مليارات الخليج ودول الفقر المالي

12 ديسمبر 2022
أموال الخليج تتدفق على البنوك والأسواق الأميركية/ Getty
+ الخط -

تتدفق مئات الملايين من الدولارات يومياً على موازنات وصناديق وبنوك دول الخليج، وتتراكم الفوائض المالية لدى هذه الدول بسبب قفزات إيراداتها من صادرات الطاقة وزيادة أسعار النفط والغاز الطبيعي لمستويات قياسية عقب تراجع مخاطر وباء كورونا، واندلاع حرب أوكرانيا في نهاية مارس الماضي.

وبنظرة للصناديق السيادية الخليجية، التي تمتلك سيولة نقدية تتجاوز 3 تريليونات دولار، نلحظ زيادة تراكم الفوائض المالية لديها يوماً بعد يوم، مستفيدة ليس فقط من قفزات أسعار النفط والغاز في الأسواق الدولية، بل من الفرصة الذهبية التي يتيحها الظرف الدولي حيث عقوبات غربية متلاحقة على النفط والغاز الروسيين، وزيادة في الطلب على مشتقات الطاقة من قبل الدول الصناعية الكبرى مثل الصين والهند وغيرهما.

منطقة الخليج لديها 18 صندوقاً استثمارياً سيادياً وتدير سيولة نقدية تزيد قيمتها عن 3.7 تريليونات دولار من رؤوس الأموال

صندوق قطر السيادي الذي يديره جهاز قطر للاستثمار مثلاً حقق قفزات في الفترة الماضية أوصلت حجمه إلى أكثر من 461 مليار دولار في نهاية سبتمبر الماضي، وهو الرقم الذي رشحه لاحتلال المرتبة الرابعة بين الصناديق العربية والتاسعة عالمياً.

تكرر الحال مع باقي الصناديق السيادية الخليجية الأخرى، فصندوق جهاز أبوظبي للاستثمار ADIA قفزت أصوله لأكثر من 830 مليار دولار، وهو ما يجعله واحد من أكبر الصناديق العالمية.

وكذلك الحال مع صندوق هيئة الاستثمار الكويتية الذي تجاوز أصوله 600 مليار دولار، وصندوق الاستثمارات العامة السعودي الذي احتل المرتبة السادسة بين أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم بإجمالي أصول بقيمة 620 مليار دولار خلال يونيو الماضي. وبالطبع فإن هذه الأرقام زادت في الشهور الماضية مع زيادة أسعار النفط.

ووفق أحدث الأرقام فإن منطقة الخليج لديها 18 صندوقاً استثمارياً سيادياً وتدير سيولة نقدية تزيد قيمتها عن 3.7 تريليونات دولار من رؤوس الأموال وتشكل نسبتها أكثر من 33% من إجمالي أصول صناديق الثروات السيادية العالمية البالغة 11.2 تريليون دولار.

ومع استمرار زيادة أسعار النفط والغاز فإنه من المتوقع أن تعزز قوة صناديق الثروة السيادية الخليجية بسيولة إضافية تقدر بنحو 1.3 تريليون دولار خلال الأربعة أعوام المقبلة، وفق أرقام صندوق النقد الدولي في شهر أغسطس الماضي.

ومع توافر هذه السيولة الضخمة اندفعت الصناديق الخليجية نحو البحث عن فرص استثمار جذابة وآمنة وعالية الربحية، وزيادة استثماراتها في الأسواق الغربية خاصة السوق الأميركي، والقيام بموجة كبيرة من عمليات الاستحواذات على أصول شركات وبنوك وفنادق وأندية رياضية وغيرها.

مع استمرار زيادة أسعار النفط والغاز فإنه من المتوقع أن تعزز قوة صناديق الثروة السيادية الخليجية بسيولة تقدر بنحو 1.3 تريليون دولار خلال 4 سنوات

فقد رفع جهاز أبوظبي للاستثمار استثماراته في أسواق الأسهم والعقارات الأميركية. وتكرر الأمر مع صناديق قطر والسعودية والكويت ودبي التي استحوذت على أصول أوروبية وأسيوية.

يساعد في هذا الاتجاه جاذبية الأصول داخل الأسواق الغربية ورخص أسعارها مع الأزمات الاقتصادية والمالية التي تمر بها وفي مقدمتها التضخم وأزمة الطاقة، ودخول بعض الاقتصادات مرحلة الركود.

دول الخليج باتت لديها فوائض مالية ضخمة تبحث عن فرص استثمار جذابة وآمنة وقليلة المخاطر، وأسواق تتراجع بها المخاطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبها استقرار في أسواق الصرف ومعدل تضخم مقبول، وأنشطة اقتصادية مربحة.

كما تبحث عن دول قليلة الفساد، وتتوافر بها قوانين تحمي المستثمر، ومنافسة نظيفة ومقاومة للاحتكارات، ونظام مصرفي يتيح تحويل الأرباح الرأسمالية بسهولة وبلا تعقيد، وتكاليف إنتاج مقبولة وأسعار طاقة غير مبالغ بها، وعمالة محترفة، وبنية تحتية قوية.

دول الخليج باتت لديها فوائض مالية ضخمة تبحث عن فرص استثمار جذابة وآمنة وقليلة المخاطر، وأسواق تتراجع بها المخاطر

فهل تتوافر هذه الشروط لدى الدول العربية التي تعاني من عجز مالي وفقر نقدي وندرة في السيولة الدولارية تضغط على عملتها الوطنية وموازنتاها والأسواق والمواطن والاقتصاد؟

أم أن هذه الدول تفضل القروض والودائع المساندة وأحياناً المنح والمساعدات المجانية على حساب الاستثمارات المباشرة الموفرة لفرص العمل وتحد من الواردات وتزيد الإنتاج والصادرات؟

المساهمون