زاد تردي الواقع المعيشي وغلاء الأسعار في تركيا من ظاهرة انتشار سلع ومنتجات مقلدة ومغشوشة، بأسعار رخيصة تناسب القدرة الشرائية المتراجعة للمستهلك، ما قد يؤثر على الثقة في الأسواق، ويضر بصحة المستهلك ويعزز المنافسة غير المتكافئة، كما يقول متخصصون.
وأعلنت وزارة الزراعة والغابات التركية أول من أمس الجمعة، أن حملتها ضد الغش الغذائي متواصلة إلى جانب حماية صحة المستهلكين، من خلال إجراء فحوصات مختبرية دورية على المنتجات الغذائية المعروضة في السوق، كاشفة عن أنواع أغذية مغشوشة تحتوي على مواد قد تشكل خطراً على الصحة العامة.
وأضافت الوزارة هذا الأسبوع، 12 منتجاً جديداً مغشوشاً على القائمة، لترتفع المنتجات المقلدة والمغشوشة بالسوق من 721 منتجاً إلى 733 منتجاً. كما فضحت الوزارة الشركات المخالفة للمعايير الصحية والقياسية، بعد فحص عينات تبين فيها وجود مواد ضارة مثل الصبغات في الفلفل الحار، وخلط لحوم الخيول في اللحم بالعجين، بالإضافة إلى إدخال لحوم الخنازير في وصفات الكباب.
تشديد العقوبات غش السلع ضرورة
من جانبه، قال الاقتصادي التركي، مسلم أويصال إن "الغلاء في تركيا، خاصة بأسعار المنتجات الغذائية، زاد من حالات الغش لتقديم سلع تتناسب مع دخل المستهلكين، وزاد الغش خلال العامين الأخيرين، بالتوازي مع ارتفاع التضخم الكبير وتراجع قيمة الليرة". وأشار إلى أن "عمليات الغش والتدليس بالمنتجات القابلة للخلط وإضافة المواد، مثل منتجات الحليب ومنتجات اللحوم عبر مزج لحوم ديك رومي أو دجاج، وبيعها على أنها لحم خراف أو عجل، إضافة إلى خلط الزيوت وتسعيرها على أنها زيت زيتون"، مستدلاً بـ"اختلاف وتباين الأسعار التي تدلل على اختلاف الصنف وجودة المنتج".
وأضاف أويصال أن "قانون حماية المستهلك في تركيا، المعمول به منذ عام 2013 لايكفي"، مطالبا بـ"مزيد من القوانين الرادعة وتشديد الغرامات، لتقليل حالات الغش وإنهائها من السوق"، مشيراً لـ"العربي الجديد" أن "وجود الأسواق الشعبية الأسبوعية -البازارات- واستحالة رقابتها، يزيد من تفشي غش المنتجات الغذائية عبر ذرائع كسر الأسعار والمنافسة".
وحول آلية الرقابة لحماية المستهلكين، نوه الاقتصادي التركي إلى أن "جهات حكومية عدة معنية بمتابعة الأسواق ومراقبة صلاحية وجودة وأسعار المنتجات، ولكن بحكم أن الاقتصاد في تركيا مفتوح وحر، تتجلى المنافسة بأشكال عدة، ولكن إلى ما دون تزييف العلامات أو التلاعب بالمواد الأولية"، مبيناً أن "أخذ العينات وتحليلها مخبرياً، من مهام وزارة الزراعة ولكن منع الاحتكار والغش، مسؤولية عامة وعليها عقوبات وغرامات كبيرة".
الأسعار في تركيا ليست مبرراً للغش
ويرى المحلل التركي، باكير أتاجان أن "ارتفاع الأسعار في تركيا ليس مبرراً للغش والتلاعب بصحة المستهلكين أو الإساءة لسمعة الإنتاج التركي الذي يحقق حضوراً وثقة في الأسواق المجاورة والعالمية"، مؤكداً أن "الغش لا يطاول السلع التركية المصدرة التي تخضع لمواصفة وتدقيق شديدين، ولكن تلك الخاصة بالسوق المحلية، إذ تشتغل بعض الشركات وصغار المنتجين لغش بعض السلع وتخفيض الأسعار لتتناسب مع الدخل ومستوى الأجور، وصراحة، كثير من المستهلكين يسعون للمنتج الرخيص".
وحول زيادة السلع المغشوشة يكشف أتاجان لـ"العربي الجديد" أنها "تعاظمت منذ بدأت الاتفاقات التجارية مع دول الاتحاد الأوروبي بعد عام 2010، والتي ألغت عقوبات السجن والغرامات الكبيرة وإغلاق المنشآت"، مضيفاً أنه "حين يُكشف غش أو يرِد بلاغ عن تغيير مواصفة أو رفع أسعار، يُصار إلى التنبيه ثم إلى غرامة قليلة، وبعدها غرامة أكبر، ولكن لا يوجد عقوبات رادعة كالسجن وإغلاق المنشأة". ودعا أتاجان إلى "فرض عقوبات رادعة أشد لوقف عمليات التلاعب بالإنتاج"، مكرراً أن "غلاء الأسعار في تركيا أو تراجع القدرة الشرائية لا يبرران حالات الغش التي تؤثر على الصحة وسمعة الإنتاج".
ولم تشهد نسبة التضخم السنوي في تركيا، تراجعاً كبيراً الشهر الماضي، كما وعدت الحكومة، إذ تراجعت من 49.38% في سبتمبر/أيلول إلى 48.58% في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في حين لم تزل الليرة التركية تتذبذب بين 34.2 و34.3 ليرة مقابل الدولار. ورفضت الحكومة التركية زيادة الحد الأدنى للأجور، مرة ثانية خلال العام الجاري وأبقته في القطاع الخاص عند 17002 ليرة تركية، رغم ارتفاع نسب الفقر في البلاد، إذ وبحسب تقرير لاتحاد التركي لنقابات العمال "Türk-İş" لشهر أكتوبر الماضي، بلغ حد الفقر 66 ألفاً و553 ليرة تركية. أما تكلفة المعيشة الشهرية للموظف الأعزب، فقد وصلت 26 ألفاً و527 ليرة تركية.