وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على الخطة الاقتصادية ومشروع الموازنة العامة لعامي 2023 و2024 اللذين قدَّمهما وزير المالية بتسلئيل سموطريتش في اجتماع عُقد يوم 24 فبراير/ شباط 2023 بعد مناقشات مطوَّلة ومفاوضات صعبة.
وبحسب الأرقام المعروضة سيصل حجم الموازنة العامة إلى نحو 484 مليار شيكل (132 مليار دولار) في العام الجاري 2023 (أي بزيادة 8.55 مليارات دولار عن العام الماضي) وإلى نحو 513 مليار شيكل (139.9 مليار دولار) في العام 2024.
سبق هذه الخطوة تعثَّر المفاوضات بشأن الموافقة على الموازنة العامة حيث وصلت إلى طريق مسدود في 23 فبراير/ شباط نتيجة معارضة بعض الوزراء على خطة خفض ميزانيات وزاراتهم وأبرزهم وزير السياحة حاييم كاتس الذي قاطع الاجتماع ولم يصوِّت، واصفاً مشروع الموازنة بالجنازة لوزارته نتيجة تقليص ميزانيتها وإلغاء الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة للسيّاح.
كما أعرب مسؤولون في وزارة الصحة عن خيبة أملهم العميقة من عدم الالتزام بالزيادات التي تمَّ التعهُّد بها مسبقاً، وشدَّدوا على أنّ تقليص ميزانية وزارة الصحة سيؤدِّي لا محالة إلى اتِّساع الفجوة بين الطبقات والشرائح الاجتماعية وفتح الباب على مصراعيه لتقديم خدمات طبية عالية الجودة للأثرياء فقط.
أيضا قاطع وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير مداولات الحكومة يوم 23 فبراير/ شباط أيضاً اعتراضاً على حصول وزارته على 9 مليارات شيكل فقط (2.45 مليار دولار) عوضاً عن 14 مليار شيكل على الأقل (3.8 مليارات دولار) تمَّ وعده بها مسبقاً، لا سيَّما بعد أن ثارت عاصفة من الاستياء بين ضباط شرطة كبار كانوا متخوِّفين من بقاء وعود بن غفير بزيادة أجورهم مجرَّد حبر على ورق، لكنه عدل عن رأيه، وصرَّح بأنّ الإضافة الجديدة تعتبر إنجازاً هائلاً للوزارة والشرطة.
كما لاقى حصول وزارة التعليم على ميزانية تصل إلى 84 مليار شيكل (22.9 مليار دولار) أي بزيادة قدرها 3.8 مليارات دولار مقارنة بعام 2022 استهجاناً واسعاً، فهذه الزيادة لم تكن لسواد عيون التعليم، بل لغاية في نفس يعقوب. فقد وافقت الحكومة على مشروع قانون وزير التعليم والعضو في حزب الليكود بزعامة نتنياهو يوآف كيش الذي يحمل عنوان "زيادة الشفافية والرقابة العامة للمكتبة الوطنية".
وسيضع هذا المشروع، الذي لم يكن مُدرجاً في جدول أعمال مجلس الوزراء وتمَّ طرحه لأوّل مرّة خلال مداولات الموازنة دون مراجعته من قبل الجهات القانونية ودون خضوعه للإجراءات المهنية المناسبة، المكتبة الوطنية تحت رغبة السياسيين وسيحدّ من استقلاليتها وسيسمح للحكومة بإقالة مجلس إدارتها الحالي بهدف طرد رئيس الجامعة الذي كان منخرطاً في السابق في إعداد اتِّهامات ضدّ بنيامين نتنياهو بارتكاب جريمة الكسب غير المشروع.
من جهتها، لم تفوِّت كبيرة الاقتصاديين في وزارة المالية الإسرائيلية شيرا غرينبرغ الفرصة يوم 23 فبراير/شباط للتنديد بخطة إضعاف جهاز القضاء وتقويض الديمقراطية، لما لذلك من عواقب وخيمة على الاقتصاد الإسرائيلي.
فقد أكَّدت غرينبرغ في تقرير مرافق لمشروع الموازنة استلمته حكومة نتنياهو بأنّ الإصلاحات القضائية الجديدة لها تأثير كرة الثلج نظراً لتداعياتها السلبية على السوق ومؤسسات الدولة وبيئة الاستثمار.
