 أسباب لانهيار الليرة
ونفت جمعية المصارف في لبنان ما يتم تداوله في الأيام الماضية عن دور للمصارف في ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، مشيرة، في بيان، أمس الأربعاء، إلى أنّ متطلبات السيولة المصرفية في الخارج من قبل البنك المركزي تتعدى 3.4 مليارات دولار على مستوى القطاع، "فهل يعقل أن تجتذبها المصارف من السوق السوداء المحلية التي لا يتجاوز حجمها بعض الملايين من الدولارات؟".
وعزت جمعية المصارف، الأسباب الكامنة وراء ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى 6 اعتبارات وهي كالتالي:
أولاً، الضبابية السياسية في البلاد، في ظلّ التخبّط السياسي والتجاذبات في غياب أي جهدٍ جدي وحقيقي لتأليف الحكومة العتيدة بعد مرور سبعة أشهرٍ من استقالة حكومة حسان دياب.
ثانياً، الاستيراد غير المدعوم من مصرف لبنان والذي تقدّر قيمته بما لا يقل عن 5 مليارات دولار سنوياً، بحيث يلجأ المستوردون إلى السوق السوداء لتأمين الدولارات النقدية المطلوبة.
ثالثاً، شحّ الدولار في السوق المحلية في سياق انخفاض حركة الأموال الوافدة بشكل ملحوظ، ما أدى إلى عجزٍ في ميزان المدفوعات بمقدار 10.5 مليارات دولار في العام 2020، وهو أكبر عجز عرفه لبنان". تقول جمعية المصارف.
رابعاً، طباعة النقد بالليرة اللبنانية، لا سيما لتنقيد عجز الدولة بحيث ارتفع حجم النقد المتداول بالليرة من 9818 مليار ليرة لبنانية في نهاية العام 2019 إلى 29242 مليار ليرة في نهاية سنة 2020.
خامساً، التداول الناشط بصورة غير شرعية للدولار عبر المنصات الإلكترونية، ما يستوجب الملاحقة القانونية لإقفال هذه المنصّات.
سادساً، تخزين الدولار في المنازل من قبل المواطنين في ظلّ التخوّف من الآفاق المستقبلية مع انعدام الثقة بشكلٍ كاملٍ.
وأكدت، جمعية المصارف، أنّ السيطرة على تفلت الدولار في السوق السوداء، رهن بتطورات سياسية تعيد الثقة إلى اللبنانيين وباعتماد سياسات احتوائية من مختلف السلطات المعنية للسيطرة على عجوزات لبنان المالية الخارجية.
لا سقف لارتفاع الدولار
ويجمع خبراء اقتصاد، على أنه لا سقف لارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، طالما أن الطلب على العملة الصعبة إلى تزايد، وخصوصاً مع إعادة فتح البلاد تدريجياً، واستئناف نشاط القطاع التجاري، ومن بعده المؤسسات السياحية، والعرض معدوم، ولا أموال نقدية تدخل لبنان وتصرف في السوق المحلية، فالناس الذين يحملون دولارات يخبّئونها، ولا يستخدمونها.
ويؤكد خبراء أنّ ارتفاع سعر صرف الدولار له انعكاسات كارثية تترجم بغلاء فاحش أهمها، يطاول، المواد الاستهلاكية الغذائية، التي ستشهد حكماً ارتفاعاً في الأسعار بالتزامن مع بدء رفع الدعم التدريجي عن بعض السلع الأساسية، إلى جانب تصاعد إضافي في أسعار المحروقات، بنزين ومازوت، وبالتالي، ارتفاع تعرفة المولدات الكهربائية خصوصاً في ظلّ ساعات التقنين الطويلة، وزيادة تعرفة النقل البري، وغيرها، في حين لا تزال الرواتب بالعملة الوطنية على حالها، وفق سعر الصرف الرسمي وتفقد يومياً قيمتها.
غلاء الوقود
من ناحية ثانية، سُجِّل، أمس الأربعاء، ارتفاع جديد في سعر صفيحة البنزين، 95 و98 أوكتان، بنحو 1300 ليرة لبنانية، والمازوت 1100 ليرة والغاز 500 ليرة، لتصبح أسعار 95 أوكتان 33500 ليرة، و98 أوكتان 34500 ليرة، والمازوت 23400 ليرة، والغاز 25300 ليرة.
يؤكد خبراء أنّ ارتفاع سعر صرف الدولار له انعكاسات كارثية تترجم بغلاء فاحش أهمها، يطاول، المواد الاستهلاكية الغذائية
كذلك، عقدت اتحادات ونقابات النقل البري اجتماعاً أمس، برئاسة بسام طليس ورؤساء الاتحادات والنقابات في المناطق اللبنانية كافة.
وقال طليس: "نتيجة الاتصالات مع وزير الأشغال العامة في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار، تم تعديل سعر النقل بنسبة 30%"، متوجهاً إلى العمال والشعب اللبناني، قائلاً: "لا تلوموا السائقين، فهم يتحملون أعباء كبيرة أسوة بغيرهم من المواطنين، فالدولة غير موجودة، والأسعار تضاعفت أكثر من 400%، وما زال يحتسب بدل النقل لدى الحكومة والشركات على أساس 1500 ليرة"، معلناً "تجميد قرار الإضراب والتحركات التي كان مقرّراً تنفيذها".