ولم تتردَّد حركة "الوقوف معاً" "Standing Together"، التي تقود حملة "الحدّ الأدنى 40" "Minimum 40" لرفع الحدّ الأدنى للأجور إلى 40 شيكل للساعة الواحدة (10.9 دولارات)، في التعبير عن سخطها وعدم رضاها عن الموافقة على الموازنة التي تغضّ فيها الحكومة الإسرائيلية البصر عن الارتفاع الجنوني لأسعار المنتجات الغذائية والوقود والكهرباء والإيجار، وتختار في الوقت ذاته عدم الانحياز إلى الطبقات الفقيرة والمتوسِّطة من خلال الإصرار على عدم رفع الحدّ الأدنى للأجور الذي لم يتمّ تحديثه منذ خمس سنوات.
وعلى الضفة التفاؤلية الأخرى، أفاد وزير الثقافة والرياضة الإسرائيلي ميكي زوهار بأنّ الميزانية الإضافية غير المسبوقة المُقدَّرة بمليار شيكل التي ستتلقَّاها وزارته ستغيِّر وجه الثقافة والرياضة في إسرائيل، وتمهِّد الطريق لحقبة جديدة.
كما سترتفع ميزانية وزارة النقب والجليل والصمود الوطني بقيادة عضو الكنيست يتسحاق فاسرلاف إلى 2 مليار شيكل (545.6 مليون دولار)، بينما ستتلقَّى وزارة التراث أكثر من نصف مليار شيكل (136.3 مليون دولار)، وهي أعلى زيادة حصلت عليها هذه الوزارة على الإطلاق.
من جانبه، أكَّد نتنياهو أنّ هذه الموازنة تتماشى مع متطلَّبات الاقتصاد الحرّ المقترن بالمسؤولية المالية والنقدية، وأفاد بأنّ الاقتصاد الإسرائيلي قويّ وأصبح أقوى مع موافقة مجلس الوزراء على مشروع الموازنة.
لتبرير شحّ الموازنة الجديدة على عدّة وزارات، حذَّر محافظ بنك إسرائيل أمير يارون من ظهور بوادر أزمة اقتصادية جديدة وسط مخاوف متزايدة بشأن سعي الحكومة لإجراء تغييرات شاملة في القضاء تثير فزع المستثمرين ورجال الأعمال وتنذر بحدوث انكماش اقتصادي، وأفاد أيضاً بأنّ ارتفاع التضخُّم وتذبذب أسواق المال وتراجع سعر صرف الشيكل أمام الدولار كلها عوامل خطيرة تستوجب التحلِّي بالمسؤولية في الإنفاق العام، وشدَّد على أنّ السياسات المالية التي تؤدِّي إلى توسُّع الطلب تشكِّل ضغوطاً تضخُّمية إضافية تحول دون تحقيق قفزة اقتصادية نوعية.
خلاصة القول، تعتبر موافقة الحكومة على الموازنة العامة نجاحاً سياسياً لنتنياهو الذي يكترث فقط لمصالحه ولبقائه في سدة الحكم، فقد جعل أذناً من طين وأذناً من عجين لكل التحذيرات المتعلِّقة بالإصلاحات القضائية التي أدخل من خلالها دولة الاحتلال في فوضى عارمة لإنقاذ نفسه، لكنه لن يتنفَّس الصعداء ولن تكتمل فرحته إلا بعد مصادقة الكنيست على الموازنة لتتحوَّل إلى قانون.
وفقاً للقانون الحالي، يتمّ حلّ الكنيست تلقائياً وإجراء انتخابات جديدة إذا لم تتمّ الموافقة على الموازنة بحلول نهاية شهر مارس/آذار أو في غضون 145 يوماً من تشكيل الحكومة الجديدة.
ففي حال الفشل في المصادقة على الموازنة، يتعيَّن على مختلف الوزارات الاستمرار بالإنفاق مما تبقَّى لديها من الميزانية السابقة، وفي هذه الحالة لا يمكن المصادقة على المشاريع الجديدة ولن يعرف الاقتصاد طريقه للاستقرار وستجد الدولة نفسها أمام أزمات هي بغنى عنها.